نقل التلفزيون الرسمي الإيراني، مساء الخميس 23 يوليو/تموز 2020، أنَّ رحلة الطيران رقم 1152، التابعة لشركة طيران ماهان إير، اعترضتها طائرتان مقاتلتان أمريكيتان في الأجواء السورية.
كانت طائرة الركاب الإيرانية المتجهة من طهران إلى بيروت تحلّق فوق الممر الدولي للطيران فوق منطقة التنف السورية، والتي تتمركز بها القوات الأمريكية.
بعد ساعات من الحادث، قال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، إن طائرة أمريكية من طراز F-15 أجرت فحصاً بصرياً لطائرة إيرانية، أثناء مهمة جوية روتينية بالقرب من قاعدة التنف الأمريكية للعمليات الخاصة في شرق سوريا.
كما أصدر الجيش الأمريكي بياناً يوضح فيه أنَّ المقاتلتين الأمريكيتين اتَّصلتا بقائد الطائرة الإيرانية، لكنه لم يُجب، وهو ما دفع المقاتلتين الأمريكيتين إلى الاقتراب من الطائرة بمسافة آمنة، تُقدَّر بنحو ألف متر، للفحص البصري.
لكنَّ قائد الطائرة الإيرانية قال إن المقاتلتين الأمريكيتين اقتربتا من الطائرة بمسافة 100 متر، ما أجبره على خفض ارتفاعه بشكل مفاجئ، ما أدى إلى إصابة الركاب، وتحطم أجزاء من الطائرة.
كما أكد قائد الطائرة الإيرانية مراراً أنه أجاب على اتصال المقاتلتين الأمريكيتين، في محاولة منه للابتعاد عن الطائرة.
القضاء يلاحق الجيش الأمريكي
بعد أن هبطت الطائرة الإيرانية التابعة لشركة ماهان إير، في مطار الحريري الدولي ببيروت، وعادت الطائرة وطاقمها إلى طهران، أعلنت الجمهورية الإسلامية على لسان المتحدث باسم خارجيتها، عباس موسوي، أنه سيتم التحقيق في هذه الحادثة، وفور الوصول إلى نهاية التحقيقات سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وفي الوقت نفسه، أعلن القضاء الإيراني أنه يمكن لجميع ركاب الرحلة رقم 1152، التي تعرضت للعدوان الأمريكي، بحسب البيان الرسمي، سواء كانوا إيرانيين أو غير إيرانيين، التقدم بشكوى في المحاكم الإيرانية ضد الجيش الأمريكي، وسيتم تصعيد الأمر إلى منظمة الطيران المدني الدولي.
وعلى الفور، خاطبت الحكومة الإيرانية الأمم المتحدة، وأرسلت شكواها.
وأكد مسؤول بارز في الهيئة القضائية الإيرانية، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن هذه الواقعة لقيت اهتماماً كبيراً من مكتب الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي مباشرة.
وقال: "يتم التواصل مع كافة ركاب الطائرة الإيرانية، لحثّهم على تقديم شكوى ضد الجيش الأمريكي، وإن القضاء سيُساعدهم في ملاحقة الولايات المتحدة دولياً".
الطائرة الإيرانية لم تخطئ
أكد مسؤول في شركة ماهان إيران لـ"عربي بوست"، أن الطائرة الإيرانية لم تخطئ في شيء، وأن عملية الاعتراض تمت فوق منطقة التنف السورية، بالقرب من الحدود السورية العراقية الإيرانية، وهي منطقة خالية من الصراع، ولم يخرج الطيار الإيراني عن مسار الممر الدولي المسموح به للطيران فوق تلك المنطقة.
يقول الطيار أمير أسد الله، الطيار السابق، بعد ذلك أصدرت هيئة الطيران المدني في إيران بياناً تقول فيه إنها اشتكت رسمياً لمنظمة الطيران المدني الدولي.
وينفي أسد الله زعم الجيش الأمريكي بأن الطيار الإيراني لم يجب على اتصالات المقاتلات الأمريكية، ويقول لـ"عربي بوست"، "تم التأكد من هذا الأمر، لقد أجاب الطيار على اتصالين من المقاتلين الأمريكيين، وطلب منهما الابتعاد أكثر من مرة، لكنهما أصرا على الاقتراب من طائرته، وهو ما أجبره على خفض ارتفاعه، وحينها ابتعدت المقاتلتان الأمريكيتان عن الطائرة الإيرانية".
ويبرهن أسد الله على صحة كلامه بأن بيان الجيش الأمريكي لم يذكر أن طائرة ماهان إير قد غادرت الممر الجوي الدولي المحدد سابقاً.
