كشفت مصادر صحية عسكرية ومحلية لصحيفة The New York Times الأمريكية، عن إصابة أكثر من 20 ألف فرد من أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية بفيروس كورونا، وأشارت إلى أن معدل الإصابة بين أعضاء الخدمة قد تضاعف ثلاث مرات على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، التي شهدت بروز القوات العسكرية الأمريكية بوصفها مصدراً محتملاً لانتقال العدوى محلياً وخارجياً.
الإصابات تتضاعف وحالات لا يتم الإبلاغ عنها
تزايدت الحالات بدرجة أكبر في القواعد العسكرية الواقعة في ولايات أريزونا وكاليفورنيا وفلوريدا وجورجيا وتكساس، وهي ولايات شهدت جميعها ارتفاعاً في حالات الإصابة المؤكدة. كما أبلغت قوات مشاة البحرية الأمريكية المتمركزة في جزيرة أوكيناوا اليابانية عن 100 حالة إصابة تقريباً بين صفوفها، ما أثار غضب المسؤولين المحليين. علاوة على أن مناطق الحرب في العراق وأفغانستان وسوريا، التي غمرتها بالفعل حالات إصابة دون الإبلاغ عنها، واجهت القوات الأمريكية المتمركزة فيها حالات تفشٍّ بين صفوفها أيضاً.
وعلى الرغم من الإشادة التي حظي بها قائد القوات الأمريكية المتمركزة في كوريا الجنوبية، الجنرال روبرت أبرامز، في وقت مبكر من تفشي الوباء لاتخاذه خطوات صارمة لكبح انتشار الفيروس، فقد أبلغت القوات الأمريكية هناك عن 89 حالة إصابة إيجابية، يبدو أنها انتقلت من الولايات المتحدة، وفقاً لما أكده الجنرال أبرامز.
وبالعودة إلى الولايات المتحدة نفسها فإن مسؤولين محليين في مقاطعة تشاتاهوتشي، الواقعة في ولاية جورجيا، وهي منطقة قليلة السكان ذات معدلات إصابة عالية، تمكنوا من تتبع سلسلة حالات الإصابة التي قادتهم إلى قاعدة فورت بينينغ، وهي قاعدة تدريب كبيرة واقعة هناك. كما رصد مسؤولون في ولايتي كاليفورنيا ونورث كارولينا روابط بين حالات إصابة متبادلة بين المنشآت العسكرية والمجتمعات المحلية هناك.
من غير المفاجئ ارتفاع عدد حالات الإصابة بين قطاعات كبيرة من شباب الخدمة العسكرية الذين يعيشون في أحياء مزدحمة بالقرب من المدن، حيث أُعيد فتح الحانات والأماكن المزدحمة الأخرى، لكن الزيادة في أعداد الإصابة بفيروس كورونا، وخاصة في الخارج، تثير تساؤلات حول احتياطات السلامة العسكرية، في الوقت الذي يصارع فيه البنتاغون للتمكن من احتواء فيروس كورونا بين صفوفه، وفي الوقت نفسه معالجة المشكلات اللوجستية التي نجمت عن إجراءات الإغلاق المرتبطة بتفشيه، مثل التخفيف على الوحدات التي كانت قد علقت في الخارج لفترة أطول من المتوقع مع انتشار الفيروس.
تحدٍّ مربك للجيش الأمريكي
يقول جيسون ديمبسي، الباحث في "مركز الأمن المركزي الأمريكي الجديد": "إنه تحدٍّ مربك، إذ مع عدم قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على الفيروس على الصعيد الوطني، أعتقد أننا سنشهد دولاً قد تصبح غير مرحبة بنشر القوات الأمريكية لأي شي سوى المهمات الأساسية".
من نواحٍ عديدة يعكس تزايُد حالات الإصابة بين العسكريين الوضعَ الحاصل في الولايات المتحدة بوجه عام: حالة إنهاك عامة ومحاولات لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها. وكان هناك نحو 21,909 حالة إصابة في الجيش، حتى يوم الإثنين 20 يوليو/تموز، مقارنة بنحو 7408 فقط، في 10 يونيو/حزيران الماضي، وفقاً لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية. وقد توفي ثلاثة من أفراد الخدمة منذ مارس/آذار، منهم بحار على متن حاملة الطائرات ثيودور روزفلت. كما نُقل أكثر من 440 من أفراد الخدمة إلى المستشفيات.
ولا شك في أن معسكرات التدريب العسكرية ليس فيها مجال كبير للانعزال في وسط بعيد اجتماعياً، فالثكنات ممتلئة والتدريبات البدنية الشاقة هي القاعدة طيلة الوقت، ومن ثم فعندما تفتح الحانات وأماكن الاختلاط الأخرى، فإنها مغرية إلى حد كبير، خاصة مع استعداد القوات للتوجه إلى الخارج.
مكان مثالي لانتشار الفيروس كالنار في الهشيم
تقول ليندسي لينينغر، الباحثة في الشؤون الصحية وأستاذة العلوم السريرية في كلية تاك للأعمال بجامعة دارتموث: "القواعد العسكرية تمثل مزيجاً ديموغرافياً قابلاً لتفشي الفيروس بين الشباب وكبار السن في بيئة مؤسسية كثيفة، وهو إلى حد كبير سياق مثالي لانتشار الفيروس كالنار في الهشيم".
