بدأ العد التنازلي لأشرس انتخابات رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انكسر عداد الـ100 يوم الأخيرة قبل التصويت، وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تصب في صالح المرشح الديمقراطي جو بايدن، إلا أن تأخر الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في ولاية فلوريدا بالتحديد يمثل قلقاً بالغاً لحملته، فما قصة تلك الولاية بالتحديد؟
ولاية جمهورية بامتياز
أظهر استطلاع رأي هذا الأسبوع أن بايدن يتفوق على ترامب في فلوريدا بنسبة 51% مقابل 46% بين الناخبين المسجلين في الولاية، بينما أظهر استطلاع آخر أجرته جامعة كوينيبياك تقدم بايدن بـ 51% مقابل 38% فقط لترامب، لكن اللافت أكثر هو أن ترامب لم يحرز أي تقدم في أي استطلاع أجرته أي جهة في فلوريدا منذ مطلع مارس/آذار.
سبب القلق داخل حملة الرئيس من هذه المؤشرات في فلوريدا بالتحديد هو حقيقة تاريخية توضح أنه لم يحدث أن فاز مرشح جمهوري بالسباق الرئاسي دون الفوز بفلوريدا وذلك منذ كالفين كوليدج عام 1924، أي منذ قرن تقريباً، بحسب تقرير لشبكة CNN عنوانه "ترامب متأخر في ولاية لم يفوز جمهوري بالرئاسة دونها منذ 96 عاماً".
لكن هذا بالطبع لا يعني أن الأمور أصبحت محسومة؛ فحملة ترامب لا يزال أمامها متسع من الوقت لقلب الطاولة على المرشح الديمقراطي في الولاية الجمهورية، كما أن التاريخ أيضاً يشير إلى إمكانية تقليل الفجوة والفوز في آخر لحظة من جانب ترامب، فهذه الولاية تحديداً تندرج تحت تصنيف "حتمية الفوز" إذا ما كان ترامب سيبقى في البيت الأبيض فترة ثانية.
ما أهمية ولاية واحدة من خمسين؟
بشكل عام تميل ولاية فلوريدا نحو اليمين، أي الحزب الجمهوري، بدرجة أكبر قليلاً من التوجه العام في البلاد، وكانت آخر مرة جاءت نتيجة التصويت للديمقراطيين في الولاية أعلى نسبياً من التصويت لهم على مستوى البلاد ككل في الانتخابات الرئاسية عام 1976، وبالتالي فإن حقيقة تأخر ترامب عن بايدن في الولاية بمتوسط 8 نقاط منذ أول يونيو/حزيران الماضي تشير إلى تأخر ترامب بصورة كبيرة على مستوى البلاد ككل.
وتتسم ولاية فلوريدا بتنوعها الجغرافي والسكاني عن ولايات البحيرات العظمى التي تعتبر ولايات متأرجحة وتشهد تنافساً حاداً بين الحزبين، وبالتالي فإن بايدن لديه أكثر من فرصة؛ ففي حالة تعثره في الولايات المتأرجحة ذات الأغلبية البيضاء، يمكنه البناء على تقدمه في فلوريدا وولاية أريزونا المتأرجحة والمتنوعة أيضاً، حيث يتمتع بايدن بتقدم معقول في أريزونا يتراوح بين 4 و5 نقاط بحسب أحدث استطلاع رأي هناك الأحد 26 يوليو/تموز.
وإضافة إلى ذلك، فإن فوز بايدن بفلوريدا وولاية أخرى من الولايات غير المحسومة يعني حصوله على 270 صوتاً في المجمع الانتخابي، وهو العدد الذي يعني فوزه بالرئاسة، لكن ربما يكون المؤشر الأهم بالنسبة للديمقراطيين هو الدقة التي تتسم بها نتائج استطلاعات الرأي في فلوريدا تحديداً، بحسب رصد الانتخابات السابقة، ومنذ 2008 جاءت النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية في الولاية شبه متطابقة مع نتائج استطلاعات الرأي السابقة عليها، وهذه النقطة تحديداً تمثل القلق الأكبر لحملة ترامب، رغم عدم اكتراث الرئيس بنتائج استطلاعات الرأي العام بشكل عام ووصفها بالأخبار المفبركة.
فتش عن وباء كورونا
لكن الأمور لا تزال غير محسومة في فلوريدا، وليست انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 2018 ببعيدة، فقد كان المرشحون الديمقراطيون لمنصب حاكم الولاية ومقاعد مجلس الشيوخ متقدمين في استطلاعات الرأي حتى ما قبل التصويت بيوم أو يومين حين تمكن الجمهوريون من استعادة الصدارة بفارق ضئيل بلغ نقطة أو أقل، وجاءت النتائج النهائية في صالح حزب ترامب بالفعل.
وعلى الأرجح هذا بالتحديد ما تعول عليه حملة ترامب، فالوقت لا يزال مبكراً وبالتالي يأملون في خطف الصدارة في الوقت القاتل ومن ثم الفوز بالولاية الحاسمة، لكن هذه الانتخابات تشهد عاملاً يظهر على الساحة لأول مرة وهو وباء كورونا، حيث تظهر استطلاعات الرأي في فلوريدا أن 29% من الناخبين يعتبرونه العامل الحاسم في قرارهم مقابل 18% فقط يعتبرون الاقتصاد هو العامل الحاسم.
وهذه النقطة بالتحديد، بحسب مراقبي الانتخابات، هي سر تراجع ترامب الواضح في استطلاعات الرأي في الولاية حيث أنها من الولايات التي تأثرت بشدة من الوباء، فقد تم تسجيل أكثر من 424 ألف حالة إصابة وما يقرب من 6 آلاف حالة وفاة في فلوريدا (وقت كتابة التقرير اليوم الإثنين 27 يوليو/تموز، بحسب موقع Worldmeters الذي يرصد حالة الوباء عالمياً لحظة بلحظة)، ما يجعلها تحتل المركز الثالث على مستوى البلاد التي تحتل المركز الأول عالمياً في حالات الإصابة (تخطت 4 ملايين و372 ألفاً) والوفيات (نحو 150 ألف حالة وفاة).
ويرى غالبية المراقبين أن أداء إدارة ترامب في مواجهة الوباء هو السبب الرئيسي في تراجع شعبيته في البلاد بشكل عام، وأنه ما لم يتمكن من تغيير هذه الصورة في ذهن الناخبين فإنه على الأرجح لن يتمكن من الفوز بفترة ثانية وسيصبح جو بايدن هو الرئيس رقم 46 للولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا كان هذا الطرح دقيقا بنسبة 60% على سبيل المثال، فإنه يعتبر دقيقاً بنسبة تقترب من 90% فيما يتعلق بفلوريدا تحديداً، وقد أظهر آخر استطلاع للرأي في الولاية بشأن مدى الرضا من عدمه عن أداء إدارة ترامب في مواجهة معركة الوباء عن أن الراضين عن ترامب 42% فقط من الناخبين المسجلين الذين شملهم استطلاع الرأي، وبالتالي فإن فلوريدا تمثل الآن التحدي الأكبر للرئيس الجمهوري، فهل يتمكن من قلب النتيجة في الوقت القاتل؟