مفاجأة جديدة
بينما تؤكد كل التقارير الإعلامية والحكومية، الصادرة من إيران، أن اعتراض المقاتلات الأمريكية للطائرة الإيرانية تم في الأجواء السورية.
إلا أن مسؤولاً إيرانياً بهيئة الطيران المدني، ومطّلع على التحقيقات التي تجريها الحكومة الإيرانية، كشف لـ"عربي بوست" تفاصيل جديدة بشأن الحادث، وقال: "خلافاً للتصريحات الأمريكية لم تكن المقاتلتان الأمريكيتان في مهمة جوية روتينية، بل إنهما خرقتا سماء لبنان، واعتدتا على الطائرة الإيرانية".
وأضاف المسؤول الإيراني قائلاً "تم اعتراض الطائرة الإيرانية بالقرب من الأجواء اللبنانية، بينما كانت الطائرة تخفض ارتفاعها للاقتراب من مطار بيروت".
الجدير بالذكر، أنه إلى الآن لم تعلن الحكومة الإيرانية، ولا شركة ماهان إير، عن نتائج التحقيقات بشأن الحادثة.
هناك بعض الشكوك
كلا الجانبين الأمريكي والإيراني يُكذّب الأخر، وفي محاولة للتعرف على مدى قانونية التعدي الأمريكي على طائرة الركاب الإيرانية، يرى خبير الطيران المدني المقيم بطهران، أن الحادثة تحيطها بعض الشكوك.
يقول الخبير لـ"عربي بوست"، طالباً عدم ذكر اسمه: "إذا افترضنا أن قائد الطائرة الإيرانية لم يُجب على اتصالات المقاتلات الأمريكية وفقاً لبيان الجيش الأمريكي، فكان يجب على القوات الأمريكية الاتصال بمركز القيادة، للاستفسار عن أمر الطائرة ورقمها وكافة التفاصيل".
ويضيف الخبير قائلاً: "إذا افترضنا أن الطائرة انحرفت عن مسار الطيران الدولي، والطيار لم يجب على الاتصالات، فيجب إصدار أمر وتحذير للطيار الإيراني، الذي يجب عليه حينها الامتثال لأوامر المقاتلات الأمريكية".
ويتابع الخبير قائلاً: "أما لو كان قائد الطائرة الإيرانية قد قرر خفض ارتفاعها من تلقاء نفسه، بعد اقتراب المقاتلات الأمريكية، حتى وإن كانت على مسافة قانونية، فحينها يكون من المحتمل أن تكون الطائرة الإيرانية خرجت عن المسار الدولي المحدد للطيران في تلك المنطقة.
وكان يحق للمقاتلتين الأمريكيتين أن تشكا في أمرها، وتطالباها بالعودة إلى المسار، لكن الطيار قرر أن يخفض ارتفاعه، خوفاً من إجباره على الهبوط الاضطراري وتفتيش الطائرة، وهنا تقع مسؤولية تعريض حياة الركاب للخطر على عاتق الطيار الإيراني".
وهنا يطرح السؤال نفسه: ما الذي يدفع الطيار الإيراني لعدم الامتثال إلى أوامر الطائرتين الأمريكيتين؟
يجيب خبير الطيران المدني قائلاً: "تُتهم شركة ماهان إير دائماً بنقل الأسلحة والذخائر من إيران إلى سوريا ولبنان والعراق، لذلك ربما خشي الطيار من إجباره على خضوع الطائرة للتفتيش".
تُعرف شركة ماهان إير بأنها مقربة من الحرس الثوري الإيراني، ولم يخفِ قادة الحرس أن الشركة تقوم برحلات طيران لنقل المقاتلين من إيران إلى سوريا والعراق، كما أنها شركة الطيران التي نقلت جثمان قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني، بعد اغتياله بالقرب من مطار بغداد الدولي في يناير/كانون الثاني الماضي.
هل الرد العسكري وارد؟
بحسب بعض الخبراء الذين تحدثوا إلى "عربي بوست"، لا تنوي طهران الانجرار إلى أي تصعيد للصراع مع واشنطن، فترى الجمهورية الإسلامية أنه عمل استفزازي من الجانب الأمريكي، وسوف تلجأ إلى الأساليب القانونية فقط.
تعتبر شركة ماهان إير ثاني أكبر شركات الطيران المدنية في جمهورية إيران الإسلامية، تأسست ماهان إير عام 1991، بإشراف من علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس الجمهورية الإيرانية وقتها.
اشترت الشركة أول طائرات أسطولها عبر وسيط مصري، وبحسب بعض التقارير الإعلامية الإيرانية تمتلك شركة ماهان إير 39 طائرة في أسطولها الحالي.
وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على شركة ماهان إير منذ عام 2011، وجراء ذلك مُنعت الشركة من تسيير رحلات جوية إلى العديد من البلدان الأوروبية.