خاطرت الملازمة ناريمان هامونتي-رينكي بحياتها من أجل ألمانيا في أفغانستان. لكن، على المستوى الديني، تشعر أن الجيش الألماني (البونديسفير) تخلَّى عنها، رغم العدد المتزايد من العسكريين المسلمين في هذا الجيش.
تتذكَّر ناريمان، العسكرية البالغة من العمر 41 عاماً في الجيش الألماني، قائلةً: "شهدت مواقف قلت فيها لنفسي إن هذا وقت الحسم، وليس مجرد تدريب. هذه طلقاتٌ حقيقية، وصواريخ حقيقية تُطلَق عليّ". حين تتحدَّث عن مهمة الجيش الألماني، يمكن للمرء أن يشعر بذلك الضغط وذلك الخوف من أسابيع وشهور من القتال الخطير خارج البلاد.
الملازمة ناريمان هي عسكرية ألمانية مسلمة بالجيش الألماني. إنها ابنةٌ من أب وأم مغربيَّين، ووُلِدَت بالقرب من مدينة هانوفر، شماليّ ألمانيا. بالنسبة إليها، كان إرسالها إلى الخارج له تأثيرٌ عميقٌ على المستويين الشخصي والديني.
قالت مؤلِّفة كتاب "Ich diene Deutschland"، ومعناه "خدمت بالجيش"، لشبكة شبكة DW الألمانية: "حملت كفني على ذراعي. كان عليّ أن أكتب ما يشبه التوجيه لقائدي في حال قُتِلت. وكان عليّ أن أفكِّر وأحدِّد من سيخبر والدَيَّ إذا مت".
الرعاية الدينية في الجيش للمسيحيين واليهود فقط
يحتاج الجندي المسلم المُرسَل في مهمةٍ خطيرةٍ أن يُخطِّط بالتفصيل الدقيق. والأكثر من ذلك هو أنه بسبب غياب رعايةٍ دينيةٍ للمسلمين في الجيش الألماني -على عكس المسيحيين ومُعتنقي الديانة اليهودية في المستقبل القريب- تقول ناريمان: "لا يزال هناك تمييزٌ ومعاملة غير مُتكافِئة".
كان من المُفتَرَض أن تجري الأمور على نحوٍ مختلف.
ففي نهاية يناير/كانون الثاني، قابلت وزيرة الدفاع الألمانية، أنغريت كرامب-كارينباور، رئيس المجلس المركزي للمسلمين، أيمن مزيك، في اجتماعٍ لمُمَثِّلين دينيين رفيعي المستوى عن المسلمين واليهود.
تحدَّثَت كرامب-كارينباور مع أحد الحاخامات عن اتفاقٍ بتوظيف حاخامات عسكريين في الجيش الألماني مستقبلاً. ثم التفتت إلى مزيك وقالت: "والخطوة المقبلة ستجيء بعد ذلك. سوف نبدأ محادثاتٍ في وقتٍ ما ونرى كيف نحقِّق ذلك".
المسلمون في الجيش الألماني محرومون من رجال الدين
ليس مزيك الوحيد الذي يتذكَّر ذلك، فالصحفيون كانوا حاضرين أيضاً. وبعد نصف عامٍ من ذلك، يقول مُمَثِّل المجلس المركزي للمسلمين لشبكة DW إنه منذ هذه المحادثات "لم يتحقَّق شيءٌ يُذكَر. عليهم فقط أن يبدأوا -أن يتَّخِذوا خطوةً لتنظيم الرعاية الدينية للمسلمين".
منذ اتِّخاذ القرار التاريخي، منذ نصف عامٍ مضى، من قِبَلِ الحكومة الفيدرالية والمجلس المركزي لليهود، بتوفير الرعاية الدينية داخل الجيش، عُقِدَت المفاوضات، وتحدَّثَ سياسيون عن الأمر، وتداوَلَ مجلس الوزراء مع مجلسيّ البرلمان الأمر وقرَّروا أنه لابد أن يحدث.
وقَّعَت كرامب كارينباور، وجوزيف شوستر، رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، اتفاقاً يقضي بتوفير الرعاية الدينية اليهودية، بحضور الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير. أحياناً ما تُسمَع بعض العبارات الخافتة بأن توفير الرعاية الدينية للمسلمين بالجيش ستكون هي التالية، في وقتٍ ما، ودون شك.
أعداد الجنود المسلمين 10 أضعاف اليهود
تتحدَّث الأرقام عن نفسها. هناك حوالي 185 ألف جندي بالجيش الألماني. ومن ضمنهم، هناك حوالي 53,400 جندي بروتستانتي، وحوالي 41 ألف كاثوليكي. وتطرح التقديرات أن ما يقرب من 300 جندي يتبعون الدين اليهودي، بينما هناك حوالي 3 آلاف من المسلمين. ومنذ وقتٍ ليس بطويل، قدَّرَ الأسقف البروتستانتي العسكري، سيغورد رينك، أن هناك من 3 إلى 4 آلاف مسلمٍ يخدمون حالياً في الجيش الألماني.
