"لبنان على شفا الدخول لمرحلة الجوع" جاء هذا التحذير على لسان رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، كرره مؤخراً الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، في مؤشر على دخول الأزمة الاقتصادية اللبنانية إلى منعطف خطير.
وتتجه نسب الفقر إلى تسجيل مستويات قياسية في لبنان، في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار، بفعل الهبوط الحاد في سعر صرف العملة المحلية (الليرة)، وانتعاش السوق السوداء.
وبات شغل شريحة واسعة من اللبنانيين، تأمين تكاليف المعيشة اليومية، في وقت تعاني فيه السوق من تراجع حاد في الطلب، وارتفاع في نسب تسريح العمالة، بينما حال اللاجئين أكثر صعوبة، بحسب متابعين.
ويواجه لبنان، الذي يئن تحت واحد من أكبر أعباء الديون في العالم، أزمة اقتصادية حادة أعجزته عن سداد ديونه الدولية.
وفجرت الأوضاع المعيشية الناتجة عن الأزمة احتجاجات واسعة في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما زالت مستمرة في شوارع العاصمة ومدن أخرى.
فقر يتجاوز نصف السكان
الباحث في الشركة الدولية للمعلومات (أهلية)، محمد شمس الدين، قال إن نسبة الفقر في البلاد تقترب من 55% أي قرابة 2.3 مليون فرد، مع توسع دائرة الأزمة إلى مالية ونقدية وتشغيلية.
وقال شمس الدين للأناضول، إن نسبة الفقرة مقسمة بين 25% من الإجمالي، أي مليون مواطن، يعيشون دون خط الفقر، ما يعني أن دخلهم لا يكفي لتوفير الكميات الكافية والضرورية من الطعام.
"بينما هناك 30% (1.3 مليون فرد)، يعيشون فوق خط الفقر أي دخلهم يكفي للغذاء، ولكن لا يمكنهم توفير المسكن واللبس المناسب".
منعطف خطير في الأزمة الاقتصادية اللبنانية.. استيراد الوقود معرض للخطر
وفقد الحد الأدنى للأجور 83% من قيمته منذ اشتداد الأزمة المالية؛ وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، إن الحد الأدنى تراجع عملياً من 450 دولاراً إلى 75 دولاراً، بسبب فروقات سعر الصرف.
وقال: "جاء ذلك نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية إذ بات الدولار الواحد يوازي 9000 ليرة لبنانية، بعد أن كان يوازي 1500 ليرة، فالعملة فقدت 78% من قيمتها".
"المشكلة ليست فقط في تدهور قيمة الأجور، إنما الأعمال والحركة الاقتصادية متوقفة، وهذا يُسمى الركود الاقتصادي".
وقد تكون الأزمة الاقتصادية اللبنانية أمام منعطف خطير بالفعل.
فبالتزامن مع ارتفاع الأسعار وانهيار أسعار الصرف، تواجه البلاد أزمة وفرة الوقود، وقبله توفير النقد الأجنبي اللازم لاستيراده.
وقال مارديني: "مصرف لبنان يدعم استيراد الوقود، ما يعني أن حرق الوقود لتوليد الطاقة، يعني أن مصرف لبنان المركزي يستنزف النقد الأجنبي للشراء".
"قد يصل مصرف لبنان إلى مرحلة يعجز فيها عن توفير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد وقود الطاقة".
قطاع اللحوم يكاد يتوقف
ووسط هذه الأزمات، يسعى المواطنون إلى التأقلم مع تطورات أسعار السلع وأسواق الصرف، حتى في عمليات الاستهلاك الغذائية، ومنها اللحوم.
و كشف جوزيف الهبر نقيب تجار اللحوم، أن "القطاع قادر على الصمود لمدة تتراوح بين 20 و25 يوماً ليس أكثر".
وأضاف الهبر: "إذا بقي ارتفاع سعر صرف الدولار بهذا الشكل، فالقطاع سيتوقف بشكل نهائي، إن كان لناحية استيراد اللحوم المبردة والمجمدة، إضافة إلى اللحوم الحية.. نستورد سنويا 25 ألف طن.. هذا العام نستورد كمية لا تذكر".
وشدد على أن كيلو اللحم بات يبلغ 40 دولاراً بعد أن كان يبلغ 11 دولاراً، نتيجة تغيرات أسعار الصرف، مؤكداً أن "هذا الرقم مرشح للارتفاع مع ارتفاع سعر صرف الدولار".
وحول تضرّر الملاحم (محلات الجزارة) جراء الأزمة، أجاب: "35% من محال الجزارين أقفلت بشكلٍ نهائي، وهناك 20% من من السوبرماركت ستقفل فروع بيع اللحوم لديها".
