أثارت تصريحات وزير الدولة لشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش حول لبنان، استغراب مراقبين ومتابعين للشأن العام في لبنان حول الدور الذي تلعبه أبوظبي في لبنان خلال المراحل السابقة، أمام تراجع الدور السعودي المأزوم في ملفات داخلية وخارجية كاليمن.
فيما الدور الإماراتي يتمدد في الداخل اللبناني على صعد عدة تبدأ بالعمل الإنساني وتستمر لتشمل العمل السياسي السري والمعلن واللقاءات المفتوحة التي تمتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
قرقاش الذي أثار حفيظة مسؤولين لبنانيين تجاه موقف الخليج من لبنان وتدهور العلاقات بين المحيط العربي للبنان تأتي في ظل السعي الذي تجريه أبوظبي للعب دور في المنطقة والعالم العربي مع التمدد التركي وعودة إحياء الدور للحركات الإسلامية في المنطقة.
هواجس حزب الله
كان موقف وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي أمس حول دور دولة الإمارات وجهازها الأمني في إثارة الفوضى ودفع أموال لإثارة أعمال العنف والشغب في لبنان وتحديداً بعد أحداث بيروت وطرابلس التي وجهت فيها اتهامات للإمارات بدعم مجموعات تثير الشغب.
وكان الوزير فهمي الذي أطل على اللبنانيين من منبر قناة المنار التابعة لحزب الله قال إن دولاً صديقة وشقيقة تتغنى بمساعدتنا لكنها في الحقيقة تخنقنا، وتؤكد مصادر خاصة لـ عربي بوست أن فهمي لم يذكر الدولة المتهمة بإثارة الفتنة في البلاد إلا أن المصدر يؤكد أن أصابع الاتهام تشير إلى أبوظبي بشكل واضح.
فيما تقول مصادر حزب الله إن لدى الحزب أدلة تثبت تورط دولة الإمارات بأحداث بيروت وطرابلس بالإضافة لدعمها مجموعات تناهض الحزب وترفع شعارات المس بسلاح المقاومة.
العمل الخيري غطاء للأهداف
كانت دولة الإمارات منذ تأسيسها تسعى لبسط حضورها في المنطقة العربية وتستخدم الأنشطة الخيرية كغطاء لمشروعاتها في المنطقة، فيما كانت تتنافس الدول العربية للتسابق مع السعودية في زيادة حجم أعمالها الخيرية، وكان لبنان أبرز الساحات التي شهدت دعماً سخياً خليجياً منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990.
وكانت الإدارات الرسمية لدول الخليج تقدم دعمها للبنان عبر دعم ومساندة شخصية رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، فيما الدعم غير الحكومي كان يأتي للجمعيات الإسلامية المختلفة العاملة في المجال الدعوي والخيري عبر دعم دور العبادة ورجال الدين وكفالات الأيتام وإنشاء المستوصفات والمدارس وغيرها من المشروعات.
وكان الدور الإماراتي لا يعدُّ سوى جزء من السياسة الخليجية لإرساء معادلة دعم البيئة السنية والحفاظ عليها كجزء من المنظومة اللبنانية التي شهدت لسنوات محاولات إلغاء لدور السنة.
لكن وبعد انطلاق الربيع العربي وصعود حركات وتيارات الإسلام السياسي اتخذت أبوظبي قرارها في وقف دعم الجمعيات الخيرية لارتباطها الوثيق بجماعة الإخوان المسلمين وتيارات إسلامية أخرى، لتصل إلى حد شيطنة هذه الجمعيات والتضييق عليها وإغلاقها بشكل سريع لما تمثله من عبء على الاعتدال الديني والتسامح.
الإمارات ومصر في لبنان
منذ انقلاب الجنرال عبدالفتاح السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي عاشت العلاقات الإماراتية والمصرية "شهر عسل" سياسياً انعكس على تنسيق تام بين الإدارتين، من خلال زيارات قام بها سفيرا القاهرة والإمارات لمفتي المناطق اللبنانية.
وطلب سفيرا مصر والإمارات منه إبعاد رجال الدين والقضاء الشرعي المحسوبين على الجماعة الإسلامية والمتعاطفين مع الثورات العربية من مناصبهم وعدم السماح لهم بالترشح لمناصب في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وغيرها من التشكيلات القضائية الشرعية والمناصب الإدارية الأخرى.
