في تحرك جديد على ما يبدو نحو مرحلة ما بعد حفتر، عيّن رئيس مجلس النواب الليبي في طبرق عقيلة صالح، الخميس 2 يوليو/تموز 2020، السفير الليبي السابق في الإمارات عارف النايض مبعوثاً شخصياً لدى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة وبريطانيا، في خطوة تشير إلى صناعة واجهة مدنية جديدة بدلاً من العسكرية للشرق الليبي، لتقديمها للعالم.
فمن هو عارف النايض؟ وما دوره المحتمل القادم في المشهد الليبي؟ وهل تعني هذه الخطوة أن الإمارات بدأت بانتهاج المسار التفاوضي في ليبيا بعد انكسارات حليفها، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وخسائره المتكررة أمام حكومة الوفاق؟
من هو عارف النايض؟
عارف النايض (58 عاماً) هو سفير ليبي سابق لدى أبوظبي ومدعوم منها، وهو رئيس مؤسسة كلام للبحوث والإعلام "مقرّها دبي". ويطرح النايض نفسه كشخصية توافقية، ولا يمانع في تشكيل حكومة وحدة في ليبيا.
وعادة ما يبزغ اسم النايض عقب كل خسارة ميدانية تتكبدها قوات حفتر، إذ يطرح نفسه بديلاً للأخير أو يقدم نفسه على أقل تقدير كواجهة مدنية لحكم عسكري، ضمن مساعٍ إماراتية للسيطرة على مفاصل الدولة الغنية بالنفط.
والنايض يجمع صفات الرجل المطلوب دعمه بالنسبة للإمارات، فهو مؤيد لسياساتها في ليبيا، ويعرف أنه على صلة قوية بالقيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية محمد دحلان، المستشار الأول لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
وعلقت فضائية "ليبيا الأحرار" الخاصة، على خطوة طبرق الأخيرة بتعيين النايض مبعوثاً، بالقول إن "عقيلة صالح يكلف المطلوب للمثول أمام المحاكم الأمريكية عارف النايض مبعوثاً شخصياً"، في إشارة إلى الدعاوى المرفوعة ضد النايض وحفتر وشخصيات أخرى في الشرق الليببي أمام المحكمة الأمريكية بمقاطعة كولومبيا، لاتهامات تتعلق بارتكاب جرائم قتل وتعذيب بحق مدنيين، تقدمت عائلات الضحايا بها، فيما أعلن النايض مؤخراً أن المحكمة الأمريكية التي تم تقديم الدعاوى لها، اسقطت هذه التهم.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تحدثت تقارير أجنبية عن اجتماع عقده مسؤولون في البيت الأبيض مع النايض، ملمّحين إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ربما تعيد التفكير في سياستها تجاه ليبيا وتدعم الشرق على حساب حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.
وبحسب هذه التقارير، قدم النايض نفسه للأمريكيين كزعيم سياسي انتقالي في ليبيا بعد أن يستعيد "حفتر" طرابلس، وكان قد أعلن الرجل سابقاً، أنه سيترشح إلى الانتخابات الرئاسية في ليبيا التي كانت مقررة في ديسمبر/كانون الأول 2018، قبل أن يدين حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، ويصور نفسه على أنه قادر على جمع الفصائل القبلية الليبية تحت "حكومة الوحدة الوطنية".
وقال النايض في رسالة عبر البريد الإلكتروني بعث بها إلى موقع defense one الأمريكي، إن زيارته إلى واشنطن في نوفمبر الماضي، تطرقت إلى وضع "خطط تفصيلية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وعقد انتخابات رئاسية عامة في غضون 18 شهراً من تحرير طرابلس"، مشيراً إلى أنه عقد لقاءات عدة مع مسؤولين بوزارة الخارجية الأمريكية خلال الأشهر القليلة الماضية.
البحث عن واجهة مدنية.. هل انتهى دور حفتر بالنسبة لأبوظبي؟
غير أن أداء النايض للدور الذي يمكن أن يكون قد رُسم له من قبل أبوظبي، وفق مؤشرات وتقديرات، يصطدم بطموح حفتر، الذي يسعى هو الآخر إلى إقصاء الجميع بحثاً عن شرعية، بخلاف قوة وصلابة الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق.
