أثارت تصريحات رئيس التيار الوطني الحر وصهر رئيس الجمهورية اللبنانية، الوزير السابق جبران باسيل، حول ما قال إنه "لُعبة دولية تستهدف لبنان"، العديد من التساؤلات حول الجهات أو الأشخاص الذين يعنيهم باسيل في تصريحاته.
وكشفت مصادر قريبة من سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية والفرنسية في لبنان لـ"عربي بوست" أن تواصلاً أمريكياً فرنسياً حدث في الأيام القليلة الماضية بين ممثلي السفارتين في ظل غياب أي طرف لبناني عن هذه اللقاءات.
وخلصت المحادثات ـ حسبما تؤكد المصادر ـ إلى أن واشنطن ماضية في ضغوطها على لبنان وعلى حزب الله، ولا مجال للمواربة أو المناورة في هذا الأمر، ما يعني أنه لا مساعدات، ليس قبل تحقيق الإصلاحات فحسب، بل بعد وضع إطار لاتفاق سياسي على كل المواضيع العالقة.
وتشير المصادر إلى أن الأمريكيين أكدوا ـ في غياب أي تمثيل لبناني بالمحادثات ـ أنه لا مجال لمنح حكومة حسان دياب أي فرصة للاستمرار، فيما تؤكد المصادر أن واشنطن أبلغت باريس بأن تيار رئيس الجمهورية جزء من الغطاء المستمر لحزب الله على الرغم من كل المحاولات التي يقوم بها جبران باسيل لمغازلة واشنطن فإنه في الوقت نفسه يقدم الغطاء المسيحي لحزب الله الذي يسعى لتقويض الدولة.
فيما تقول المصادر إن واشنطن لن توقف مواجهتها مع إيران، في لبنان، إلا بالحسم بمعنى أنه لا مجال لمراهنة البعض على مناخ تفاوضي ينمو بعيداً عن الأضواء وعبر وسطاء وينتهي بالتسوية.
فيما أظهرت واشنطن تشدّداً غير مسبوق تجاه لبنان، خصوصاً من خلال الناطقين باسم الخارجية ومسؤوليها، وأكدت أن الضغط على لبنان سيتصاعد مهما كان قاسياً ومُكلفاً، إلى أن يرفع حزب الله قبضته عن السلطة.
وليس هناك ما يوحي بأن واشنطن ستتراجع عن هذا النهج شديد القسوة على لبنان بكامله، أو ما يجبرها على ذلك، فيما تزداد العزلة حول باسيل الذي يدرك أن الولايات المتحدة لن تتهاون في التعامل مع ملف حزب الله وممارساته.
حراك وضغوط عربي
ينشط في الأيام الأخيرة حراك ملحوظ لمجموعة السفراء العرب وهم سفراء مصر والسعودية والإمارات وأحياناً الكويت، يجول السفراء على حلفائهم في السياسة، حيث التقوا منذ أيام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، غاب عن اللقاء سفير السعودية وحضر سفير الكويت.
وبحسب مصادر خاصة لـ"عربي بوست" فإن السفراء سمعوا من جعجع وقيادة حزبه مقاربتهم للشأن السياسي والاقتصادي والواقع الذي يمر به لبنان، وكان الوزير باسيل حاضراً في نقاشاتهم.
وعبر جعجع خلال اللقاء عن أنه يرى تحالف الحريري السابق مع باسيل قد أفقد لبنان هويته وعزز نفوذ حزب الله، ويأسف جعجع لما تسرّب عن الحريري حين قال إن حزب الله طرف لا يمكن إلغاؤه، فيما الحزب يقوم بممارسات تلغي الجميع دون استثناء.
ويخشى جعجع من وقوع مصالحة بين الحريري وباسيل من جديد على حساب الحلفاء السياديين أي حزبه وحزب وليد جنبلاط، لكنه في الوقت نفسه يرغب في مصالحة الحريري لأنه في نهاية المطاف جزء من التيار الواسع الرافض مبدئياً لتغول الحزب في الدولة.
