كوريا الشمالية تقول إنها ستنضم للسباق العالمي لتطوير لقاح لكورونا (كوفيد-19) الذي تخوضه بالفعل مجموعة من أفضل العقول الطبية في العالم وستصل تكلفته إلى مليارات الدولارات.
ولكن لا تتوقعوا أن تتصدر السباق قريباً، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
فإذا صدقت لجنة الدولة للعلوم والتكنولوجيا في كوريا الشمالية، فإن التجارب السريرية للقاح المحلي المحتمل للبلاد جارية بالفعل، وتجري المناقشات الآن حول الاستمرار إلى المرحلة الثالثة، التي سيُختبر فيها اللقاح على البشر.
لكن العالم الخارجي قد ينظر إلى هذا الادعاء بعين الشك.
واحدة من أكثر التحديات التكنولوجية صعوبة؟
إذ إن محاولات تطوير لقاح لمرض أصاب ما يقرب من 14.5 مليون شخص وأودى بحياة أكثر من 605 ألف شخص على مستوى العالم أحد أشد التحديات التكنولوجية والعلمية التي واجهها العالم صعوبة وإلحاحاً في الذاكرة الحديثة.
ومن المرجح أن يكلف مبالغ طائلة، وتنفق دول العالم بسخاء للفوز بما قد يتحول إلى منافسة حول التفوّق العلمي والفخر الوطني.
لكن نظام الرعاية الصحية في كوريا الشمالية من أشد النظم وهناً على هذا الكوكب، إذ تعتمد كوريا الشمالية منذ عقود على المساعدات التي تقدمها منظمة الصحة العالمية (WHO) لتزويد شعبها باللقاحات والتطعيمات. ثم هناك حقيقة أن بيونغ يانغ لم تعترف علانية بأي إصابات كورونا داخل البلاد.
لماذا قد تنفق دولة لم تسجل حالة كوفيد-19 واحدة وفي وضع اقتصادي مزرٍ مواردها المحدودة لتطوير لقاح؟
لا توجد إجابة بسيطة عن هذا السؤال، ولكنها على الأرجح مزيج من خوف حقيقي من الفيروس ومحاولة لإقناع الكوريين الشماليين بأن الزعيم كيم جونغ أون كفء لهذا التحدي الجديد وسيحمي شعبه.
وكانت كوريا الشمالية من أوائل الدول التي اعتبرت كوفيد-19 تهديداً خطيراً، ولسبب وجيه: إذ يعتقد معظم الخبراء أن نظام رعايتها الصحي سينهار سريعاً إذا ضربت الجائحة البلاد. فلا يوجد مصدر كهرباء أو مياه جارية ثابت للعديد من المرافق الطبية الكورية الشمالية. وغالباً ما تعاني نقصاً في الأدوية والمستلزمات الأخرى.
ويبدو أن قدرتها على إجراء الفحوصات تمثل مشكلة أيضاً. فوفقاً لممثل منظمة الصحة العالمية في كوريا الشمالية، الدكتور إدوين سلفادور، لم يخضع سوى 922 شخصاً، حتى أوائل يوليو/تموز، للفحص في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 25 مليوناً.
وقال سلفادور في رسالة بريد إلكتروني في ذلك الوقت إنه منذ بدء الجائحة، تم عزل 25,551 شخصاً أخرجوا في وقت لاحق. وظل 255 شخصاً -جميعهم من مواطني كوريا الشمالية- في الحجر الصحي حتى 3 يوليو/تموز.
إلا أن العديد من خبراء الصحة العامة المستقلين يشككون في مزاعم كوريا الشمالية بعدم وجود إصابات مؤكدة بكوفيد-19. إذ إن الفيروس معد بدرجة عالية، ويمكن أن يتسلل بسهولة إلى البلاد دون اكتشافه.
نعم لقد تصدت للمرض بنجاح، وهذا هو السبب
غير أن كوريا الشمالية في وضع يمكّنها من وقف انتشار الإصابات، حيث بإمكانها الإسراع بسن إجراءات الإغلاق التي تباطأت الدول الأخرى في فرضها. فهي، في نهاية المطاف، دولة ديكتاتورية تفرض قيوداً صارمة على زائريها -ولا يزورها عادة سوى عدد محدود من السياح والدبلوماسيين وعمال الإغاثة- وتستطيع بسهولة التحكم بأين يمكن لمواطنيها الذهاب وأين لا يمكنهم.
ويقول منشقون إن المواطنين العاديين في كوريا الشمالية لا يُسمح لهم بالسفر بعيداً عن الوطن دون موافقة الحكومة.
وبحسب معظم الروايات، يبدو أن الجائحة تحت السيطرة في كوريا الشمالية. إذ قال كيم في وقت سابق من هذا الشهر إن جهود بلاده أثبتت "نجاحها الباهر"، لكنه حذر مسؤوليه من التخاذل والاكتفاء بذلك لأن الأزمة الصحية العالمية لم تتراجع بعد.
