هناك احتمالان فقط بشأن الجلسة التي يشهدها البرلمان التونسي، الخميس 30 يوليو/تموز، بخصوص سحب الثقة من رئيسه راشد الغنوشي؛ فإما أن ينجح أصحاب الطلب في مسعاهم وتتم تنحيته عن رئاسة البرلمان، وإما أن يفشلوا في جمع العدد المطلوب من الأصوات، فأي الاحتمالين يبدو أقرب؟
طبيعة الجلسة وكواليس التوافق عليها
يشهد مجلس نواب الشعب التونسي (البرلمان) حالةً من الشد والجذب، يُرجعها كثير من المراقبين إلى تفتت الكتل في داخله كنتيجة للتصويت العقابي في الانتخابات العامة الأخيرة، والتي لم تعط أغلبية واضحة لأي من الأحزاب، وما جلسة سحب الثقة من الغنوشي المقررة الخميس سوى حلقة من حلقات تلك الأزمة.
الجلسة ستكون عامّة، وتحمل بنداً واحداً، وهو عرض لائحة سحب الثقة من الغنوشي، والتي طرحتها 4 كتل نيابية، والجلسة مفتوحة أمام خيارين اثنين؛ أوّلهما تمرير لائحة سحب الثقة من الغنوشي وتنحيته عن رئاسة البرلمان، وتقديم مرشّح بديل لخلافته من قِبل الكتل صاحبة اللائحة، وانتخابه في الجلسة ذاتها.
أمّا الخيار الثاني فيتمثّل في إسقاط اللائحة، وبقاء الغنوشي في منصبه للمدّة النيابية المتبقّية (2020- 2024)، وتتحوّل بذلك جلسة سحب الثقة منه إلى جلسة إعادة تزكية وتجديد للثقة به، ويأتي ذلك في ظل اتهامات وأحاديث من سياسيين وناشطين، لجهات داخلية وخارجية "معادية للربيع العربي"، بالسعي لحشد الدعم للائحة سحب الثقة.
تدخلات خارجية
بدأت الأزمة الحالية باعتصام نواب "الحزب الدستوري الحر"، في مقر البرلمان، لأكثر من أسبوعين، خلال يوليو/تموز الجاري، وتعمّد هؤلاء النواب منع انعقاد جلسات عامّة كانت مخصصة للتصويت على مشاريع قوانين وانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وطالبوا بعقد جلسة عامّة لسحب الثقة من الغنوشي.
وفي 16 يوليو/تموز، أعلنت 4 كتل في مؤتمر صحفي، إيداع لائحة لسحب الثقة من الغنوشي بمكتب الضبط بالبرلمان، بعد استيفائها عدد التوقيعات المطلوبة، وهي 73 توقيعاً.
وعلّلت الكتل المتقدمة باللائحة هذه الخطوة بأنها "جاءت نتيجة اتخاذ رئيس البرلمان قرارات بشكل فردي، دون الرجوع إلى مكتب البرلمان (أعلى هيئة)، وإصدار تصريحات بخصوص العلاقات الخارجية لتونس تتنافى مع توجّه الدبلوماسية التونسية"، بحسب رأيهم.
وطالما أعلنت رئيسة "الدستوري الحر"، عبير موسى، في تصريحات سابقة، أنها تناهض ثورة 2011، التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، وتُجاهر بعدائها المستمر لحركة النهضة.
وفي 22 يوليو/تموز، اتّهم رئيس الكتلة البرلمانية لحركة "النهضة"، نور الدين البحيري، رئيسة كتلة "الدستوري الحرّ"، ونوابها، بتمهيد الطريق لقوى خارجية، هي "الإمارات ومصر"، للانقلاب على "الدولة التونسية المنتخبة".
وثمة اتهامات لدول عربية، خاصة الإمارات، بقيادة "ثورة مضادة"، لإسقاط الأنظمة الحاكمة في دول عربية شهدت ثورات "الربيع العربي"، وعادة ما تنفي أبوظبي والقاهرة تدخلهما في شؤون دول أخرى.
نصاب منقوص
ومن المتوقَّع أن يشهد تمرير لائحة سحب الثقة صعوبة في جمع الأغلبية المطلوبة لتمريرها، وهي 109 أصوات من أصل 217 صوتاً، خاصة أن عدد الموقِّعين على اللائحة حالياً لم يتجاوز 73 نائباً، لكن قد يتم تمرير اللائحة في حال تصويت نواب آخرين، وهو ما من شأنه أن يرفع العدد ويُوفّر النصاب القانوني المطلوب.
والكتل التي أعلنت أنها ستصوّت على سحب الثقة هي نفسها الموقّعة على اللائحة، وهي: الديمقراطية (38 مقعداً)، وتحيا تونس (10 مقاعد)، والإصلاح (16 مقعداً)، وجزء من الكتلة الوطنية (11 مقعداً)، وهذه الكتل مجتمعة توفّر 75 صوتاً.