فيما شدد السفراء لجعجع على أن لبنان لن يحصل بعد الآن على أية مساعدات أو قروض أو أي شكل من أشكال الدعم ما دامت حكومة حسان دياب موجودة، فيما تتبنى السعودية نظرية أنه ما دام الرئيس ميشال عون في سدة رئاسة الجمهورية وصهره باسيل يدير الدفة لصالح تحالفه مع الحزب فلن نمنح شيئاً للبنان.
وأن المطلوب هو خروج عون من الرئاسة، وكذلك خروج "حزب الله" من المعادلة الحكومية لأنه -في رأي هؤلاء- يمسك بالقرار اللبناني، ولأنه يحاربهم في لبنان إلى سوريا والعراق والبحرين واليمن، وبالتالي لا يمكنهم تقديم أي دعم لحكومة يديرها بمعاونة حلفاء خدمة لمصالح النظام الإيراني وجماعاته في المنطقة.
باسيل والدبلوماسي العربي
وتؤكد مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أن الوزير السابق جبران باسيل يحاول إعادة تسويق نفسه عربياً للقول إنه جاهز للحوار والتفاهم، لذا فإنه التقى مع دبلوماسي عربي رفيع المستوى في بيروت في محاولة لفتح نقاش وحوار مع المحور العربي الذي ينشط مؤخراً.
وتقول المصادر إن باسيل بدأ حديثه مع الدبلوماسي العربي بالتعبير عن حرصه على علاقات لبنان بمحيطه العربي والإقليمي، وأنه يود إصلاح ما جرى بين لبنان والدول العربية بسبب المواقف التي اتخذها لبنان في المنابر الدولية والعربية، وأن على الدول العربية القبول به الأقوى مسيحياً.
وأوضح باسيل أنه يفضل العمل العربي على محاولات التمدد التركي في المنطقة، وأن على الدول العربية توجيه انتباهها إلى الدور الذي تلعبه أنقرة في البيئة العربية بدلاً من حصار لبنان والعهد الذي يقوده ميشال عون.
حينها اضطر الدبلوماسي العربي للرد على باسيل بسرد سلسلة ممارسات حدثت في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة تؤكد أن لبنان غارق حتى أذنيه مع إيران في حروبها على الدول العربية ورفض إدانة الحوثي وإدانة اعتداءاته على سيادة دولة عربية.
وأن الامتناع عن رفض تدخلات إيران في الشرق الأوسط والوقوف مع قطر في المحافل الدولية وتصويت لبنان للدوحة في انتخابات اليونسكو بدل التصويت لمصر، والوقوف مع حزب الله في سياساته التي تعبث باليمن والعراق وسوريا. وشدد الدبلوماسي لباسيل على أنه لم يسلف الدول العربية موقفاً واحداً، وعليه فإن دول التحالف العربي لن تقبل بتسوية تأتي به رئيساً للبلاد.
موقف الراعي من باسيل
من جهة أخرى ألقى خطاب بطريرك الموارنة مار بشارة بطرس الراعي بثقله على قصر الرئاسة في بعبدا، وكان موقف الراعي قوياً باتجاه عون ومن خلفه الصهر الحاكم جبران باسيل، قال الراعي بقوة إن على عون أن يفك الحصار عن لبنان عبر تحييده من محاور الصراعات ما سبب إحراجاً لموقف رئيس الجمهورية الذي يشهد عهده مصاعب تعيقه من الاستمرار.
يسعى البطريرك الراعي في الوقت نفسه لإنشاء مجموعة حكماء وعقلاء من مختلف الطوائف "تكون إلى جانبه لدعم مشروعه من دون أن يكون من بينهم من يطمح إلى منصب سياسي أو مركز في السلطة كي لا "يستغل" دعم بكركي للمشروع أو قربه من البطريك لتسويق نفسه سياسياً".
ولهذه الغاية، يجري الراعي اتصالات مع المعنيين لوضعهم في صورة المشروع ومناقشته مع عدد من أصحاب الشأن، ويتواصل مع عدد من الخبراء في المجال القانوني والحقوقي لصياغة المشروع.
