عقد كامل من التوتر آخر فصوله في ليبيا.. كيف تحولت تركيا إلى تهديد بنظر الإسرائيليين بعد أن كانت شريكاً؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/06/27 الساعة 09:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/27 الساعة 09:39 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرفع خارطة فلسطين التاريخية في الأمم المتحدة، أرشيفية/ رويترز

يتزايد قلق القادة العسكريين والأمنيين الإسرائيليين مما يصفونه بـ"تجاوز تركيا المتمدد" في الشرق الأوسط. وتُمثل مساعي تركيا لتعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، التي تمتد من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي أيضاً مبعث قلق كبير لحلفاء وشركاء إسرائيل في المنطقة: قبرص، واليونان، ومصر، والسودان، والسعودية، وسوريا، وكردستان العراق، والإمارات، واللواء المتقاعد المسيطر على شرق ليبيا خليفة حفتر، كما يقول يوسي ميلمان، محلل شؤون الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، بمقالة له بموقع Middle East Eye البريطاني.

حضور تركي قوي في المنطقة يزعج إسرائيل

يقول ميلمان، أسَّست أنقرة بالفعل حضورها ونفوذها في سوريا، والعراق، وقطاع غزة المحاصر، والقدس المحتلة، والصومال، والسودان، وليبيا، وتُظهِر مؤخراً اهتماماً متزايداً باليمن. إذ أفادت نشرة "Intelligence Online" الفرنسية في وقتٍ سابق من هذا الشهر، يونيو/حزيران، بأنَّ جهاز الاستخبارات التركي كوّن علاقات قوية مع حزب الإصلاح اليمني، المقرب أيديولوجيا من الإخوان المسلمين.

ووفقاً للتقرير، فإنَّ الوسيلة الأساسية لتعزيز مصالحها هي من خلال هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات التركية "IHH"، وهي مجموعة إغاثية وإنسانية تركية ترسل مساعدات إلى اليمن.

وعلى الرغم من كون حزب الإصلاح حليفاً للسعودية أمام محاربة الحوثيين لسنوات، فإنَّه لا مانع لديه من التعاون مع تركيا.

كانت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية في عام 2010 سفينة "مافي مرمرة" الشهيرة"، وهي سفينة كانت مُحمَّلة بالإمدادات الإنسانية وعلى متنها نشطاء أتراك ودوليون داعمون لفلسطين، إلى قطاع غزة. لكنَّ القوات الخاصة للبحرية الإسرائيلية أوقفت السفينة وداهمتها، في حادثة عنيفة أسفرت عن مقتل 10 نشطاء أتراك.

وبعد ثلاث سنوات، وافقت إسرائيل على تعويض أسر الضحايا بدفع 21 مليون دولار. واعتذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لرئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب أردوغان. كان نتنياهو وقادته الأمنيون يأملون أن تسهم هذه البادرة في تلطيف العلاقات بين البلدين. لكنَّ هذا لم يحدث.

علاقات متوترة

مع أنَّ العلاقات الاقتصادية بقيت جيدة على مدى السنوات السبع الماضية، وتزايدت التجارة والسياحة المتبادلة، فإنَّ العلاقات الاستخباراتية والأمنية تراجعت إلى أدنى مستوياتها. كانت تركيا وإسرائيل قبل ذلك قد شكَّلتا شراكة استراتيجية كبيرة استمرت 50 عاماً تقريباً.

يقول ميلمان، كان عملاء الموساد الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات التركي يلتقون بصفة منتظمة، ويتشاركون المعلومات الاستخباراتية ويساعدون بعضهم البعض في عملياتٍ ضد "أعداء مشتركين"، خصوصاً في سوريا.

وباع متعهِّدي الدفاع الإسرائيليين الجيش التركي عتاداً يشمل دبابات وصواريخ وطائرات دون طيار ومعدات مدفعية واستخباراتية، فضلاً عن تحسين أنظمة إلكترونيات الطيران في المقاتلات. وبلغت قيمة تلك الصفقات بين عامي 1985 و2000 أكثر من 5 مليارات دولار.

لكن على مدار العقد المنصرم، وفيما وطَّد أردوغان سلطته في الداخل وبات يمثل أكثر مصالح أنقرة بعيداً عن التحالف القديم بين تركيا وإسرائيل، وهو ما تسبب في توتر العلاقات بشكل غير مسبوق بين الطرفين.

صداقة حماس والنشاط المتصاعد في القدس

يشعر القادة الإسرائيليون بقلق كبير من خطابات الرئيس التركي  اللاذعة ضد الاحتلال والفظائع بحق الفلسطينيين. لكن يشعرون بقلق أكبر وهو التقاربات الوثيقة مع حركة حماس.

فوفقاً لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "شين بيت"، أقام صالح العاروري، وهو قيادي كبير بحماس رحَّلته إسرائيل عام 2007، مقره في تركيا. وهو الآن يتردد بين بيروت وإسطنبول، وتزعم إسرائيل أنَّه يخطط لهجمات ضد أهداف إسرائيلية. لكنَّ المسؤولين الأتراك نفوا مراراً تلك المزاعم.

تراقب الشرطة الإسرائيلية والشين بيت أيضاً عن كثب النشاط التركي المتزايد في القدس الشرقية من خلال "تيكا"، الوكالة الإغاثية الحكومية الرسمية في تركيا.

