في الوقت الذي صدرت فيه تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن حالة الاقتصاد العالمي في النصف الأول من العام الجاري متشائمة ومقلقة، جاءت البيانات من بكين تحمل نمواً غير متوقع، لكن لماذا يمثل تعافي الاقتصاد الصيني أخباراً جيدة لباقي العالم؟
نمو قياسي في الربع الثاني
اليوم الخميس 16 يوليو/تموز، قال المكتب الوطني للإحصاء في الصين إن اقتصاد البلاد سيواصل تعافيه في النصف الثاني من العام، على الرغم من أن أثر جائحة فيروس كورونا المستجد على اقتصاد العالم سيضع عدداً من التحديات أمام هذا النمو، وقالت ليو آي خوا، المتحدثة باسم المكتب، للصحفيين، إن الصين ستحافظ على المرونة في السياسات الاقتصادية.
وتصريحات المتحدثة جاءت بعد أن أظهرت بيانات صدرت في وقت سابق أن الاقتصاد الصيني نما بنسبة 3.2% في الربع الثاني من العام، على أساس سنوي، متعافياً من انكماش قياسي بعد انتهاء إجراءات العزل العام، وتكثيف صانعي السياسات لإجراءات التحفيز لتخطي صدمة أزمة فيروس كورونا.
واحتلت أنباء التعافي السريع وغير المتوقع للاقتصاد الصيني عناوين الأخبار، وتناولتها شبكة CNN الأمريكية بعنوان: "الاقتصاد الصيني ينمو مجدداً، وهذه أخبار جيدة لباقي العالم"، واستعرض التقرير أن نسبة 3.2% صعوداً التي تحققت في الربع الثاني (أبريل/يونيو) جاءت أعلى من أفضل التوقعات التي لم تتخطَّ 2.5% لنفس الفترة.
هذا النمو يحمل في طياته كثيراً من المؤشرات، أبرزها أن الاقتصاد الثاني عالمياً من حيث الحجم قد تعافى من الركود الذي كان يتهدده في الربع الأول بفعل جائحة كورونا، والذي أدى لانكماش نسبته 6.8%، أي الأسوأ في ربع واحد منذ عام 1992، كما أنها كانت أول مرة يتعرض فيها الاقتصاد الصيني للانكماش على الإطلاق منذ عام 1976.
لماذا يمثل هذا خبراً جيداً لباقي العالم؟
صحيح أن تعافي الاقتصاد الصيني كان متوقعاً، كونها الدولة التي تعرضت أولاً لفيروس كورونا -حيث ظهر في ووهان- وكونها أول دولة طبّقت إجراءات إغلاق صارمة أوقفت النشاط الاقتصادي تماماً، لكنها الآن هي أول اقتصاد ضخم يعود للعمل، وتحقيق نمو بنسبة كبيرة بعد انكماش قياسي، مباشرة.
وهذه العودة المبكرة للنمو جاءت في وقتها كأخبار جيدة لباقي العالم، بعد أن قال صندوق النقد، في يونيو/حزيران، إن الاقتصاد العالمي قد ينكمش بنسبة 4.9% خلال العام الجاري 2020، متوقعاً أن تعافي الاقتصاد سيستغرق وقتاً أطول مما توقعه من قبل.
ووضع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني بنهاية العام الجاري عند نسبة 1% فقط، بينما توقّع انكماشات حادة للاقتصاد الأمريكي والأوروبي، لكن البيانات التي صدرت عن الصين تتوقع نسبة نمو سنوي هذا العام، تتخطى 2.5%، وهو ما أثار حالة من التفاؤل في باقي العالم، طغت على التوقعات المتشائمة لصندوق النقد الدولي.
التحديات لا تزال قائمة
بعض الخبراء يرون أن التعافي الذي شهده الاقتصاد الصيني يحمل في طياته أيضاً خللاً في الموازين، رغم أنه جاء أعلى بكثير مما توقعه المحللون، ويرى لاري هو، الخبير الاقتصادي الرئيسي المتخصص في الصين في مجموعة ماكواير، أن "العرض أعلى بكثير من الطلب"، ويرجع ذلك إلى أن الناس لا تزال تعيش أجواء الخوف من الفيروس، وهو ما يؤثر على الطلب على السلع.
