مازال نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يتتبع خطى معارضيه في الداخل والخارج بصورة بدت ملفتة ومخيفة، وليس الخوف من هذه الممارسات على معارضيه أكبر من الخوف على سمعة الدولة المصرية التي بدأت تتضرر كثيراً في الإعلام العالمي.
فخلال أيام قليلة خلت، تحدثت تقارير صحفية ألمانية عن انكشاف جاسوس تابع للنظام المصري يعمل في مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وكشفت صحيفة "بيلد" الألمانية أن الجاسوس يعمل في المكتب الإعلامي للحكومة وأنه منذ سنوات يعمل لصالح جهة استخبارية مصرية، وأنه من الوارد أن يكون قد جمع بيانات عن صحفيين مصريين لصالح نظام السيسي.
على الوجه الآخر، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريراً كشفت فيه بعض الضغوط التي يمارسها نظام السيسي على ذوي من يلاحقونه بالقضايا في الخارج، وقال التقرير إن السلطات المصرية تلجأ إلى اعتقال وسجن وترهيب عائلات المعارضين المصريين المقيمين في الخارج، خاصة في الولايات المتحدة، من أجل إجبارهم على التوقف عن انتقاد الرئيس عبدالفتاح السيسي والحكومة المصرية.
محاولات ومضايقات
وتستمر كل محاولات النظام في التضييق على معارضيه في الخارج، تارة بالتضييق على أهاليهم في مصر بالاعتقال أو المنع من السفر، وسحب الجوازات منهم بالمطار أثناء السفر أو عند العودة من الخارج، أو حرمانهم من الترقي أو التوظيف في المؤسسات العامة وليس السيادية فقط.
بينما يلاحق ويضيق على معارضيه بالخارج بأكثر من صورة، أولها مصادرة الأموال وتلفيق القضايا السياسية والجنائية أيضاً ومن ثم إبلاغ الإنتربول الدولي للقبض عليهم أثناء السفر، وتتبع خطاهم عبر الجواسيس في بلدان إقامتهم، وإذا ضاق به الحال يعمل على تعطيل حساباتهم في مواقع التواصل.
لم تسلم فئة بعينها من الملاحقات في الخارج، فكل معارض هو محض استهداف حسب نشاطه وتأثيره، فبين سياسي وبرلماني، وبين وزير سابق وصحفي أو إعلامي، تكثر القصص التي يرويها معارضو السيسي عن أبرز ما تعرضوا له هم وأقاربهم في مصر من مضايقات وملاحقات.
بل ذهب بعضهم للاعتذار عن المشاركة في هذا التقرير خشية أن يزيد التضييق الذي يعاني منه أقاربهم في مصر، وخشية أن تزداد وطأة الملاحقة في الخارج، إذ يعاني بعضهم من ترصد القنصليات المصرية له بالخارج ومنعه من تخليص معاملاته والحصول على حقه كمواطن مصري.
نكلوا بشقيقي ويلاحقون زوجتي معي
يقول الداعية الدكتور محمد الصغير عضو البرلمان السابق ومستشار وزير الأوقاف السابق ـ يقيم في قطر ـ لـ عربي بوست: "من المضحكات المبكيات أنهم اعتقلوا شقيقي بعد خروجي من مصر عقب الانقلاب، وإن كنت أنا صاحب موقف وتوجه فليس بالضرورة أن يكون شقيقي كذلك.
هو يصغرني بعشرين عاماً وليس له علاقة لا بالثورة ولا بالتيار الإسلامي، لكن النظام في مصر لفق له تهمة الانتماء لجماعة الإخوان وتهماً أخرى من القائمة الجاهزة لكل من يقع تحت أيديهم.
ولما عرض شقيقي على النيابة للتحقيق، وأثناء التحقيق، عرف وكيل النيابة من اسم شقيقي أنه ينتمي لعائلة معروفة في سوهاج، فالتحقيق كان في نيابة سوهاج، وعلم أن شقيقي لا علاقة له بالإخوان، حتى إن المحامي سأل وكيل النيابة: هل الشيخ محمد الصغير من الإخوان؟ فأجابه لا ، فرد المحامي وقال: وشقيقه لا هو إخواني ولا هو من التيار الإسلامي أصلاً.