ومؤخراً توالت خسائر حفتر في ظل تحقيق الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق المدعومة من قبل تركيا، انتصارات متتالية، أبرزها تحرير مناطق كانت تسيطر عليها ميليشيات حفتر في طرابلس، إضافة إلى مدينتي ترهونة وبني وليد، وكامل مدن الساحل الغربي، وقاعدة "الوطية" الجوية الاستراتيجية، وبلدات بالجبل الغربي.
ومما يؤكد احتمالية تصادم خطط أبوظبي مع تطلعات حفتر، ما نشره موقع libyan express بعد بضعة أشهر من بدء هجوم حفتر على طرابلس أبريل/نيسان 2019، من أن الإماراتيين يعدون خطة لتشكيل حكومة برئاسة عارف النايض. لكن وبحسب مصادر الموقع ذاته، فإن حكام أبوظبي لا يريدون الظهور في الصورة، لذلك قاموا بتكليف المصريين بتولي إعداد ذلك في حال انتصار حفتر في طرابلس.
وكشف الموقع حينها عن وجود تعقيد في إقناع خليفة حفتر بهذه الخطة، وإظهار هذه الحكومة على أساس أنها تحت قيادة سياسية، وليس عسكرية، وبأن حفتر يتبع قيادة مدنية.
لكن بعد انكسار حفتر على أبواب طرابلس وخسارته الكثير في المعركة على الأرض، يبدو أن الإمارات باتت تعيد حساباتها وتسرع في عملية التخلص من حفتر وإيجاد بديل مدني له، إذ وصل بها الحد ولأول مرة لمهاجمة اللواء المتقاعد بعد سلسلة هزائمه الأخيرة، إذ انتقد وزير خارجية الإمارات أنور قرقاش بشدة حفتر الشهر الماضي في تصريحات صحفية، قال فيها: "لقد اتخذ بعض أصدقائنا قرارات فردية وأحادية الجانب، ولقد رأينا ذلك مع الجنرال حفتر في ليبيا"، واعتبرت تلك التصريحات أنها تعكس تغيراً كبيراً في سياسة الإمارات تجاه حفتر.
الخيار التفاوضي لدى الإمارات في ليبيا
في ظل الاستعدادات لمعركة سرت الحاسمة، تزداد المطالبات الدولية بوقف إطلاق النار والعودة إلى خارطة الطريق السياسية التي كان قد تم التوصل إليها بالفعل وانقلب عليها حفتر، وبالتالي فإن وجود حفتر على مائدة المفاوضات هذه المرة لن يكون مقبولاً بالمرة من جانب حكومة الوفاق وتركيا وللعديد من القوى الدولية، بعد أن تكرر نكوصه عن الاتفاقات أكثر من مرة، لكن المؤشرات الصادرة عن المعسكر الداعم لحفتر تؤكد أيضاً أنه لم يعد مرغوباً في وجوده، ليس في الإمارات فحسب، بل في باريس وموسكو أيضاً.
وكانت صحيفة The Washington Post الأمريكية قد نشرت تقريراً، حذرت فيه من تعرض ليبيا للتقسيم، وعدَّدت المؤشرات على أن حفتر يوشك على السقوط خارج المشهد السياسي الليبي بشكل كامل. فيما أعلنت واشنطن مؤخراً في بيان لسفارتها في طرابلس أنها تراقب "باهتمام ارتفاع أصوات سياسية في شرق ليبيا للتعبير عن نفسها، ونتطلع إلى رؤية هذه الأصوات تنخرط في حوار سياسي حقيقي على الصعيد الوطني".
ويبدو أن كل ذلك بات يدفع الإمارات الداعم الأول للشرق الليبي، للبحث عن واجهة سياسية في مواجهة حكومة الوفاق، تكون أكثر قبولاً لدى المجتمع الدولي لإجراء المفاوضات، وفيما يبدو أن الإمارات تجد في عارف النايض ضالتها. فالمؤشرات كلها تُرجح أن حفتر انتهى دوره في الملف الليبي، وتظل مسألة التوقيت وكيفية الإعلان عن ذلك رهن عدة عوامل، أهمها ألا يتسبب الجنرال المهزوم في إثارة مزيدٍ من الانقسامات في صفوف ميليشيات وقبائل شرق ليبيا، قبيل معركة سرت المتوقعة.