نجح رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، في تحقيق انتصار قوي له ولحركة النهضة بعدما أسقط البرلمان التونسي لائحة سحب الثقة منه.
هذا الانتصار فتح باب التساؤلات على مصراعيه حول تداعيات تجديد الثقة برئيس مجلس نواب الشعب وعلاقة حركة النهضة ببقية الأحزاب والكتل البرلمانية وعلى تموقعها في تشكيل الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى علاقتها برئيس الجمهورية قيس سعيّد.
تجديد الثقة بالغنوشي
لم تفلح الكتل البرلمانية التي قدمت لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان في الإطاحة بالغنوشي بعد أن صوَّت 97 نائباً فقط لصالح هذا الخيار مع تصويت 16 نائباً ضد اللائحة من أصل 133 نائباً شاركوا في التصويت.
وكانت الإطاحة بالغنوشي تستوجب تصويت 109 نواب، وهو ما لم تتمكن الكتل البرلمانية هذه من الوصول له.
تحالف جديد في البرلمان
وبعد تصدع علاقة حركة النهضة مع شركائها في الحكم بعد سقوط حكومة إلياس الفخفاخ، عمقت جلسة سحب الثقة من الغنوشي الخلافات داخل البرلمان، وهو ما مهد الطريق لتشكيل تحالفات وتوازنات جديدة داخله.
وفي هذا السياق أكد القيادي بحركة النهضة العجمي الوريمي لـ "عربي بوست"، أن تحالف النهضة مع كل من "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"كتلة المستقبل" تعزَّز داخل البرلمان.
يأتي هذا بعد أن عملت هذه الكتل في مرحلة أولى، على تقديم لائحة مشتركة لسحب الثقة من رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ، وكان لها دور في إسقاط لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وأوضح الوريمي أن النهضة ستكون جزءاً من هذا التحالف داخل البرلمان في الفترة المقبلة، بعد تصدُّع علاقة الحركة مع بقية الكتل التي دعمت سحب الثقة من رئيس البرلمان، ومن بينها الكتل والأحزاب التي كانت شريكة النهضة في حكومة الفخفاخ.
وأضاف الوريمي: "إسقاط اللائحة انتصار للثورة على الثورة المضادة ممثلة في الحزب الدستوري الحر، الذي يعمل على تنفيذ أجندات أجنبية في تونس، وأصبح ذراعاً إماراتية تستهدف الثورة والتجربة الديمقراطية التونسية"، على حد تعبيره.
وأوضح أن عبير موسى استطاعت هي وحزبها إدخال عدد من الأحزاب المحسوبة على الخط الثوري مثل التيار الديمقراطي وحركة الشعب، والتي توجد بينها وبين حركة النهضة نقاط التقاء كبيرة، إلى مربعها الذي "يهدد الاستقرار في البلاد"، على حد وصفه.
وذكر الوريمي أنه كانت هناك بعض الخلافات حول عدد من الملفات والقضايا الإقليمية، ومن بينها الحرب في ليبيا حتى قبل جلسة سحب الثقة، لكنَّ حبل الود لم ينقطع بين النهضة وهذه الأحزاب، غير أن بناء الثقة مع شركاء النهضة السابقين في الحكم يتطلب بعض الوقت.
لا للتشفي والغرور!
ومن جهته أكد النائب عن حركة النهضة نوفل الجمالي، أن الحركة لن تتعامل بروح انتصارية مبالَغ فيها ولا بغرور مع نتائج جلسة سحب الثقة.
وأضاف: "هدفنا ليس التشفي من خصومنا السياسيين. اليوم الثورة والديمقراطية في تونس هما من انتصر، وقد نجحنا في تقديم درس جديد في الديمقراطية، وأثبتنا أننا قادرون على تجاوز خلافاتنا عبر الوسائل الدستورية ودون لجوء للعنف أو الاحتراب".
فرصة للمراجعة!
وأكد أن سقوط لائحة سحب الثقة من الغنوشي يمثل رسالة التفاف ودعم من البرلمان لرئيسه راشد الغنوشي.
وأوضح الجمالي أن جلسة سحب الثقة من رئيس البرلمان فرصة لحركة النهضة لمراجعة وتعديل خياراتها ومقاربتها لتوسيع الثقة برئاسة البرلمان وبالمؤسسة البرلمانية التي اهترأت صورتها؛ إيماناً من الحركة بأن البرلمان مؤسسة وركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار السياسي بالبلاد".
موقع النهضة في الحكومة الجديدة
وبما أن جلسة سحب الثقة من الغنوشي تتزامن مع بداية مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، من المنتظر أن يكون لنتيجة الجلسة تأثير على دور وتموقع حركة النهضة داخل هذه المشاورات.
وفي سياق متصل أكد العجمي الوريمي أن النهضة كانت اتخذت قراراً بأنها لن تجمع بين رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة حتى قبل سقوط لائحة سحب الثقة من الغنوشي.
وأضاف أن الحركة ستعمل الآن مع شركائها على دعم حكومة المشيشي التي "نتمنى أن تكون حكومة وحدة وطنية وانعكاساً في تكوينها لنتائج الانتخابات التشريعية التي فازت بها النهضة".
وتابع الوريمي: "لا نعلم بعدُ توجه رئيس الحكومة المكلف، لكننا سنتعاطى إيجابياً من منطلق سعينا للتعاون على إيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وتحقيق الاستقرار السياسي في تونس".
كما أكد النائب عن حركة النهضة نوفل الجمالي، أن موقع الحركة في الحكومة سيتحدد من خلال خيارات ورؤية رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، مضيفاً أن حركة النهضة هنأت المشيشي بتكليفه من قِبل رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة، لكنه من السابق لأوانه تحديد موقف منها حتى الاستماع لشخص السيد المكلف تشكيل الحكومة ومعرفة خياراته وتوجهاته، لكن المؤكد وفق تقديره، أن حركة النهضة ستتعامل بايجابية مع الحكومة الجديدة .
لا خلاف مع الرئيس
وفي الوقت الذي برزت فيه خلافات بين حركة النهضة ورئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال الأشهر السابقة، آخرها حول الجهة المخول لها تكليف رئيس للحكومة، أوضح الوريمي أنه "لا توجد خلافات شخصية مع رئيس الجمهورية الذي نكنُّ له الاحترام والتقدير. أيدينا ممدودة لرئاسة الجمهورية ولجميع مؤسسات الدولة ومكونات المشهد السياسي للتعاون من أجل مصلحة تونس".
كما أكد الجمالي أن رئيس حركة النهضة عبَّر حتى قبل الجلسة، عن تقديره للسيد رئيس الجمهورية، وشدد على سعيه للتعاون بين المؤسستين (البرلمان ورئاسة الجمهورية).
وأضاف: "نعتقد أنه لا وجود لخلافات بين الحركة ورئيسها مع السيد رئيس الجمهورية؛ بل هو مجرد اختلاف في الرأي حول عدد من الملفات وتفسير الإجراءات الدستورية. ما هو مؤكد أن النهضة تسعى وستواصل السعي للتعاون مع رئاسة الجمهورية في كل الملفات والقضايا".