يتعرض أبناء المناطق الشمالية من جزيرة سقطرى اليمنية وعدن لعمليات تهجير واسعة تتم بصورة عاجلة وخاطفة، ولم يترك حتى للأشخاص أي مجال للتصرّف في ممتلكاتهم وترتيب أعمالهم وأرزاقهم.
فأكثر من تمّ ترحيلهم من أصحاب المحلات التجارية وبعض الأعمال المهنية والحرفية، تمّ أخذهم مباشرة إلى ميناء سقطرى لدى دخول قوات المجلس الانتقالي وترحيلهم إلى ميناء المهرة بصورة غير انسانية، وأبعدوا عن ديارهم قسراً بعد أكثر من ثلاثين عاماً مضت على إقامتهم بالجزيرة.
تمّ ترحيل القسم الأول منهم قبل فجر يوم الأحد الماضي، وتمّ ترحيل مواطنين من أبناء المناطق الشمالية وعدد منهم من المهرة وشبوة، وهم غالبيتهم جنود في معسكرات الشرعية، وكانوا موزعين على قوات الأمن الخاصة ومعسكر الدفاع الجوي التابع لحكومة الشرعية، حيث توجهت بهم السفينة إلى ميناء المهرة، بحسب ما أكدته مصادر خاصة لـ"عربي بوست".
أغلبهم من التجار
بعض الذي رُحّلوا قسراً يمكون محال تجارية وآخرون يعملون في الأعمال المهنية والبعض الآخر له ديون على الناس وهم أكثرية، وقسم آخر منهم عسكريون وجنود، بحسب مصادر رسمية وأخرى من قبل الأهالي.
بعض الذين تم تهجيرهم بحسب روايات لـ"عربي بوست"، كانوا يقطنون الجزيرة وعائلاتهم منذ إعلان الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب عام 1990، ومنهم من تزوج من المحافظات الجنوبية والشرقية وأنشأ عائلته هناك.
محمد العزب من محافظة تعز التي تعد الأقرب، وهناك أيضاً من المحافظات التي تشتهر بكثرة الأيادي العاملة، مثل ريمة والحديِّدة بحكم التقارب البيئي والجغرافي مع جزيرة سقطرى، يقول إنّه أتى برفقة عائلته إلى جزيرة سقطرى باحثاً عن لقمة العيش ومصدر للرزق بعد أن تعرضت المنطقة التي يسكنها لهجمات متكررة.
ويقطن العزب جزيرة سقطرى منذ عام 1990، فهو يمتلك محلاً تجارياً للمواد التموينية منذ أكثر من 15 عاماً، وكان يعيش برفقة أسرته وعائلته في الجزيرة، إلا أنه ساءت الظروف وتحديداً بعد الحرب والتدخل السعودي العسكري في اليمن والعمليات العسكرية ضد الحوثيين التي انطلقت في مارس/آذار 2015.
حيث تعدّ محافظة عدن أهم المحافظات التي هاجر أبناء المحافظات الشمالية إليها كونها عاصمة الجنوب اليمني، فبينما لا تزال الكثير من الأيادي العاملة تعمل في محافظة حضرموت والمهرة دون أي مضايقات أو مشكلات، إلا أنّ الأمر في عدن وسقطرى مختلف تماماً.
ويشير العزب إلى أنّ عمليات الترحيل قائمة على قدم وساق ولم يتم إعطاء المرحّلين أية مهلة لأجل القيام بتصويب وترتيب أوضاعهم، مشيراً إلى أنّه لديه أموال وديون في عهدة الآخرين لم يستردها منهم حتى الآن.
ترحيل الإخوان فقط
نفى القائد الميداني في قوات المجلس الانتقالي بمنطقة سقطرى محمد سالم السقطري، أنّ يكون تمّ تهجير أفراد وأشخاص وعائلات من أبناء الشمال اليمني، وقال: "ما حدث مؤخراً في سقطرى هو تطهير الجزيرة من الميليشيات الإخوانية وتمّ طرد الجنود والعسكريين بالكامل من كافة المواقع العسكرية".
نافياً أن يكون قد تمّ ترحيل أشخاص ومواطنين عاديين من مواطني الشمال الذين يعيشون منذ أكثر من 20 عاماً في المناطق الجنوبية.
ثم أسقط السقطري لفظ "الميليشيات"على الأشخاص التابعين لحزب "الإصلاح"، وبعض أفراد محافظات الشمال التي كانت تتبع وتساند من سماهم بـ"الميليشيات الإخوانية"، على حد وصفه.
وأضاف: "كان هناك أفراد وقيادات من المحافظات الشمالية تتبع التيار الإخواني باليمن وتساندهم في عمليات الاغتيال بحق قيادات عسكرية ومدنية في جزيرة سقطرى، على حد قوله بل وحتى ملاحقة شخصيات اعتبارية في الجزيرة دون وجه حق لأنهم ينفذون أجندات أجنبية".
مشدداً على أنّه فور سيطرة قوات المجلس الانتقالي على جزيرة سقطرى بدأت عمليات تطهير المواقع العسكرية التابعة لمن يسميهم "الميليشيات الإخوانية"، وأن قوات المجلس طلبت منهم مغادرة الجزيرة بشكل ودي وخرجوا من سقطرى بسلام وأمان دون التعرض لهم بحكم أنّهم محسوبون على جهات خارجية كتيار الإصلاح.