ولا نعرف على وجه اليقين إلى أي مدى قد يساهم لقاح منتج محلياً في استراتيجية كوريا الشمالية للتصدي للجائحة. فهي في النهاية تُعرف بما يسمى بـ "مملكة الناسك"، أي أنها دولة تشتهر بالسرية والتعتيم.
بعض الشركات التي تعمل في هذا المجال قيمتها أكبر من اقتصاد كوريا الشمالية
غير أنه يتعين على بيونغ يانغ أن تدرك أنها متأخرة كثيراً في السباق. فحتى يوم الأربعاء الماضي، وصل أكثر من 140 لقاحاً مرشحاً إلى مرحلة التقييم قبل السريري ووصل 23 منها إلى مرحلة التجارب السريرية، وفقاً لقائمة جمعتها منظمة الصحة العالمية. وبعض شركات الأدوية العملاقة التي تمول هذه اللقاحات قيمتها السوقية تساوي أكثر من اقتصاد كوريا الشمالية بأكمله.
لذلك من الناحية المالية، فإن جهود كوريا الشمالية للحصول على لقاح لا معنى لها. ولكن إذا نظرتم إليها من منظور الفوائد الدعائية، فستصبح الصورة أكثر وضوحاً.
وعلى مدى عقود، كانت كوريا الشمالية هي النصف الصناعي المتقدم تقنياً في شبه الجزيرة الكورية بفضل تركة الاحتلال الياباني. إذ إن معظم الموارد الطبيعية التي أرادها اليابانيون كانت في الشمال، ولهذا السبب شيدوا المصانع هناك. وكانت كوريا الجنوبية سلة الخبز، حيث كان اقتصادها قائماً على الزراعة إلى حد كبير إلى أن قامت الحرب الكورية.
ويقول منشقون إن قشرة التفوق التكنولوجي الزائفة في كوريا الشمالية أفسدتها الأفلام الأجنبية والبرامج التلفزيونية المهربة إلى البلاد. لكن قراءة وسائل الإعلام الحكومية في كوريا الشمالية تعطي الانطباع بأن البلاد أصبحت قوة تكنولوجية عالمية بفضل قيادة عائلة كيم وإيديولوجية "جوتشي" التي تتبعها في إدارة الدولة، والتي تُعرَّف عادة على أنها "الاعتماد على الذات" ولكنها أيضاً تحمل معاني الإيمان المجرد والقومي العرقي بتفوق العرق الكوري.
إذ جاء في تقرير قصير نشرته وكالة الأنباء المركزية الكورية في يونيو/حزيران أن "المواهب والعلوم والتكنولوجيا هي أهم أرصدتنا الاستراتيجية وأسلحتنا".
وقالت الوكالة إن هذه المواهب "أثارت إعجاب العالم أجمع".
نوع جديد من البطاطس
وجاء في التقرير: "بفضل القدرات الممتازة للعلماء والفنيين في بلادنا وشعورهم بالتميز لعيشهم في بلد قوي ومعرفتهم العميقة، تظهر قوة ومكانة كوريا في الساحة الدولية".
وسيكون برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية هو أوضح مثال على ذلك حال نشوب صراع مع كوريا الجنوبية أو الولايات المتحدة، فهي في النهاية واحدة من ثماني دول فقط اختبرت أسلحة نووية. لكن وكالة الأنباء المركزية الكورية تعرض معظم الوقت العديد من الروايات الأخرى عن ما يبدو أنه إنجازات تكنولوجية وعلمية.
وغالباً ما تركز وسائل الإعلام الحكومية دعاياتها أيضاً على المجالات التي لا تلبي فيها كوريا الشمالية متطلبات شعبها، خاصة الكهرباء والأمن الغذائي.
إذ أفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية عن نوع جديد من البطاطس طوره علماء كوريون شماليون الأسبوع الماضي وإنتاج 10 أنواع جديدة من الخضراوات "الشهية" و"عالية الإنتاجية". وفي شهر يونيو/حزيران، نشرت الوكالة الإخبارية تقارير عن السدود الهيدروليكية "الرائدة عالمياً" في البلاد؛ والتطورات الجديدة في مزارع أسماك تروات قوس قزح؛ وإنتاج أنواع جديدة من السمك الذهبي؛ واختراعات تكنولوجية جديدة في مصنع البيرة Taedonggang؛ وإنتاج مصابيح أشعة فوق بنفسجية أفضل من نظيرتها المستوردة.
وإنتاج لقاح لكوفيد-19، بلا شك، أصعب بكثير من أي من هذه المجالات. فحتى ظهيرة يوم الإثنين، لم تكن وكالة الأنباء المركزية الكورية قد أفادت رسمياً بعد عن مساعي تصنيع اللقاح في كوريا الشمالية، وكان الإعلان الوحيد عن طموحات البلاد على موقع إلكتروني حكومي.
غير أن القدرة على فعل ذلك ستكون بلا شك أداة دعائية رائعة لزعيم يعتمد تفويضه على قدرته الخارقة المزعومة على حماية الشعب الكوري.