إن أكثر من 3 آلاف جندي لهو "عددٌ كبيرٌ" بحسب وصف ناريمان، التي أضافت: "كلُّ جندي هو عددٌ في حدِّ ذاته. الآن تُدار الرعاية الدينية اليهودية التي لطالما تأخَّر توفيرها. لكن الرعاية الدينية للمسلمين، لا يبدو أنهم يريدونها". وأخبَرَ مُتحدِّثٌ رسمي باسم وزارة الدفاع شبكة DW أنه في القوات المُسلَّحة "هناك المزيد والمزيد من الجنود المسلمين الذين يخدمون في الجيش. وجميعهم لهم الحق في تلقِّي رعاية دينية".
حملة انتخابات البوندستاغ تُبطئ الإصلاح
من حيث المبدأ، تحسب وزارة الدفاع الألمانية رجل دين واحداً لكلِّ 1500 جندي. ولطالما تحدَّثَت الوزارة عن أن حقَّ ممارسة الحرية الدينية منصوصٌ عليها في الدستور في المقام الأول.
ويتذكَّر الأسقف العسكري رينك المحادثات التي دارت حين كانت وزيرة الدفاع أورسولا فون دير لاين في منصبها.
يقول إن فون دير لاين تعامَلَت مع الأمر بجديَّةً فورما تولَّت الوزارة، لكن في العام 2017 وَقَفَت انتخابات البوندستاغ في الطريق. ظلَّ البحث قائماً عن شخصٍ للتواصل معه، وتؤجِّل الوزارة المفاوضات مع المجلس المركزي للمسلمين.
ويؤكِّد المُتحدِّث باسم وزارة الدفاع أن المؤسسة العسكرية حريصةٌ على تمديد هذا العرض بتوفير الرعاية الدينية لـ"أكبر عددٍ ممكنٍ من الطوائف"، وأنها تخوض الآن محادثاتٍ حول الأمر. غير أنه "بسبب الأشكال التنظيمية المختلفة للجمعيات الدينية للمسلمين، فإن التطبيق الملموس غير مُتوقَّعٍ في الوقت الحاضر".
في تلك الأثناء، أضاف المُتحدِّث أن مركز الاتصال بالجنود ذوي العقائد الدينية الأخرى، الذي تأسَّسَ عام 2015، سوف يوفِّر "الرعاية اللازمة". وإذا قُتِلَ جنديٌّ ألماني مسلم في الخدمة بالجيش في مهمةٍ خارجية، يمكن للمرء أن يتوقَّع أن يوفِّر مركز الاتصال بالجنود ذوي العقائد الدينية الأخرى إماماً على وجه السرعة.
وفي الوقت الحالي، هناك الآلاف من الجنود المسلمين المستعدين للمخاطرة بأرواحهم من أجل ألمانيا، دون أن تقدِّم الدولة لهم أيَّ شكلٍ من الرعاية الدينية.
توفير رجال دين من ديانات أخرى
الأسقف العسكري رينك تحدَّث عن إمكانية توفير رجال دين ليس بالضرورة أن يكونوا أئمة مسلمين. ويرى مزيك الأمر غريباً، ويعتبر هذا مثالاً آخر على عدم إدماج المسلمين.
هناك العديد من الفئات الاجتماعية، بما فيها طوائف دينية، المُمَثَّلة في المجلس الاستشاري الداخلي للجيش الألماني، لكن ليس ثمة وجودٌ للمجتمع المسلم.
تُسلَّم الدعوات بصورةٍ شخصية، لكن ليس باعتبارها دعوةً لطائفةٍ دينية. وينطبق هذا على ناريمان، التي قاتلت من أجل ألمانيا في أفغانستان.
قال أيمن مزيك، قبل أن يضيف أنه كان بإمكانه أن يتصوَّر تعاوناً مع الكنائس في هذه القضية: "لابد أن تريد ذلك". وحين يتعلَّق الأمر بالأئمة العاملين بالرعاية الدينية بالجيش، يطرح مزيك مثال الجيش الأمريكي. تعرف ناريمان جندياتٍ بريطانيات يرتدين الحجاب. وألمانيا لا تزال تتحسَّس طريقها. هل سيحدث شيءٌ قبل الانتخابات الفيدرالية في خريف 2021؟ ليس هذا مُرجَّحاً بشكلٍ كبير حين تنظر إلى الحاخامات اليهود بالجيش، الذين أراد الجميع وجودهم، لكن الأمر استغرق عاماً ونصف العام لتطبيقه.
تقول ناريمان: "هذا ظلم. هذه رسالةٌ لي بأن الإسلام لم يصل بعد إلى ألمانيا، رغم أننا بالفعل نخدم بلدنا -بلدنا ألمانيا- ومستعدون لنهب حياتنا من أجل ألمانيا".