في ظل الأزمة الاقتصادية الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية قبل ثلاثة عقود، يعيش لبنان الآن ما يمكن وصفها بحالة الانتظار للإعلان رسمياً عن نهاية حكومة حسان دياب، التي تعد "ميتة إكلينيكياً" بحسب البعض، لكن يظل القرار الأخير بيد حزب الله، فما القصة؟
ضغوط خارجية وداخلية
تتصاعد الآن على الساحة اللبنانية أحاديث عن ضرورة استقالة الحكومة الحالية برئاسة حسان دياب، بعد "الفشل الذريع" في معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية المستمرة منذ أشهر، وفي ظل ضغوط داخلية وخارجية، لكن محللون وسياسيون يقولون إن إصرار حزب الله على عدم سقوط الحكومة التي يشارك فيها ربما يطيل أمدها، بحسب تقرير للأناضول.
وكانت احتجاجات شعبية واسعة قد تفجرت في لبنان منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مطالبة برحيل الطبقة السياسية الحاكمة وإنهاء نظام المحاصصة الطائفية، وهو ما أدى لاستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، لكن الأمور لم تتحسن ولم تتوقف الاحتجاجات.
وبعد شهور من تولي دياب رئاسة الحكومة – المحسوبة على حزب الله – وصلت الأزمة الاقتصادية إلى حد الكارثة التي طالت الاحتياجات الأساسية للبنانيين من خبز وكهرباء وانهارت أسعار الليرة وعجزت البلاد عن سداد أقساط الديون، ومؤخراً دعا سياسيون إلى استقالة الحكومة، في ظل تعمق الانهيار المالي في البلاد، مع طلب البعض عودة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، ليقود حكومة تخلف الحالية.
وكانت الاحتجاجات قد أجبرت حكومة الحريري على الاستقالة، في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضى، وحلت محلها الحكومة الراهنة، برئاسة حسان دياب، في 11 فبراير/شباط.
وفي دردشة مع صحفيين الأسبوع الماضي، قال الحريري، رئيس تيار المستقبل، إن "الفراغ مدمر للبنان، والفرصة للإنقاذ قائمة، والحل بتغيير الآلية والمحاصصة، وبناء البلد على أسس جديدة"، وأعلن شروطاً للعودة إلى رئاسة الحكومة، مضيفاً: "لن أغطي أحداً قريباً مني لترؤس أي حكومة".
إجماع على تغيير حكومي
وضمن عدم الرضا عن حكومة دياب، قال رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، الثلاثاء: "لا نقبل بهذا النمط من قلة الإنتاجية بالمرحلة الأخيرة، وعليها (الحكومة) الإسراع في تنفيذ الإصلاحات، وقد لا تستمر إذا فشلت في فعل المزيد".
وبعد اجتماع مع الحريري، رأى نائب رئيس البرلمان إيلي فرزلي، المقرب من التيار الوطني الحر وحلفائه "حزب الله" و"أمل"، أن "إعادة النظر في تشكيل الحكومة أصبحت ضرورية".
واعتبرت وزيرة المهجرين غادة شريم، في مقابلة مع إذاعة "صوت لبنان" السبت، أن "التغيير الحكومي ممكن في أي لحظة وفي أي ظرف من الظروف. المهم هو إيجاد حلول لإنقاذ البلاد".
وذهب وزير الطاقة ريمون غجر، في مقابلة منفصلة مع الإذاعة، إلى أن أعضاء الحكومة شككوا في "فائدة الاستمرار في ضوء عدم الإنجازات".
وتابع أن أعضاء مجلس الوزراء، بمن فيهم دياب، لا يعارضون تغيير الحكومة، إذا "حسن وضع البلد"، مشتكياً من أنه "يجب أن يتحمل عبء عشرات السنين من السياسات التي وضعت البلاد على حافة الهاوية".
صراع أمريكي إيراني
ويقول الصحفي منير الربيع، للأناضول، إن "جميع المعطيات تفيد بأن موعد إسقاط الحكومة لم يحن، بعدما حاولت بعض القوى السياسية، بما فيها التيار الوطني الحر، طرح هذه الحكومة للبيع، لعل ذلك يخفف الضغوط الأمريكية، ولكن لم يكن هناك أي استجابة".