وتتبرع تيكا بالأموال والمواد الغذائية للفلسطينيين في القدس الشرقية، وساعدت في فتح مقهى، ونُزُل، ودار للسينما هناك. وتزعم إسرائيل أنَّ تركيا، وتحت ستار العمل الإنساني والثقافي، تُروِّج لأيديولوجيتها، وكذلك لاستعادة أيام مجد الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت فلسطين لقرون حتى الحرب العالمية الأولى.

وعملت الاستخبارات الإسرائيلية في العراق وإلى درجة أقل سوريا، عن كثب مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والأردن، لمساعدة الميليشيات الكردية التي قاتلت ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

كان هذا التعاون امتداداً للتعاون السري طويل الأمد بين إسرائيل وأكراد العراق في الستينيات والسبعينيات. ويتناسب الأكراد مع المفهوم الاستراتيجي الإسرائيلي "التحالف المحيطي"، الذي يسعى لتكوين تحالفات بين إسرائيل والأقليات الدينية والعرقية في الدول العربية الإسلامية بالشرق الأوسط.

التنافس على الغاز بشرق المتوسط.. الصداع الأكبر لإسرائيل في ليبيا 

لكنَّ صداع إسرائيل الأكبر حالياً في ليبيا. إذ كان البلد ذا أهمية للاستخبارات والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية على مدى أربعة عقود. 

أولاً، بسبب موقعه على البحر المتوسط. 

وثانياً، بسبب قربه الجغرافي من مصر، عدوة إسرائيل التي تحولت إلى شريكتها الاستراتيجية.

وثالثاً، جذبت ليبيا الاهتمام لكونها ملاذاً لـ"أعداء إسرائيل" خلال عهد معمر القذافي. وبعد انهيار نظام القذافي ونقل الأسلحة من المستودعات العسكرية من ليبيا إلى سيناء وإلى حماس في غزة، تواصلت إسرائيل مع خليفة حفتر.

والتقى مسؤولو الموساد، بمساعدة المخابرات المصرية، التي لديها أيضاً مصالح قوية في ليبيا، مع حفتر وقادته العسكريين في عدة مناسبات. وقبل بضعة أسابيع أُفِيد بأنَّه جرى إرسال أسلحة إسرائيلية إلى قواته، بتسهيل من الإمارات، التي تدعم حفتر هي الأخرى.

والسبب الرابع هو مزيج من الدوافع الاستراتيجية والاقتصادية. فبعدما قرَّر أردوغان النأي بتركيا عن إسرائيل، برزت شراكة إقليمية جديدة. وقد استندت إلى القول المأثور القديم "عدو عدو صديقي". فباتت إسرائيل صديقة حميمة لكل من قبرص واليونان بعدما ربط بينهم التنافس مع تركيا.

وكجزء من هذا التحالف الثلاثي، وقَّعت الدول الثلاث اتفاقاً لإنشاء خط غاز شرق المتوسط "EastMed"، وهو خط غاز من المفترض أن ينقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي من حقول في البحر المتوسط إلى اليونان ثُمَّ إلى بقية أوروبا.

لكنَّ التدخل التركي الأخير في ليبيا يقف حجر عثرة في الطريق. إذ انحازت أنقرة إلى حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً في طرابلس في الحرب ضد حفتر، المدعوم من روسيا ومصر والإمارات وإسرائيل.

وفي الأسابيع الأخيرة، أعادت القوات المدعومة من تركيا في غرب ليبيا السيطرة على العديد من المدن والقواعد العسكرية الرئيسية التي كان يسيطر حفتر عليها سابقاً.

ووقَّعت تركيا وحكومة الوفاق الوطني في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية، رُفِض من جانب حفتر وحكومات اليونان ومصر وقبرص وفرنسا.

هل تقرر إسرائيل مواجهة تركيا؟

وتشعر إسرائيل بالقلق من أنَّ الخطوة التركية تهدف لغرض واحد فقط: عرقلة خطط إنشاء خط غاز شرق المتوسط. مع ذلك، وعلى الرغم من التنافس وأحياناً العدائية بين إسرائيل وتركيا، تترك الدولتان بعض قنوات الاتصال الخلفية مفتوحة.

إذ صرَّح مسؤول إسرائيلي لموقع Middle East Eye البريطاني في وقتٍ سابق من هذا العام بأنَّ بلاده تسعى لاستئناف العلاقات الكاملة مع أنقرة وتبادل السفراء مجدداً.

وفي الوقت نفسه، صرحت مصادر تركية لموقع Al-Monitor الأمريكي في مايو/أيار الماضي بأنَّ رئيس الموساد، يوسي كوهين، التقى نظيره التركي هاكان فيدان، رئيس جهاز الاستخبارات التركي، مرتين في الأشهر العشرة السابقة لمناقشة المشكلات الإقليمية من سوريا وحتى ليبيا.

ويختتم ميلمان مقالته بالقول: مهما كانت الخلافات بين البلدين، فلن تتطلَّع إسرائيل لمواجهة تركيا في أي وقتٍ قريب. فكما قال يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك في ديسمبر/كانون الأول 2019، في حين تعارض إسرائيل الانخراط التركي في ليبيا، "فإنَّ هذا لا يعني أنَّنا سنرسل سفناً حربية لمواجهة تركيا".

تحميل المزيد