أما فيما يتعلق بأبناء الشمال من المدنيين والمواطنين الذين يعيشون في سقطرى والمناطق الجنوبية من طبقة التجار والعمال والمهنيين، فأكدّ السقطري أنّهم لا يزالون متواجدين في الجزيرة ولم يحصل أو يصدر منهم أي شيء، فمنهم من يعيش من أكثر من 20 و30 عاماً، ولا توجد بينهم وبين أهالي سقطرى أي إشكالية.
ويضيف السقطري قائلاً: "ما حصل بالضبط أنّ الإخوة الشماليين الذين سافروا هم مجموعة من العساكر تابعة للواء الأول مشاة بحري تابع الشرعية بقيادة العميد علي سالمين السقطري هؤلاء العساكر الذين سافروا ليس لديهم بيوت وكان مسكنهم الوحيد بداخل المعسكر".
ويواصل: "لكن بعد سقوط المعسكر بيد المجلس الانتقالي طلب العميد علي سالمين تأمين سفرهم بسلامة وبدون أي مشاكل، كما أنّه أعطيت لهم الفرصة؛ من أراد البقاء فله القرار، وبعدها العميد علي سالمين طلب تأمين سفرهم وتم التنسيق لهم رسمياً ومساعدتهم بصورة رسمية بالرحيل طوعاً وليس إجباراً وكرهاً كما ذكرت المصادر الفيسبوكية "وعدن الغد" ووإلخ.
ويؤكدّ السقطري بأنّ الإنسان السقطري سلمي ومتعايش مع الجميع بدون أي عنصرية مقيتة، ونجزم للجميع بأنّ الاخوة الشماليين المتواجدين بسقطرى لم ولن يؤذيهم أحد وهم إخوة لنا بعيداً عن دهاليز السياسة ولعنتها، لذا يجب عدم خلط الأوراق وزرع الفتن بيننا.
تمهيد لاستقلال الجنوب
لكنّ رواية أخرى رسمية محسوبة على المجلس الانتقالي أكدها مصدر في تصريح خاص لـ"عربي بوست" ورفض الكشف عن اسمه، حيث قال إنّ السبب الحقيقي وراء الترحيل هو إعادة ترتيب البيت اليمني في إطار العمل على استقلال الجنوب اليمني عن الشمالي.
وأضاف: "بالتالي يجب القيام بعمل توازن ديموغرافي على الأرض وترتيبها لكي يبقى اليمن الجنوبي مستقراً وبالتالي من الضروري ضبط نسبة السكان في الجنوب اليمني، وجعل اليمن الجنوبي لأهله والشمال لأهله".
وأكد أنّ الأمر لا يدخل ضمن الإطار العنصري بقدر ما هو ترتيب الوضع الديموغرافي في اليمن وإعادة الاعتبار للجنوبيين ولكيانهم الذي تأسس في مايو/أيار 1994، مؤكداً أنّ هذه التحركات هي بداية إرهاصات لإعلان جمهورية اليمن في الجنوب من جديد.
رواية مشرّد
لكنّ محمد سلطان عبدالوهاب من منطقة الحجرية بمحافظة تعز، وأحد المشردين من جزيرة سقطرى له رواية أخرى مختلفة، حيث كان يمتلك دراجة نارية خاصة به وهي مصدر رزقه الوحيد، استمر على هذا الوضع أكثر من 3 سنوات، حتى سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي "المدعوم إماراتياً" باليمن، والذي عمد إلى ترحيل العشرات من أبناء المحافظات الشمالية، من جزيرة سقطرى.
عبدالوهاب كان يقطن في جزيرة سقطرى بمفرده بعيداً عن أسرته وعائلته التي اضطرته الظروف المعيشية إلى مغادرة مسقط رأسه قبل أكثر من خمس سنوات وترك أسرته وراءه في محافظة تعز بالحجرية، ولجأ إلى العمل في عدة مدن في الجنوب اليمني منها عدن.
وذلك مع أشخاص من أبناء منطقته كانوا قد لجؤوا إلى مدن الجنوب اليمني للبحث عن لقمة العيش، وقبل ثلاثة سنوات اضطر للانتقال إلى جزيرة سقطرى بعد المضايقات التي تعرض لها في عدن.
ويتحدث عبدالوهاب عن معاناته في الجنوب، مؤكداً أنّه في فترة من الفترات قامت قوات المجلس الانتقالي بحملة تهجير قسري لأبناء المحافظات الشمالية وبشكل جماعي وكل من ينتمي للشمال يقومون بأخذه عبر السيارات العسكرية التابعة للمجلس وضربه واعتقاله لعدة أيام في أحد المعسكرات التابعة لهم.
مشيراً إلى أنّه لا ينتمي إلى أي جهه أو طرف سياسي وكل ما في الأمر أنّه يبحث عن مصدر رزق له ولأفراد أسرته.
ويضيف عبدالوهاب قائلاً: "الوضع في اليمن سيىء في غالبية المناطق وأكثر من 90% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر فلا توجد أعمال وتقطعت بهم السبل بحرب وفقر".