على الجانب الآخر تقول مصادر من الجماعة الإسلامية إن مجموعة ضباط مصريين وإماراتيين جالت على قيادات ومرجعيات لبنانية بغية الضغط لحل الجماعة وإغلاق مؤسساتها، لكن توقفت الجهود بعد رفض سياسي حاسم لمناقشة هذا الموضوع.
دعم لمشاريع كنسية
وقالت مصادر لـ عربي بوست إن سفير الإمارات حمد الشامسي منذ توليه مهامه في لبنان عمد إلى فتح قنوات تواصل كثيفة مع شخصيات لبنانية مسيحية في مناطق عدة، وتقديم دعم غير محدود لمحافظ بيروت القاضي زياد شبيب والذي لا يفارقه الشامسي.
وأن الشامسي يدعم القاضي اللبناني عبر تمويل مشاريعه مثل مشروع إعادة تأهيل كنائس ومرافق في بيروت، بالإضافة لمشاريع مستمرة في محافظة عكار المطلة على سوريا.
فيما شهدت علاقة الإمارات مع بعض القوى الحزبية تطوراً لافتاً مثل "القوات والكتائب والاشتراكي" حيث وفود تلك الأحزاب باتت تحط رحالها في أبوظبي بعد أن كانت وجهتها الرياض لسنوات طويلة.
استقطاب الإعلاميين
كما عمل سفير أبوظبي في بيروت على استقطاب مجموعات إعلامية لبنانية في كبرى الصحف والمواقع والشاشات المحلية والعربية، حيث تركز عمل الدبلوماسية الإماراتية على دعم هذه المجموعات الإعلامية لتسويق الدور الإماراتي.
وحرص السفير الشامسي على زيارات مستمرة للمناطق عبر تلك المجموعات التي ترافقه بشكل دائم، كما عمل على ترتيب زيارات إعلامية لبنانية في أبوظبي ودبي والتي باتت تروج للدور الإماراتي أكثر منه للدور السعودي.
إفشال الانقلاب على الحريري
أفشلت أبوظبي في العام 2017 محاولة الانقلاب السعودية على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري حين احتجزته في الرياض وأجبرته على الاستقالة، وتقول مصادر إن ولي عهد الإمارات محمد بن زايد رفض مشاركة الإمارات في خطة الانقلاب على الحريري وأبلغ بن سلمان بذلك.
وبغض النظر عن اتفاق بن زايد مع الأخير بأن سياسات الحريري أدت إلى تعاظم دور حزب الله والتيار الوطني في أروقة السلطة اللبنانية، حيث استقبل بن زايد الحريري بعد أيام من استقالته الغامضة وضغط حينها على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لرفض استقبال الحريري وشرعنة اللعبة السعودية.
بما يعني أن الإمارات استطاعت تقويض النفوذ السعودي في لبنان لتأخذ مكان المملكة التي تراجعت في لعب دور مفصلي في لبنان بعد عام 2017، واقتصر دورها على العمل الدبلوماسي العادي مقارنة بالمراحل السابقة.
شراء حلفاء سوريا في لبنان
منذ تبني أبوظبي سياسة تدمير الربيع العربي ودعم الثورات المضادة العربية عبر دعم الأنظمة الانقلابية، سعت أبوظبي لإعادة العلاقة مع نظام بشار الأسد والتي بدأت بإعادة فتح سفارتها بدمشق قبل عامين، لكن ما أثار استهجان البعض، هو الموقف الإيجابي المفاجئ لبعض حلفاء سوريا من الإمارات.
وأبرزهم هو رئيس تيار التوحيد الدرزي وئام وهاب المحسوب على نظام دمشق والذي بات يثني ليل نهار على الموقف الإماراتي من الأزمة السورية ومناهضتها لجماعة الإخوان المسلمين وقطر وتركيا، فيما تشير مصادر مطلعة لـ عربي بوست إلى أن أبوظبي تدرك أن لبنان بوابة سوريا للإعمار والمشاريع وخاصة المدن الأكثر تأثراً في الحرب كحمص وريفها، لذا فإن إعادة التواصل مع النظام تكمن عبر العلاقة مع حلفاء النظام في لبنان.
