يشهد الاتحاد الروسي، الأربعاء، آخر أيام استفتاء شعبي بدأ في 25 يونيو/حزيران الماضي، على 206 تعديلات مقترحة في 22 مادة بالدستور الساري منذ عام 1993.
هذا الاستفتاء كان مقرراً إجراؤه في 22 أبريل/نيسان الماضي، وخلال يوم واحد، لكن تفشي فيروس "كورونا" في العالم منذ بداية العام أدى إلى تأجيل الاستفتاء المهم في تاريخ روسيا حتى يونيو/حزيران، وإجرائه على مدار أيام.
ولإقرار التعديلات المقترحة، وهو المتوقع، يجب أن يصوت أكثر من 50% من المشاركين في الاستفتاء بـ"نعم" لصالح التعديلات.
وتتعرض عملية الاستفتاء لانتقادات عديدة، أبرزها طول النصوص المعدلة والمواد المعروضة للتصويت. فيما قالت وسائل إعلام غربية إن التعديلات تصب في سياق الجهود الرامية إلى وضع دستور يتناسب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (67 عاماً).
مستقبل بوتين وسلطاته
الجزء الأكثر أهمية في الاستفتاء هو المواد التي تحدد مستقبل بوتين، فعندما أثار قضية التعديلات الدستورية، في يناير/كانون الثاني الماضي، اعتقد مراقبون أنها سترسم خارطة طريق لكيفية انتقال السلطة إلى خليفته.
لكن التعديلات تتوخى إعادة تعيين بوتين لفترتين رئاسيتين متتاليتين، وبعد بوتين يحكم أي فائز بمنصب الرئاسة لفترتين فقط، (كل منهما 6 سنوات). وبعبارة أخرى "سيأتي بوتين بعد بوتين".
فإقرار التعديلات الدستورية سيفتح الطريق أمام بوتين، الذي تنتهي ولايته عام 2024، للبقاء في السلطة حتى 2036. وبوتين ضابط مخابرات سوفييتية سابق، ويتولى السلطة منذ 1999، إما رئيساً لروسيا أو رئيساً للوزراء.
أما التغيير الثاني البارز فيتعلق بزيادة تعزيز سلطات رئيس الدولة، الذي يمتلك بالفعل سلطات واسعة تشمل جميع القطاعات تقريباً. وفي حال القبول بالتعديلات، سيدير رئيس الدولة اجتماعات مجلس الوزراء بدلاً من رئيس الحكومة، ولن ينظم الأخير عمل مجلس الوزراء إلا بأمر من رئيس الدولة.
كما سيحق لرئيس الدولة تعيين وعزل وزراء الداخلية والخارجية والدفاع والطوارئ والعدل. بينما رئيس الدولة حالياً يعين فقط رئيس الحكومة، ويشكل الأخير مجلس الوزراء بنفسه.
وتتوخى التعديلات المقترحة فرض قيود شاملة على مهام رئيس الحكومة، ليتحول إلى منفذ لقرارات الرئيس. ودأب بوتين في خطاباته على القول إن ازدواجية مرجعية القيادة الروسية بين رئيس البلاد ورئيس الحكومة تضر بروسيا.
ومن هنا، يمكن قراءة تعيين بوتين، في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، ميخائيل ميشوستين، خلفاً لديمتري ميدفيديف في رئاسة الحكومة، فالأول يُثبت فاعلية كبيرة في تنفيذ قرارات الرئيس والالتزام بتعليماته.
وتتضمن التعديلات أيضاً توسيع حدود الحصانة الخاصة برئيس الدولة، وزيادة عدد الأعضاء المعينين من جانب رئيس الدولة في المجلس الاتحادي، وفتح المجال أمام الرئيس ليصبح عضواً في المجلس، إذا رغب بعد انتهاء فترته الرئاسية.
وهناك نقطة أخرى تلفت الانتباه، وهي أن مجلس الدولة الذي تم إنشاؤه عام 2010 سيتم ذكره في الدستور إذا أُقرت التعديلات. ورغم وجود تسريبات تقول برغبة بوتين في تزعم هذه المؤسسة مستقبلاً، فإن هذا الرأي لا يعتبر منطقياً لأسباب كثيرة، أبرزها أنه حتى لو ظل بوتين في السلطة حتى 2036 فسيكون أكبر عمراً (83 عاماً) فلا يتمكن من إدارة هذه المؤسسة.
"الاتحاد الروسي.. وريث السوفييت"
يتعلق تعديل مقترح مهم آخر بتاريخ روسيا. ويُشار في النص المقترح إلى "الاتحاد الروسي على أنه وريث الاتحاد السوفييتي"، ويوصف بأنه "دولة تمتلك تقاليد متجذرة منذ ألف عام".
في الواقع، فإن الاتحاد الروسي، ومن خلال الممارسات العملية، يتعامل بالفعل كوريث للاتحاد السوفييتي، وخاصة في مجال العلاقات مع الجمهوريات السوفييتية السابقة.
فقد قام الاتحاد الروسي، في إطار هذا الفهم، بحل المشاكل التي أعقبت انفراط عقد الاتحاد السوفييتي (1991)، مثل ملفات الأسلحة النووية والقواعد العسكرية والديون وغيرها. وذكر بوتين، مرات عديدة، أن انهيار الاتحاد السوفييتي كان أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين.
ونلاحظ، منذ سنوات، أن إدارة بوتين أوجدت توليفة معينة تركز على الجوانب الإيجابية لكل من روسيا القيصرية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، في نهج مختلف بشكل كبير عن النهج القديم.
وفي هذا السياق، يحرص الكرملين على رفض التقييمات، خاصة الغربية، التي تقلل من دور السوفييت في الحرب العالمية الثانية. كما تحرص موسكو على إيلاء أهمية كبرى للاحتفالات بالذكرى السنوية للحرب العالمية الثانية، على عكس الحلفاء الآخرين.
ويبدو أن الكرملين يستخدم هذه المسألة "كعنصر توحيد" في العلاقات مع الجمهوريات السوفييتية السابقة، و"كأداة دبلوماسية" في تطوير العلاقات مع دول أوروبا الغربية.
ويتضمن التعديل مقترحاً يصف الشعب الروسي بأنه "الشعب المؤسس للدولة"، رغم أن روسيا الاتحادية تتكون من عرقيات عديدة، بينها الروس.
وليس من شأن هذه العبارة زيادة الانسجام العرقي في روسيا، رغم احتواء النص المقترح على عبارات من قبيل "يحق لجمهوريات الاتحاد تحديد لغتها المحلية"، "واستخدام اللغات المحلية جنباً إلى جنب مع الروسية في الإدارات المحلية"، و"الحق في الحماية والبحث وتطوير لغة الأم لشعوب الاتحاد الروسي".
تأكيد على القيم الدينية والأسرية
في حال إقرار التعديلات ستُذكر كلمة "الرب" لأول مرة في الدستور الروسي. وبينما يؤكد دستور 1993 على أن الدين منفصل عن الدولة، فقد احتوى تعديل مقترح على إشارة إلى "الإيمان بالرب" كأحد القيم التقليدية لروسيا.
وجاء الاهتمام بذكر كلمة "الرب" انطلاقاً من تعلق بوتين بالقضايا التاريخية والقيم الأسرية التقليدية، ومؤسسة الزواج والأطفال، التي يوليها أهمية كبرى.