ويرى أن "حزب الله (حليف طهران والنظام السوري) لا يزال متمسكاً بالحكومة، ولن يتخلى عن هذه الميزات والسيطرة على حكومة تمنحه الشرعية الرسمية والشعبية والمؤسساتية"، مضيفاً أن "دياب يعمل وفق ما يُملي عليه حزب الله، والدليل دعوة أمينه العام (حسن نصر الله) إلى التوجه شرقاً نحو العراق وإيران والصين (بحثاً عن حلول للأزمة الاقتصادية)".
ورغم ذلك يعتبر الربيع أنه "في المدى المنظور لا بديل عن هذه الحكومة بالسياسة.. وعلى القوى السياسية، التي تجتمع دوماً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، والحريري، تحسباً في حال سقوطها (الحكومة) في المرحلة اللاحقة، أن تكون لديهم خطة جاهزة".
"واشنطن تعتبر أن الحكومة سقطت، ولا يمكن التعامل معها، ولا يمكن حصولها على مساعدات، لذلك الضغط سيشتد عليها في الأيام المقبلة. المطلب الأمريكي هو تشكيل حكومة مستقلين، لا علاقة لهم بالقوى السياسية، لكن حزب الله يرفض هذا الأمر قطعاً، وهو متمسك، حتى لو سقطت هذه الحكومة، بأن يكون شريكاً في أي حكومة أخرى.. وفي حال سقوط هذه الحكومة من المستبعد أن تتشكل أخرى بوقت قريب".
غياب الاتفاق على البديل
أما قاسم قصير، المحلل السياسي المقرب من "حزب الله"، فيرى أنه توجد أحاديث كثيرة عن إسقاط الحكومة، "لكن حتى الآن لم يتم الاتفاق على ذلك"، ويقول للأناضول، إن "الشرط الأساسي لاستقالة الحكومة هو الاتفاق على البديل، سواء من يتولى التشكيل أو برنامج العمل، وهذا لم يحصل".
"الضغوط مستمرة، داخلياً وخارجياً، لإسقاط الحكومة.. وعودة سعد الحريري مطروحة، لكن لديه شروط صعبة. الحكومة مستمرة، ولو بقوة أمر الواقع، إلا إذا تطورت الضغوط الداخلية والخارجية، أو تم الاتفاق على البديل".
واتهم نصر الله، في 16 يونيو/حزيران الماضي، واشنطن بمنع وصول الدولارات إلى لبنان، لخنق اقتصاده، وذكرت صحيفة "الأخبار" المحلية، مقربة من "حزب الله"، أمس الإثنين، أن السفيرة الأمريكية لدى لبنان دوروثي شيا، أرسلت إلى دياب، عبر أصدقاء مشتركين، "رسائل قاسية اللهجة" تتهمه فيها بأنه ينفذ أجندة "الحزب" في الحكومة، رافضة انفتاح بيروت على التعاون مع بغداد وبكين.
ومع بدء توليها المسؤولية، تعهدت حكومة دياب بأنها "غير سياسية"، وستعالج "الفساد المستشري"، وتحشد الدعم الدولي للبنان، وأقرت الحكومة، نهاية أبريل/نيسان الماضي، خطة إنقاذ اقتصادية، تستمر 5 سنوات، وشرعت في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتمويل هذه الخطة، لمعالجة أزمة دفعت لبنان إلى تعليق سداد ديونه.
لكن هذه المفاوضات توقفت، مؤخراً، حيث لم يتمكن المسؤولون اللبنانيون من الاتفاق على حجم الخسائر في القطاع المصرفي بالبلاد، ولم تتمكن الحكومة من احتواء انخفاض الليرة اللبنانية، التي فقدت أكثر من 80٪ من قيمتها منذ أواخر 2019، بجانب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
كما يعاني لبنان نقصاً كبيراً في الوقود، ما أدى إلى انخفاض كبير في إنتاج الكهرباء وارتفاع أسعار السلع "بشكل جنوني"، ويطالب المحتجون برحيل الطبقة السياسية، التي يحملونها مسؤولية "الفساد المستشري" في مؤسسات الدولة، ويرون أنها السبب الأساسي للانهيار المالي والاقتصادي في لبنان.