فصدمه وكيل النيابة حين قال: "نعم أعرف، لكن التقارير عندي تقول إنه إخوان! ومع صدمة المحامي من حديثه، إلا أنه ترجاه ألا يجدد له الحبس وأن يطلق سراحه، لكن وكيل النيابة أصر، وأعطى شقيقي تجديداً مشدداً ووصل إلى 45 يوماً".
وحول ما تعرض له الشيخ الصغير من ملاحقات مباشرة، فيستشهد قائلاً: "أما أبرز ما تعرضت له أنا أن صدر ضدي مجموعة أحكام ظالمة غيابية وصلت إلى الحبس 54 عاماً كلها في قضايا ملفقة".
وأضاف: "ومن مكر النظام حين علم أن إدارات المطارات ومكاتب الإنتربول حين تعلم أنني كنت عضواً بالبرلمان تتفهم أن الشكاوى المقدمة ضدنا كيدية ومن قضايا ملفقة فتتركنا نرحل، توجه لتلفيق القضايا الجنائية لنا مثل سرقة شقة أو سيارة، فأصبح شرطي المطار يرانا في صورة سارق لا في صورة معارض".
ويكشف الصغير عن أن الملاحقات طالت زوجته معه، ويقول: "الأنكى من هذا حين استوقفتني سلطات المطار في تركيا، وبعدما تواصلنا مع المسؤولين، أخبرونا أن النظام المصري يرسل القضايا عن طريق دولة الإمارات، والعجيب أيضاً أنهم أسقفوا زوجتي معي في مطار بتركيا، ولما استعلمت عن الأمر علمت أن القضية لفقت لي ولزوجتي تحت وصف "محمد الصغير وحرمه"، فقلت لضابط المطار مازحاً، هو وحرمه تأتي في دعوة لحضور حفل زفاف لا في قضية يرفعها نظام سياسي".
يرفضون تجديد جوازي ومنعوا أمي من السفر
من جهته يقول عمرو عبدالهادي، عضو لجنة الدستور السابق، والمعارض المصري المقيم في قطر لـ عربي بوست: "في عام 2016 تقدمت للسفارة المصرية بدولة قطر لتجديد جواز السفر، وبعدما تسلموا الطلب مني، عادوا إليَّ بعد عدة أيام وقالوا إنهم حصلوا على إفادة من جهاز الأمن الوطني ـــ أمن الدولة ـــ بأنه لا يمكن تجديد جواز سفري وأنا بالخارج وأقصى ما يمكن الحصول عليه وثيقة سفر للعودة إلى مصر".
ويضيف: "على الرغم من أني غير مطلوب تحت أي دعوى قضائية ولم يصدر ضدي أي حكم قضائي إلا أنهم رفضوا منحي حق تجديد جواز السفر، بل إنه في نفس العام 2016 حاولت أمي زيارتي في تركيا، لكن ضابط أمن الدولة بالمطار احتجزها وسحب منها جواز سفرها وتعرضت للتحقيق لأكثر من 5 ساعات، ومنذ ذلك التاريخ وهي لا تستطيع الخروج من مصر حتى لو للعمرة أو الحج".
أضف إلى ذلك حرمان أسرتي من حق تجديد جواز السفر، يقول عبدالهادي، الذي يؤكد أنه وبعض من يعرفهم يتعرضون للملاحقات والمضايقات في الخارج من رجال النظام في المؤسسات التي يعملون بها في الخارج ممن وصفهم بالعملاء والمندسين.
ويقول: "على سبيل المثال، فإن أحد زملانا الصحفيين تعرض ابنه للاعتقال في مصر لأنه على خلاف مع أحد الشخصيات السياسية بالخارج، ومن أبلغ عن والدتي هو أحد المندسين في صفوف المعارضة بالخارج، لتضييق الخناق علي حتى أجبر على العودة لمصر وأتعرض للاعتقال".
ويواصل: "هناك أيضاً بعض أتباع النظام المندسين بالمؤسسات التي يعمل بها نسبة كبيرة من المعارضين، يبلغون عن زملاء لهم في العمل إذا سافر مصر لأي سبب، وهؤلاء الضحايا ليسوا من الرموز أو من ذوي الأسماء اللامعة، بل لا نشاط يذكر لهم".
في حين نجد كثيراً من قيادات ورموز معروفة في الإعلام ويعرفها النظام لا يتعرضون للاعتقال حين كانوا يسافرون مصر، على حد وصفه.