وعقب تقديم اللائحة، أعلنت عبير موسى، رئيسة كتلة "الدستوري الحرّ" (16 مقعداً)، في تصريحات إعلامية، "مساندتها لهذه اللائحة وعزم كتلتها التصويت لصالحها في الجلسة العامة"، وباحتساب نواب "الدستوري الحر" يرتفع عدد النواب الذين من المنتظر أن يصوّتوا على سحب الثقة إلى 91، ويبقى العدد دون أغلبية 109.
وكانت الكتل الموقعة على اللائحة قد رفضت قبول توقيعات كتلة "الدستوري الحرّ" عند إيداعها بمكتب الضبط بالبرلمان، رغم إصرار "موسى" على تضمين توقيعات كتلتها.
الكتل الرافضة
الكتل التي أبدت رفضها مبدئياً للائحة سحب الثقة هي النهضة (54 مقعداً)، وائتلاف الكرامة (19 مقعداً)، وقلب تونس (27 مقعداً)، والمستقبل (9 مقاعد)، وفي تصريح سابق للأناضول، وصف رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، نائبها بالبرلمان نور الدين العرباوي، تقديمَ لائحة سحب الثقة بـ"العملية الاستعراضية التي ليس لها أي أفق ولن تمر"، حسب قوله.
واستبعد العرباوي أن "تُحصّل اللائحة المعروضة أغلبية 109 أصوات في الجلسة العامة"، وأكد أن "العبرة ليست بتجميع 73 توقيعاً لإيداع اللائحة بمكتب البرلمان، بل بتحصيل 109 أصوات يوم الجلسة العامة لتمرير اللائحة".
إعادة اختبار الثقة
من جهته، قال الغنوشي، إنه "واثق من أنها ستكون لحظة لتجديد الثقة بي رئيساً للبرلمان وإعادة تزكيتي"، وأضاف الغنوشي في تصريح إعلامي، عقب اجتماع للمكتب بمقر البرلمان، الجمعة: "لم آت على ظهر دبابة لرئاسة البرلمان، بل جئت بالانتخاب، ولست منزعجاً من (لائحة) سحب الثقة مني، لذلك قبلنا إعادة اختبار الثقة".
"تجاوزت الاعتراضات الشكلية التي تحتوي عليها اللائحة وهي كثيرة، وكان من الممكن إسقاطها شكلاً في اجتماع المكتب، ولنا الأغلبية لذلك. قبلنا التحدي احتراماً لإرادة 73 نائباً، الذين تقدموا باللائحة، وهذا عدد ليس قليلاً، واحتراماً للديمقراطية التونسية".
وأضاف الغنوشي: "أنا قدمت طوعاً مقترحاً بإنهاء الجدل داخل المكتب حول اللائحة وتمريرها إلى الجلسة العامة، وتم إقرارها دون اعتماد التصويت على تمريرها من عدمه".
جلسة سرية
والجمعة 24 يوليو/تموز، أقرَّ مكتب البرلمان (أعلى هيئة)، أن يكون التصويت على لائحة سحب الثقة سرياً ودون مداولات أو نقاش عام بين النواب.
عضو مكتب البرلمان، النائبة عن كتلة النهضة، زينب البراهمي، قالت الإثنين 28 يوليو/تموز، إن "المكتب أقر بالإجماع بين أعضائه، أن يكون التصويت على لائحة سحب الثقة من الغنوشي سرياً ودون نقاش عام".
وأضافت البراهمي، للأناضول، أن "مدّة انعقاد الجلسة ساعتان، انطلاقاً من الساعة التاسعة صباحاً (8:00 ت.غ) إلى الحادية عشرة صباحاً (10:00 ت.غ)، والتصويت سيكون في صناديق بالمناداة على النواب تباعاً مثلما تمت عملية انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه"، وأوضحت أن "هذا الإجراء يأتي تطبيقاً لأحكام المادة 51 من النظام الداخلي للبرلمان، والتي تنص على أن سحب الثقة من رئيس البرلمان يكون بنفس طريقة الانتخاب (بشكل سري)".
فيما قال النائب عن كتلة تحيا تونس (ليبرالي 10 نواب)، لموقع الصباح نيوز المحلي، إن "هناك تأكيداً شخصياً من 109 نواب للتصويت مع عريضة سحب الثقة من الغنوشي"، دون مزيد من التوضيح.
ويأمل كثير من المراقبين أن تمثل الجلسة -بغضّ النظر عن نتيجتها- نهاية للأزمات التي يشهدها البرلمان، حتى يتفرغ الأعضاء لمناقشة وتمرير القوانين المعلقة، خاصة في ظل الأزمة المالية الطاحنة التي تواجهها البلاد من جراء تداعيات وباء كورونا.