إقصاء الإسلاميين
في عام 2018، وعد رئيس الحكومة السابق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري، الجماعة الإسلامية بأنها ستكون حليفة له في الانتخابات البرلمانية القادمة، ليعود وينقطع الحريري عن الجماعة ويرجع عن وعده، على الرغم من الرسائل التي وجهتها له الجماعة.
وخلال فترة المعركة الانتخابية في 2018، تقول مصادر سياسية إن فيتو إماراتياً وضعته أبوظبي على تحالف الجماعة مع المستقبل بالإضافة لحزب القوات اللبنانية التي أبلغت الجماعة عدم قدرتها على مواجهة الضغوط العربية بالتحالف مع التنظيم الإخواني.
لتعود وتصدر الجماعة بياناً شديد اللهجة ضد ما سمتهم قوى الثورة المضادة للربيع العربي التي تحاول إقصاء الإسلاميين عن المشاركة في الحياة العامة خدمة لمشاريع مشبوهة، فيما يرى مراقبون أن أبوظبي حريصة على إبعاد الإسلاميين من المشهد السياسي في لبنان على الرغم من ضعف الحالة الإسلامية اللبنانية إلا أن السياسة الإماراتية المتبعة تقضي بمحاربة أي حضور إسلامي في المنطقة.
فتح جبهات ودعم كيانات
تصاعد الخلاف بين الرئيس سعد الحريري وبين وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق والذي رفض الحريري إعادة تعيينه بسبب تصرفات تشير إلى أنه يريد تشكيل حالة موازية له في بيئة تيار المستقبل، ليقرر المشنوق الخروج من تيار الحريري وتأسيس تحالفات جديدة.
أبرز هذه التحالفات مع المفكر اللبناني الشهير رضوان السيد والإعلامي في قناة العربية نديم قطيش وغيرهما من الرافضين لسياسة الحريري بإضعاف كل صقور تياره، يرى مصدر متابع أن المشنوق والذي أسس موقعاً صحفياً قوياً ويستكتب فيه عشرات الصحفيين من ذوي الأجور العالية يعتمد في تمويل حملته على دعم إماراتي كبير، فموقع أساس ميديا بات منبراً للهجوم على حزب الله من جهة وعلى تركيا وقطر والإخوان من جهة أخرى ليعيد من خلاله تسويق الخطاب الإماراتي المشيطن للسياسة التركية.
وما تمثلها في ظل تعاظم شعبية الأتراك في الساحة السنية والتي تنظر لأردوغان على أنه نموذج جاذب في المحيط، فيما تحاول أبوظبي تفعيل مؤسسات إعلامية تنشط بتمويل منها في بيروت كموقع "ستيب نيوز" وصحيفة نداء الوطن والتي باتت أقلامها تسير في الخط الإماراتي بشكل واضح وتمارس هجوماً مستمراً على تركيا وتحملها مسؤولية الفوضى في لبنان.
بهاء الحريري من جديد
منذ صعود نجم بهاء الحريري والحديث عن عودته للعب دور عوضاً عن شقيقه سعد في قيادة تيار المستقبل والحالة الحريرية، عبر منتديات المحامي نبيل الحلبي، كان للرئيس سعد الحريري هواجس عدة بسبب عدم توفر المعلومات عن الجهة التي أوحت لبهاء بالعودة لبيروت ولعب دور سياسي.
كان الحريري يشك أن السعودية هي من أوحت لشقيقه بهذا الدور بسبب محاولتها بعد احتجازه لإعادته زعيماً للمستقبل، لكنها فشلت بإقناع قيادات التيار بمبايعة بهاء، لكن الحريري الحريص على عودة الحياة لمجاريها بينه وبين القيادة السعودية لم يواجه الدبلوماسية السعودية بشكوكه.
لكنه استفسر من حزب الله عن الموضوع ليؤكد له الحزب أن شقيقه ينسق بشكل مباشر مع رئيس جهاز الأمن الوطني في الإمارات طحنون بن زايد ومستشاره محمد دحلان، ليتكون عند الرجل خلاصة أن أبوظبي تحاول صناعة زعامات موازية لتثبيت دورها في لبنان.
وما ثبت لسعد الحريري ذلك الهجوم الذي شنه المحامي نبيل الحلبي على دولة قطر ودورها في لبنان والمنطقة ليثبت لديه أن الخطاب الإماراتي يطغى على مشروع شقيقه.