وسارعت الاحتجاجات الشعبيّة التي انطلقت في 17 أكتوبر/تشرين الأوّل وتيرة الانحدار للاقتصاد وسط قطع طرقات وشوارع رئيسيّة في البلاد، وما ضاعف من حدّة الأزمة الإغلاق التامّ الذي دام أسابيع متواصلة عدّة لاحتواء جائحة كورونا.
غياب السلع
في سياق غير منفصل، تحدث عبدو مكرزل صاحب محل بقالة (فرن الشباك شرق بيروت)، عن انعكاس الأوضاع الاقتصادية على قدرته في تأمين البضاعة.
وأشار، إلى أن "البضاعة ارتفعت قيمتها بنسبة 200%.. هناك 10% من البضاعة ليس باستطاعته تأمينها من أي تاجر في سوق الجملة لأنها لم تعد متوفرة".
ولم يُنكر مكرزل أنه بات يقتصد في البضاعة، قائلاً: "قمت بالاستغناء عن السكاكر التي ارتفعت قيمتها وعن الأمور الثانوية، إذ أصبحت أؤمن لزبائني حاجاتهم الأساسية كالحليب والحبوب والمعلبات".
دعوات للجوء للمقايضة.. فناجين قهوة مقابل الخبز
ووسط الظروف الاستثنائية، أطلقت اللبنانية هلا دحروج، مبادرة انسانية هدفها المقايضة في السلع عبر صفحة "فيسبوك" تحت اسم "ليبان تروك".
وقالت: "أسست المجموعة لتكون متاحة لكل فرد بحاجة إلى نشر خدمات أو أغراض يملكها، ويرغب في استبدالها بخدمات أو حاجات ضرورية".
ولكن في بلد كان تكثر فيه أدوات الرفاهية، بينما يقل فيه إنتاج الضروريات، فإن المقايضة قد تكون ظالمة.
إذ تقول هلا دحروج: "هناك من يعرض فناجين قهوة يمتلكها عبر الصفحة ويحصل في المقابل على كيس حليب أو ربطة خبز"، لافتة إلى أن "هذه المبادرة كشفت عن عائلات من الطبقة المتوسطة تبدلت حالتها الاجتماعية للأسوأ".
وإلى جانب الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، يعاني لبنان من انقسام واستقطاب سياسي حاد، خاصّة منذ تشكيل الحكومة الحاليّة، برئاسة حسان دياب، في 11 فبراير/شباط الماضي، خلفاً لحكومة سعد الحريري، التي استقالت في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبيّة.
تعليق مفاوضات مع صندوق النقد يطيح بالأمل
والأسوأ إعلان وزير المالية اللبناني غازي وزني، عن تعليق محادثات بدأت في مايو/أيار الماضي مع صندوق النقد الدولي؛ للحصول على مساعدة من الصندوق لتمويل خطة لإنقاذ الاقتصاد.
وقال الوزير في تصريحات لصحيفة "الجمهورية" المحلية، نشرت الجمعة الماضية، إن المفاوضات مع الصندوق علقت في انتظار بدء لبنان "تنفيذ الإصلاحات بأسرع وقت ممكن، والتوافق على مقاربة الأرقام بشكل موحد".
وأضاف "ما يُعمل عليه اليوم هو تحديد الخسائر وحجمها بكل القطاعات".
وتابع: "علينا الخروج بمقاربة موحدة متفق عليها مع كافة القوى السياسية وبالتنسيق بين الحكومة ومجلس النواب، لأن الوقت لم يعد يسمح بالمماطلة ويجب أن نتفق بأسرع ما يمكن".
وعلى مدى الأسبوع الماضي، طفت إلى السطح خلافات لبنانية داخلية بشأن المحادثات مع صندوق النقد، دفعت اثنين من أبرز أعضاء فريق المفاوضات مع الصندوق للاستقالة.
والإثنين، استقال مدير عام وزارة المال آلان بيفاني من منصبه، وبرر استقالته في حينه بقوله إن المصالح الخاصة تقوض خطة الحكومة لإنقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار.
وقبل استقالة بيفاني بنحو أسبوع، استقال هدري شاؤول مستشار وزير المالية والعضو في فريق المفاوضات مع صندوق النقد من منصبه لأسباب مماثلة.
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت إلى العلن خلافات واتهامات متبادلة بين الحكومة ومصرف لبنان (المركزي)، الذي حمله رئيس مجلس الوزراء حسان دياب مسؤولية انهيار أسعار صرف الليرة.