اقتحم نواب كتلة الحزب الدستوري الحر اليوم إحدى قاعات البرلمان التونسي التي كانت تحتضن جلسة للإعلان عن إطلاق مسار إعداد وإنجاز الاستراتيجية الوطنية للحكومة، واتهموا رئيس البرلمان راشد الغنوشي بالفساد والإرهاب ما أدى إلى تعطيل الجلسة ووقوع اشتباكات مع نواب حركة النهضة.
هذه التطورات الجديدة من نوعها في إدارة الخلاف السياسي، فرضت تساؤلات حول مدى قانونية استمرار كتلة "الدستوري الحر" في إحداث الفوضى داخل البرلمان والإجراءات التي يمكن اتخاذها لمنعها من تكرار هذا النوع من الاشتباك؟
لا تعد الفوضى التي أحدثها نواب هذه الكتلة اليوم استثناء بل جزء من تحركات تقودها النائبة عن الكتلة، عبير موسي منذ أسبوع لتعطيل وعرقلة نشاط البرلمان التونسي بتكرار الصعود على منصة رئيس البرلمان ونائبيه والاستيلاء عليها لمهاجمة رئيس مجلس نواب الشعب وحركة النهضة.
أعمال الفوضى هذه أدت إلى تعليق الجلسات العامة للبرلمان وآخرها الجلسة التي خصصت لاستكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية.
لم تكتف هذه الكتلة التي تطالب بمنع رئيس البرلمان من ترؤس الجلسات العامة في البرلمان مقابل فض اعتصامها، بل اقتحمت مكتب مدير ديوان رئيس مجلس نواب الشعب الحبيب خذر، رافضة مغادرته رغم كل جهود الوساطة من الكتل البرلمانية الأخرى.
ويلجأ أعضاء كتلة "الدستوري الحر" في كثير من الأحيان لتصرفات لا تليق بهم كنواب ولا تليق بهيبة البرلمان التونسي، فتارة يصرخون وتارة يحدثون الفوضى للاستيلاء على كرسي رئيس البرلمان ونائبيه ومنعهم من أداء عملهم أو اتخاذ البرلمان مقراً للاعتصام لعدة أيام، حتى أصبحت تهدد بتعطيل المؤسسة التشريعية في تونس بشكل كامل.
فوضى غير قانونية
في هذا السياق تؤكد المحامية والمُحَكِّمة الدولية جيهان بوعزيز لـ عربي بوست أنه رغم أن القانون التونسي يمنح الجميع الحق وحرية التعبير بأشكال مختلفة من بينها الاعتصام، لكن ما تقوم به عبير موسي وكتلة الحزب الدستوري الحر يعد تجاوزاً وخرقاً للقانون بكل المقاييس.
ووصفت الأمر بأنه تجاوز حدود حرية التعبير إلى تعطيل سير مرفق من المرافق الهامة في الدولة ومنع موظفيه عن القيام بعملهم.
وشددت جيهان على أن من صلاحيات رئيس مجلس نواب الشعب التدخل وفق الإجراءات التي يراها مناسبة لفرض النظام داخل البرلمان ومن بينها استدعاء وزارة الداخلية للتدخل وفض اعتصام كتلة الحزب الدستوري الحر.
وأرجعت أسباب عدم استجابة الأمن لدعوة الغنوشي وفض الاعتصام إلى أن النظام الداخلي للبرلمان يمنع تدخل ودخول الأمن إلى البرلمان، كما أن الحصانة التي يتمتع بها النواب تحول دون إمكانية فض اعتصامهم بالقوة.
الأمن البرلماني
ودعت المحامية التونسية لتبني مقترح "الأمن البرلماني" كحل لإنهاء هذه الأزمة وعدم تكرارها، الذي يتولى التدخل لفرض النظام داخل مجلس نواب الشعب، مشيرة إلى أنه تم تقديم هذا المقترح سابقاً لكن التطورات الحالية داخل قبة.
الرئيس يتدخل
من جانب آخر تدخلت النيابة العمومية اليوم في البرلمان لمحاولة فك اعتصام نواب "الدستوري الحر" عن طريق إبلاغ المعتصمين من خلال الشرطة العدلية، لكن رئيسة الكتلة عبير موسي رفضت قبول التبليغ وطلبت إذناً كتابياً من النيابة العمومية.
كما استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد اليوم رئيس البرلمان راشد الغنوشي ونائبته سميرة الشواشي في قصر قرطاج لبحث التطورات في مجلس نواب الشعب وحلول إنهاء الأزمة.
وفي سياق متصل صادقت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية اليوم على مقترح تعديلي للفصل 131 من النظام الداخلي ينص على منع أي عضو من أعضاء مجلس نواب الشعب من اعتلاء منصة رئاسة المجلس بهدف تعطيل أعمال المجلس.
ومن المنتظر تقديم هذا المقترح إلى مكتب المجلس في انتظار تعيين جلسة عامة للتصويت والنظر فيه.
تعطيل البرلمان والإساءة للثورة
من جهته أكد النائب عن حركة النهضة محمد القوماني لـ عربي بوست أن ما تقوم به كتلة الدستوري الحر ليس اعتصاماً بل هي فوضى وشغب هدفها تعطيل العمل البرلماني وتعطيل أشغال مجلس نواب الشعب وتشويه حركة النهضة.
وأضاف:" القانون يسمح للجميع بالتعبير عن مواقفهم وأفكارهم، لكن دون تعطيل نشاط مؤسسات البلاد والإساءة للآخرين".
"وكان بإمكان عبير موسي ومن معها التعبير عن موقفها في الجلسات العامة أو الاعتصام في بهو البرلمان دون تعطيل أشغال المجلس، لكنها اختارت الشغب واستعمال القوة البدنية لمنع رئيس مجلس نواب الشعب ونائبيه ومدير ديوانه من أداء مهامهم".
وتابع "الاعتصام لا يكون بالتسلل من الأبواب الخلفية لقاعة الجلسات العامة أو مكتب مدير ديوان رئيس مجلس نواب الشعب وبالتهريج والصراخ وتعطيل سير الجلسات ومنع الموظفين والمسؤولين من القيام بمهامهم".
وأكد القوماني أن رئيس البرلمان راسل وزارتي الداخلية والعدل وحتى رئاسة الجمهورية للتدخل وإيقاف الفوضى، لكنه أكد أن هناك تباطؤاً سلبياً من هذه الجهات مع ما يقع في البرلمان.
مشدداً على أن كتلة حركة النهضة تتجه لدراسة الإجراءات التي يمكن اتخاذها داخل البرلمان مع الكتل الأخرى لإيقاف مسلسل تشويه العمل البرلماني وتعطيل نشاطه.
حل البرلمان!
من جهته يعتقد المحلل السياسي بسام حمدي أن ما وصفه بالتهريج السياسي الذي تقوم به عبير موسي وكتلتها يهدف إلى دفع رئيس الجمهورية إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها بعد أن تصدر الحزب الدستوري الحر لأول مرة نتائج سبر الآراء التي أجريت مؤخراً.
وأضاف حمدي أن ما تقوم به عبير موسي يهدف للإساءة وتشويه عملية الانتقال الديمقراطي في تونس باستهداف مؤسسة مجلس نواب الشعب وتعطيل أشغالها.