ويتسلّح البطريرك الراعي بدعم الفاتيكان لمشروع الحياد وتأييدها له انطلاقاً من حرصها على المحافظة على هوية لبنان التعددية ودور المسيحيين في تثبيت هذه الهوية.
وفي الإطار، تشير مصادر دبلوماسية إلى "أن عظة الراعي الأحد الماضي التي ناشد فيها عون العمل على فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ"، متوجّهاً إلى منظَّمة الأمم المتّحدة للعمل على إعادةِ تثبيت استقلال لبنان ووحدته، وتطبيق القرارات الدولية.
وبحسب متابعين فإن هذا الخطاب يعني أن المرجعية المسيحية تسحب من تحت باسيل كزعيم سياسي وتعود للمرجعية الدينية، خاصة بعد ترحيب وطني بمواقف الراعي وتلقف دبلوماسي لمبادرته والتي سينطلق بها نحو الفاتيكان لإنقاذ مسيحيي لبنان من خطر وجودي.
وتوضح الأوساط "أن مشروع حياد لبنان يلقى تأييداً من العرب أيضاً وهم يوافقون على نداء بكركي في هذا المجال، لأن الحياد يؤكد تموضع لبنان الطبيعي ضمن أسرته العربية وخارج لعبة المحاور، ويُفضّل هؤلاء -بحسب الأوساط- قيام تجمّع سياسي عريض يضمّ شخصيات مشهوداً لها بالعمل الوطني تكون إلى جانب بكركي لتسويق المشروع وتحويله واقعاً".
معركة تعيينات قطاع الكهرباء
خاض باسيل معركة جديدة في هيكلية الدولة في محاولة لإثبات حضوره وتعزيز مكانة تياره، فبعد معركة التعيينات في مصرف لبنان، انقض باسيل على مؤسسة كهرباء لبنان والتي باتت في غيبوبة حقيقية نتيجة انقطاع التيار الكهربائي بسبب انقطاع الوقود عن لبنان.
فيما بقي باسيل مصرّاً على السيطرة على القطاع الأكثر جدلاً في ظل سيطرة التيار الوطني الحر على وزارة الطاقة لعقد كامل، فيما انتقادات المجتمع الدولي تتركز حول إجراء إصلاحات في هذا القطاع.
فيما يقول عضو كتلة القوات اللبنانية النائب أنطوان حبشي إنه "بعد سنين من الانتظار وبعدما اعتبرنا أنه لن يتم تعيين مجلس إدارة لكهرباء لبنان إلا بناءً على قرار من الأمم المتحدة تحت البند السابع، يفاجئنا اليوم مجلس الوزراء وتحديداً وزير الطاقة بتعيين مجلس إدارة".
لكن كما جرت العادة يحاولون احترام الشكل ويمعنون في نسف المضمون، وفنّد حبشي قرار تعيين إدارة كهرباء لبنان، وقال: "أولاً: التعيينات تعكس نمطاً واضحاً من محاصصة الألوان على حساب الكفاءة، وثانياً -وبحسب حبشي- هناك أشخاص تقدموا لعضوية مجلس كهرباء لبنان يتمتعون بالكفاءة اللازمة، ولكن على الرغم من ذلك لم تتم دعوتهم لإجراء المقابلة.
ويقول: "ثالثاً: من الأسماء التي طُرحت هناك مَن يعمل ويقطن خارج لبنان، علماً أن الوزير حدد كشرط من شروط الترشح للعضوية أن يكون السكن الدائم في لبنان. إن إجراء المقابلة مع أسماء لامعة لكن نعرف مسبقاً أنها لن تسمى هو مَن باب ذر الرماد في العيون لإيصال التشكيلة المؤلفة سلفاً.
ويرى حبشي أن التعيينات تظهر بوضوح أن منطق المحاصصة يتجذر في الممارسة، وهذا المنطق ولو كان يتحمّله وزير الطاقة ولكن يتشارك معه في المسؤولية كل فريق داخل الحكومة وافق على الإمعان في انتهاك كفاءة المواطن اللبناني فقط للحفاظ على حصته.