ويؤكد عبدالهادي أن محاولات النظام في التضييق على المعارضين بالخارج لم تتوقف، ويقول: "امتدت المحاولات لتشمل إيقاف حساباتنا على السوشيال ميديا وقد تم إيقاف حسابي على موقع تويتر، كنوع من الضغط لتكميم أفواهنا، لكنني استطعت أن أستعيد حسابي مرة أخرى ومستمر في فضح جرائم النظام".
حاول النظام تعريضي للفصل من عملي
الزميلة ن ـ ع ـ صحفية مقيمة بإحدى دول أوروبا، وقد أخفيت هويتها بناء على طلبها خشية التعرض لمزيد من المضايقات، تقول لـ عربي بوست أبلغ عني بعض رجال النظام في البلد التي أقيم فيها عام 2014 بعد الانقلاب بأشهر قليلة، وتقدموا بشكوى كيدية إلى المؤسسة التي أعمل بها بزعم أنني أدعم الإرهاب وأناصر جماعة الإخوان المسلمون وأنها جماعة تعمل ضد أوروبا، لتعريضي لقرار الفصل من العمل".
وتواصل: "وتعرضت للتحقيق بالفعل، لكن الله أنقذني لأن المؤسسة المعنية بالتحقيق انتدبت موظفين من جنسيات عربية مختلفة، ومحلفين أمام الجهات القضائية، لتحليل وترجمة مضامين الفيديوهات المسجلة لي كمداخلات في القنوات الفضائية للتحقق من صحة الشكوى أو عدمها، فقد أدعي أني أحرض على أوروبا وعلى خروج ثورة أوروبية، لكن المحلفين أكدوا أن مداخلاتي خالية من أي شيء يدينني".
ومع ذلك لم تتوقف المحاولات، فقد وصلت ملاحقاتهم إلى حد تحريض بعض الأسر العربية وبعض السكان الأصليين لتقديم شكاوى ضدي بأنني أحرض أقاربهم على ممارسة العنف ضد الدولة، لكن التحقيقات برأتني تماماً من هذه التهمة بعدما شهد لي زملائي بأني داعمة للديمقراطية ومؤيدة للمسارات السلمية في التعبير عن الرأي، إلا أنني وقتها منعتني السلطات المحلية من الكتابة على فيسبوك لمدة سنة، حتى استطعت أن أعود مرة أخرى.
قتلوا شقيقي وداهموا بيتي
أما الناشط السيناوي البارز عيد المرزوقي يقول لـ عربي بوست: "منذ بداية ظهوري في المشهد السياسي المصري 2014 على قناة الجزيرة كمتحدث عن الواقع في سيناء، كانت أولى الرسائل التي تلقيتها من النظام، ومداهمة بيتي في سيناء، وقيل لي إذا لم أتوقف سوف يتعرض أهلي للخطر".
ويواصل: "لكنني استمريت في فضح جرائم النظام في سيناء من خلال نشر كل الفيديوهات التي كانت تصلني عن هذه الجرائم، وبعد ذلك وجدت الإعلام المصري يدخل الخط وبدأت الهجوم علينا الإعلامية السورية رولا خرسا زوجة مدير التلفزيون السابق عبداللطيف المناوي، التي تقدم برنامجها على التلفزيون المصري، واتهمتنا بالعمالة للخارج ونشر أخبار مفبركة وغيرها".
ويستطرد: "ثم تلقيت تهديدات مباشرة من أحد الإعلاميين المصريين، وبعدها اعتقل شقيقي ثم تعرض للتعذيب ومات على إثر ذلك بأشهر قليلة في سبتمبر 2015، آلمني موت أخي، لكنني أصريت على الاستمرار، وبعد ذلك بفترة هجمت قوات الأمن على بيتنا بعدما نشرت خبراً حصرياً عن تفجير كمين تفاحة، وانتشر الخبر بسرعة كبيرة ما دفع قوات الأمن لمداهمة البيت لاعتقال أشقائي مرة أخرى".
ويواصل: "ناهيك عن الأحكام القضائية الظالمة التي صدرت ضدي في تهم باطلة من الأساس فيما عرفت بقضية "إعلام الإخوان" وحكم علي فيها بالسجن الغيابي خمس سنوات"، لمنعي من الحديث، وهذا أيضاً وضعنا في عزلة ولم يعد يزرنا أحد من أقاربنا".