الإنتاج الصناعي في الصين حقق نموا قدره 4.8% في يونيو/حزيران، وهو أسرع وتيرة نمو للقطاع هذا العام، وبصفة خاصة التصنيع في قطاعات التكنولوجيا المتطورة، كما أن الاستثمار بشكل عام حقق نتائج أفضل بكثير من التوقعات، لكن مبيعات التجزئة مثّلت الحلقة الأضعف، حيث هبطت 1.8% في الشهر الماضي، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي 2019.
لكن المحللين يتوقعون عودة مبيعات التجزئة للنمو مرة أخرى، وإن كانت هذه النقطة تحديداً -مبيعات التجزئة- تظهر مدى الصعوبة التي تواجهها بكين لإقناع الناس بالعودة لمستويات الإنفاق السابقة على الوباء، رغم المحفزات التي تقدمها الحكومة في هذا المجال.
فعلى سبيل المثال، بدأت الحكومة في بداية العام الجاري تقديم مكافآت نقدية لمن يشتري سيارة، إضافة لمليارات الدولارات في صورة كوبونات لتشجيع المواطنين على شراء السلع والخدمات، مثل الهواتف الذكية والأنشطة السياحية.
تناقض مع الوضع في أمريكا
تتناقض بالطبع تلك الأنباء بشأن الأوضاع الاقتصادية في الصين مع نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية بصورة واضحة، فالاقتصاد الأمريكي يعاني من أسوأ انكماش يتعرض له منذ الكساد الكبير قبل نحو قرن من الزمان، ولا تزال مستويات البطالة هناك تقترب من 14%، وسط ارتفاع قياسي في عدد الإصابات بالوباء، يهدد بإعادة إغلاق النشاط الاقتصادي مرة أخرى، وهو ما قد يمثل كارثة محققة.
ويلقي غالبية المراقبين باللائمة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته السيئة لكارثة الوباء في مراحلها المختلفة، ثم إصراره على رفع القيود عن النشاط الاقتصادي بصورة مبكرة، ما أدى لارتفاعات قياسية في حالات الإصابة التي تخطت 3 ملايين و600 ألف (أي أكثر من ربع عدد الإصابات المسجلة حول العالم)، والآن اضطرت بعض الولايات لإعادة إغلاق بعض الأنشطة مرة أخرى.
ويرى البعض أن ترامب وإدارته يصعدون من حربهم الكلامية والإجراءات ضد الصين، في محاولة لتشتيت الانتباه عن الوضع الداخلي الذي يسوده ثلاث أزمات متداخلة، هي الوباء والاقتصاد المنكمش والاحتجاجات ضد العنصرية، لكن لا يبدو أن بكين ستتراجع أمام ما تسميه "التنمر" الأمريكي.
الصين تظهر العين الحمراء
فقد قالت الصين، اليوم الخميس، إنها ستلتزم بالمرحلة واحد من الاتفاق التجاري الذي توصلت إليها مع الولايات المتحدة هذا العام، لكنها حذرت من أنها ستردّ على أساليب "التنمر" من واشنطن، في وقت تستمر فيه العلاقات بين البلدين في التدهور.
ودعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للحضور إلى الصين، وزيارة منطقة شينجيانغ، الواقعة غربي البلاد، ليرى بنفسه عدم وجود انتهاكات لحقوق الإنسان ضد أقلية الإيغور المسلمة في المنطقة، رداً على فرض واشنطن عقوبات وإطلاقها اتهامات للصين بإساءة معاملة الأقلية من الإيغور المسلمين في المنطقة.
ولدى سؤال المتحدثة عما إذا كانت تلك العقوبات التي فرضتها واشنطن في الآونة الأخيرة ستؤثر على اتفاق التجارة، قالت للصحفيين إن الصين تأمل في أن يكون الاتفاق لا يزال قابلاً للتطبيق، مضيفة: "دائماً نطبق التزاماتنا، لكننا نعلم أن البعض في الولايات المتحدة يقمعون الصين ويتنمرون عليها… وكدولة مستقلة وذات سيادة، يتعيّن على الصين الردّ على ممارسات التنمر من الجانب الأمريكي".
ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية -المقررة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني- من المتوقع أن تزداد سخونة الحرب الباردة بين الاقتصادين الأكبر عالمياً، ولا أحد يمكنه أن يتوقع ما قد تقدم عليه واشنطن تحت إدارة ترامب، الساعي للفوز بفترة رئاسية ثانية بأي ثمن.