في إطلالته الإعلامية الأخيرة على قناة المؤسسة اللبنانية للإرسال، وجَّه رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، سهامَه نحو مجموعة من القادة الأمنيين، وقال فيها باسيل: "هناك تمدّد تركي في لبنان، سياسي وأمني ومالي، وأنا أريد أن أنبه وأحذّر أن هناك قادة أجهزة أمنية لبنانية على رأس عملهم بالجيش، وقوى الأمن يعلمون بذلك ويسهلون حدوثه".
يأتي حديث باسيل عن تمدد تركي في إطار حملة تشنها قوى سياسية ووسائل إعلام على تركيا، تتهم أنقرة بالتمدد السياسي والأمني في الشمال اللبناني، كما يأتي بعد يومين من مقابلة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على قناة الميادين، وأشار فيها إلى طموح تركي بأن يصبح للأشخاص المرتبطين بها شمال لبنان نفوذ ووزن، نافياً إمكانية التوسّع في هذا الدور.
تصفية حسابات مع قائد الجيش؟
يَتَّهِمُ باسيل في مقابلته تلك قادةَ أجهزةٍ حاليين بأنهم على علم بذلك، ويسهلونه، وأنهم 3 من أصل 6، وأنهم عندما فتح ملف علمهم بالتدخلات التركية في المجلس الأعلى للدفاع روّجوا الوشاية على من تكلم.
وتقول مصادر خاصة لـ"عربي بوست" إن باسيل يمارس نوعاً من تصفية الحسابات مع قائد الجيش العماد جوزيف عون، لأنه وبحسب باسيل لم يمارس دوراً في قمع الانتفاضة التي انطلقت في 17 تشرين، والتي قرر حينها الجيش الوقوف على الحياد، وعدم التعاطي الأمني مع قادة الحراك والسكوت عن قطع الطرقات.
كما يسعى باسيل لقطع الطريق على قائد الجيش في حال تم التوافق عليه مستقبلاً كرئيس للجمهورية، حيث يتمتع جوزيف عون بعلاقات مميزة مع الإدارة الأمريكية، ويشكل عون هاجساً لباسيل الطامح لخلافة عمه رئيس الجمهورية ميشال عون في سدة الرئاسة الأولى.
مدير المخابرات والتمديد المزعج
في مشاركته التلفزيونيه، أكد باسيل أن رجالاً بالجيش ومعهم قوى الأمن الداخلي هم الذين وشَوا عند الأتراك بالشخص الذي تسبب في عرض الموضوع في المجلس الأعلى للدفاع، وقال: "لا أحد يلصقها بكرم مراد وحده".
وهنا كان باسيل يقصد رئيس فرع مخابرات الشمال في الجيش، العميد كرم مراد، ويضيف باسيل في مداخلته: "المقصود رؤساؤه وهم يعرفون ذلك"، وواصل: "أنا أتحدث عن تدخل مباشر من الأجهزة لصالح إطلاق سراح متورّطين، وأطلاق سراح فلان من المحكمة العسكرية، وهناك طرقات تُقطع لإدخال السلاح، فأنا أعرف أن هناك لعباً".
واستند باسيل في حديثه إلى تصريح سابق لوزير الداخلية قال فيه: "هناك لعب بالأمن والمال في الشمال، ويجب ألا نصل لمرحلة نكون فيها حقلاً من الحقول كما في ليبيا وتونس ومصر".
يؤكد مصدر قريب الصلة من الجيش لـ"عربي بوست"، أن كلام باسيل عن مخابرات الجيش المقصود منه ملف واحد، يسعى باسيل للاستحواذ عليه، وهو ملف تعيين مدير جديد للمخابرات، في ظل الحديث عن التمديد للعميد طوني منصور، الذي تم تعيينه سابقاً بغير رضا حزب الله والتيار الوطني الحر.
حيث يسعى باسيل -حسب المصدر- لتعيين مدير جديد للمخابرات محسوب عليه، وهو ابن مدينة البترون التي تعتبر معقل تيار باسيل.
"حرتقة" على الحريري
يستكمل باسيل -حسبما يؤكد متابعون- حربه المفتوحة على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بمحاصرة الموظفين الحكوميين المحسوبين على الأخير، واستبدالهم بشخصيات سنية محسوبة على حزب الله وتيار باسيل، ويروج باسيل منذ فترة أن مدير فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، العميد خالد حمود، يغطي على التمدد التركي بالسماح بمرور المال التركي لبيروت.
كما يروج باسيل لهذا المعطى دون إثبات يقدمه للرأي العام اللبناني، حيث يتهم باسيل حمود بوشاية زملائه الذين أثاروا التقارير الإعلامية التي تشير لدور تركيا في طرابلس، للجانب التركي، حيث يسعى باسيل لإحراج الحريري أمام دول الخليج، بأن ضابطاً سنياً محسوباً عليه على صلة بالأتراك.
مغازلة للخليج ومصر
يشعر باسيل منذ استقالة الحريري من الحكومة وتشكيل حكومة حسان دياب، أن موقفاً خليجياً وعربياً سلبياً منه ومن رئاسة الجمهورية انعكس على التعاطي الرسمي لهذه الدول مع لبنان، وتبلور بعدم استقبال دياب في عواصم عربية، وإشارات غضب من باسيل، بسبب وقوفه الدائم مع حزب الله في المحافل العربية والدولية.
ما دفع باسيل منذ فترة لخطب ود الإمارات ومصر منذ فترة، عبر انتقاده لحزب الله ومشروعه هو ونواب تياره، ويسعى باسيل بهذا الخطاب العدائي تجاه تركيا لكسب ود المحور العربي، الذي يصوب النار بشكل مستمر على دور أنقرة في بيروت، ودفع إعلامها في لبنان للهجوم على تركيا.
التقط باسيل طرف الخيط، وعلم أن مفتاح العرب يكمن في عداء تركيا، وتقول مصادر خاصة لعربي بوست، إن رئيس حزب التوحيد العربي، وئام وهاب، المحسوب على النظام السوري وتربطه علاقة جيدة مع الإمارات، يسعى لترطيب الأجواء بين باسيل وأبوظبي، حيث يرتب وهاب لقاء بين باسيل ومسؤولين إماراتيين تحت عنوان تلاقي المصالح، لمواجهة المد التركي في العالم العربي ولبنان.
حقيقة الدور التركي
يروي مصدر أمني لبناني لزواره، وهم دبلوماسيون غربيون، أن الحديث المستمر عن دور تركي في لبنان مضخم جداً، وأنه في إطار الصراع العربي مع تركيا، والذي يخشى من أن يتحول التعاطف الشعبي في المناطق السنية مع تركيا والرئيس أردوغان إلى رغبة تركيّةٍ في لعب دور في الساحة اللبنانية، والتي يشعر فيها السنة بخذلان داعميها.
لا تدخلات تركية
يقول مصدر دبلوماسي تركي لعربي بوست، إن تركيا مصممة على دعم استقرار لبنان، وأن التواصل بين لبنان وتركيا يجري فقط عبر القنوات الرسمية والدبلوماسية.
وحول ما يشاع عن تدخل تركي في لبنان، ويتم تسريبه من الأمن اللبناني لوسائل الإعلام، يُشدد المصدر: لم يبلغنا أحد بأي اسم أو معلومات أو حتى عبر القنوات الدبلوماسية، وكل ما يُذكر غير صحيح، ويؤكد المصدر أن تركيا على علاقة مع كل القوى السياسية الرئيسية في البلاد، لكن أنقرة لا تدعم أطرافاً سياسية لتحقيق نفوذ سياسي في الساحة اللبنانية.