ويختم حديثه: "إنهم يمارسون الإرهاب علينا وعلى كل من يحاول فضح جرائم النظام أو نشر أية أخبار عن هذه الجرائم، حتى إنهم شكلوا لجاناً إلكترونية لتشويه صورتنا وإطلاق الشائعات علينا".
السفارة المصرية في واشنطن اتهمتني بالإرهاب
من جهته يقول الدكتور أحمد عبدالباسط، أستاذ الفيزياء بالجامعات المصرية وأحد معارضي السيسي المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، لـ عربي بوست: "أتيت أمريكا عام 2016 وتقدمت بطلب الحصول على اللجوء السياسي، لأنني في نفس العام وضع اسمي في قضية سياسية وحكم علي غيابياً بالإعدام".
ويواصل: "كان ذلك أثناء عملي في جامعة قطر كأستاذ للفيزياء، وبعدما أتيت إلى نيوجيرسي أجريت مقابلة اللجوء وظننت أن الأمور قد هدأت، ثم في 2018 فوجئت بشرطة الهجرة الأمريكية تلقي القبض علي، وتطلب ترحيلي خارج البلاد بزعم أنني أقيم بصورة مخالفة، ولكن أثناء الحديث معهم، قالوا لي إنك تنشر أراء سياسية لا تتوافق مع الأمن الأمريكي، وخطر على الأمن القومي".
وقتها علمت أن تهمة دعم الإرهاب قادمة من مصر، فلما سألت الضابط، قال لي إن هناك شكوى مقدمة ضدي من إحدى المنظمات التابعة للسفارة المصرية، ولكن بعدما تحرك الإعلام الاجتماعي تم إيقاف الشكوى وحصلت على حقي في اللجوء.
منعوا زوجتي من السفر
النائب السابق ن ـ ب ـ تم إخفاء هويته بناء على طلبه خشية المزيد من الملاحقات والتضييقات ــ يقول لـ عربي بوست: "منعوا زوجتي من الخروج من مصر لأكثر من خمس مرات، وفي كل مرة تُحجز للتحقيق لمدة لا تقل عن 10 ساعات وتعريضها للضغط النفسي والعصبي، وبعد آخر محاولة لها أخبروها ألا تحاول مرة أخرى فهي ممنوعة من السفر ولن تخرج من المطار بعد اليوم".
ويواصل: "لم يقف الأمر عند هذا الحد، فإن القنصليات المصرية بالدول التي نقيم بها ترفض أن تقضي لنا ولأولادنا مصالحنا، ولا يخبروننا بذلك إلا بعد أن ندفع الرسوم المطلوبة، ثم يقولون لنا أنتم لا يستخرج لكم شيء، هذا هو النظام العسكري الذي يصفي معارضيه ويعتبر من ليس معه فهو عليه".
ملاحقات لا تنتهي
جدير بالذكر، أن الكثير من رموز المعارضة السياسية والإعلامية في الخارج قد تعرضوا للكثير من التضييق والملاحقات ومصادرة الأموال، فعلى سبيل المثال أوقف الإنتربول الدولي في إيطاليا عام 2018 الدكتور محمد محسوب الذي كان وزيراً للشؤون القانونية في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، على خلفية مذكرة تقدم بها النظام المصري لملاحقته ومحاولة اعتقاله وتسليمه.
كما تعرض الإعلامي بشبكة الجزيرة أحمد منصور عام 2015 لتوقيف الإنتربول له في مطار برلين، على خلفية مذكرة تقدم بها النظام أيضاً لملاحقته ومحاولة اعتقاله وتسليمه له.
فيما تعرض الدكتور علاء صادق المعلق الرياضي الشهير هو والإعلامية الراحلة كاميليا العربي شقيقة الفنان وجدي العربي عام 2015، لمصادرة أموالهما بقرار من "لجنة حصر أملاك الإخوان" التي تشكلت بعد الانقلاب العسكري مباشرة.
فيما تعرض المدون والناشط الإعلامي عبدالله الشريف للتضييق باعتقال شقيقيه ومن قبلهما والده، لمنعه من فضح ممارسات النظام وبخاصة كشف ما يحدث في سيناء من جرائم.