وفي مؤتمر عبر الهاتف عقده وزير الجيش الأمريكي، رايان مكارثي، مؤخراً مع صحفيين، أشار مكارثي إلى حدوث زيادات حادة في أعداد الإصابات في قاعدة فورت بينينغ وفي فورت ليونارد وود الواقعة في ولاية ميزوري، وكلاهما من قواعد التدريب الكبيرة لقوات مشاة البحرية، كما أقر بأن الجيش ربما يدفع الآن ثمن فتح مواقع التدريب الأساسية في وقت أبكر من اللازم وبدون حماية كافية.
وقال مكارثي إن الجيش كان يقيّم إجراءات مثل ما إذا كان عليه تغيير بروتوكولات الاختبار الخاصة به، أو تمديد فترات العزل التي كانت تستغرق 14 يوماً للقوات قبل إرسالها إلى الخارج، أو زيادة وتيرة إجراء الاختبارات الخاصة بالفيروس.
نقل العدوى دون قيود
ولما كانت الولايات المتحدة القوةَ الوحيدة التي تنتشر قواتها العسكرية في عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم، فإن لديها فرصاً كبيرة لنقل العدوى دون قيود، بالإضافة إلى إمكانية تسهيل انتشاره محلياً في مناطق تكتظ بالفعل بحالات الإصابة الجديدة.
كان هذا واضحاً في أوكيناوا، إحدى الجزر الواقعة في أقصى جنوب اليابان، وتضم العديد من القواعد الأمريكية. على مدى عدة أسابيع في شهر يونيو/حزيران، نشرت وزارة الدفاع الأمريكية عدة آلاف من مشاة البحرية في أوكيناوا، غير أنها تأخرت بسبب قيود السفر المفروضة على البنتاغون، والتي خُففت منذ ذلك الحين. وكان الهدف من وراء قرار وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، بتقييد السفر العسكري، ثم تخفيف القيود بحلول نهاية يونيو/حزيران، تحقيقَ فرضين: محاولة إبقاء الفيروس بعيداً عن أفراد الخدمة في القواعد هناك، وأيضاً لتقليل الاضطرابات في جداول النشر المخطط لها منذ فترة طويلة.
ومع ذلك، يعتقد أن طائرة هليكوبتر ووحدة عسكرية من مشاة البحرية الأمريكية جلبت حالات إصابة جديدة بالفيروس إلى أوكيناوا، وفقاً لما ذكره أحد مشاة البحرية المطلعين على الأزمة الحالية، بشرط عدم الكشف عن هويته. وقالت البحرية الأمريكية إن فيروس كورونا تفشى بسرعة كبيرة في الوحدة في يونيو/حزيران، ومن المرجح أن معدلات انتشار العدوى تسارعت جراء إقامة سلسلة من الحفلات غير المصرح بها، في نهاية 4 يوليو/تموز.
سلوك الجنود خاضع للمراقبة
وفي رسالة اطلعت عليها صحيفة The New York Times، وكتبها قادة عسكريون في قاعدة أوكيناوا إلى مشاة البحرية الخاضعين لهم، بعد عدة أيام من العطلة، قالت: "كما نظن أنكم جميعاً على علم، واستناداً إلى فرق تتبع سلاسل انتشار الفيروس، فمن المحتمل أن يكون أفراد من مشاة البحرية وبحارة مصابين بفيروس كورونا قد خرجوا إلى عطلاتهم"، ليحذر القادة أفراد الخدمة من عدم الالتزام بقيود التباعد وإجراءات الإغلاق، قائلين إن سلوك أفراد الخدمة خاضع للمراقبة.
في كوريا الجنوبية، تأكدت إصابة أكثر من 70 شخصاً مخالطين للقوات الأمريكية في كوريا الجنوبية منذ تفشي المرض لأول مرة في البلاد في أواخر فبراير/شباط. ويقول الجيش إن القوات تتبع إجراءات الحجر الصحي الصارمة بعد الاختبارات. ويقول مسؤولو الصحة في كوريا الجنوبية، التي نجحت في القضاء على الفيروس في وقت مبكر، إن معظم الحالات الجديدة تأتي من الخارج.
وفي أستراليا، حيث بدأ أكثر من 1000 فرد من قوات مشاة البحرية الأمريكية نشرهم السنوي على مدار الأشهر الماضية في عاصمة الإقليم الشمالي، دارون، تبيّن إصابة جندي واحد على الأقل من مشاة البحرية بالفيروس، وفقاً لما أورده منشور عسكري صدر هذا الشهر.
فيما شهدت مقاطعة تشاتاهوتشي، بولاية جورجيا، تضاعفَ معدلات الإصابة تقريباً خلال الأسبوعين الماضيين، وتعليقاً على ذلك، قالت باميلا كيركلاند، المتحدثة باسم قطاع الصحة الغربي المركزي التابع لوزارة الصحة العامة في فورت بينينغ: "بالطبع توجد بؤرة انتشار مجتمعية مرتبطة بالقاعدة".
وإضافة إلى ذلك، شهدت قاعدة فورت براغ في نورث كارولينا، وهي إحدى أكبر قواعد الجيش، وموطن لوحدات العمليات الخاصة ومراكز التدريب، شهدت تفشياً كبيراً للفيروس، وهو ما تأثرت به المقاطعات المحيطة بها، لترتفع أعداد حالات الإصابة فيها.