في 19 أغسطس/آب 2017، في حوالي الساعة الواحدة صباحاً حين كان الجميع نائمين، غامَرَ فيلٌ بالدخول إلى المخيَّم 6 ضمن مخيَّم كوتابالونغ للاجئين، مُدمِّراً المآوي ومُلحِقاً ضرراً كبيراً. تمكَّن الجميع من الفرار من الفيل، باستثناء أمين الشريف، 75 عاماً، الذي دهسه الفيل حتى الموت.
لم يكن هذا حادثاً معزولاً، إذ إنه حتى العام 2019، قُتِلَ 14 شخصاً في مخيَّمات الروهينغا للاجئين في بنغلاديش بسبب اقتحام الأفيال للمخيَّمات بين الحين والآخر، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Diplomat الأمريكية.
غير أنه لم يكن هناك أيُّ حالات موت بسبب الأفيال مؤخَّراً، ويُعزَى ذلك إلى فريق التعامل مع الأفيال، الذي أنشأته مفوَّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، للعمل في المخيَّمات. يتلقَّى مُتطوِّعو الفريق تدريباً عملياً على أيدي محترفين حتى يكونوا مؤهَّلين للتعامل مع حالات الطوارئ.
ليست حرباً على الأفيال بل محاولة لإقامة سلام معهم
هناك برج مراقبة للأفيال في كلِّ مخيَّم، ويتواصل المُتطوِّعون مع المراقبين القابعين في تلك الأبراج. حين يلاحظ أعضاء الفريق فيلاً، يتجمَّعون في مكانٍ واحد ويحاولون اقتياده بعيداً عن طريق محاوطته. يستخدمون المصابيح الليلية ومُكبِّرات الصوت والصفير حتى لا يهجم الفيل عليهم. ثم يتركون طريقاً واحداً مفتوحاً للفيل من أجل الخروج. وفي الوقت نفسه ينبِّهون الناس بمُكبِّرات الصوت والصفير حتى يفهم الآخرون ألا يخرجوا من مآويهم.
يقول عبدالرازق، المُتطوِّع في فريق التعامل مع الأفيال، وهو قائد فريق ويبلغ 52 عاماً، إن الأفيال غالباً ما تأتي أثناء الليل، لذا يُستلزَم من المُتطوِّعين أن ينشطوا في تلك الفترة من اليوم. ويضيف أن البقاء مستيقظاً في الليل أمرٌ صعب.
يقول: "علينا أن نمضي الليالي في برج المراقبة، وإذا غلبنا النوم، سوف نخاطر بحياة الناس. نحن نقوم بواجبنا، لكننا لا نتقاضى نظيراً جيداً".
يقول مُتطوِّعٌ آخر، وهو كوربان علي، 20 عاماً: "الناس ليسوا بأمانٍ هنا حين لم يكن هناك فريقٌ للتعامل مع الأفيال، لكن الموقف الآن مختلف، لأننا نعمل إلى جانب منظماتٍ أخرى، مثل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، ومُفوَّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على حماية حياة الناس والحيوانات".
لماذا تهاجم الأفيال مخيمات اللاجئين الروهينغا؟
حين أتوا إلى هنا في البداية في العام 2017، رأى عبدالرازق أن هناك عدداً كبيراً من الأفيال في المنطقة. لكن الآن قلَّ عدد الأفيال بشكلٍ كبير حول المُخيَّمات.
يقول عبدالرازق: "هذا المكان ينتمي للأفيال. كان هناك الكثير من الأفيال من قبل. في العام الماضي رأينا فيلاً كلَّ شهر، لكن زياراتهم قلَّت هذا العام. صرنا نراهم فقط مرتين خلال موسم الشتاء". ويضيف: "حين جئنا إلى هنا في البداية، كانت هناك غاباتٌ حولنا، لكنها اختفت الآن".
وفقاً لتقديرٍ أصدره الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في العام 2019، هناك حوالي 268 فيلاً في بنغلاديش، ومن 35 إلى 45 منها تعيشن حول مخيَّمات لاجئي الروهينغا. وقال مسؤولو منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إن حوالي من 40 إلى 42 فيلاً محصورون في غابات أوكيا وتكناف بمنطقة كوكس بازار.
ويتعرَّض الأفيال حالياً لخطرٍ شديد، ويواجهون ندرةً حادة في الطعام والماء، مع خطر فقدان الكثير من مناطق العيش وتقلُّص المناطق الغنية بالطعام بسبب التعدي البشري وجمع الموارد بصورةٍ عشوائية.
وقال رجب محمود، الأخصائي الكبير في شؤون الغابات بمنظمة الأغذية والزراعة في بنغلاديش: "إن موقع مخيَّم اللاجئين يغلق ممر الأفيال. وتسبَّبت محاولاتٌ عديدة من الأفيال للمرور عبر المخيَّم في عددٍ من الصدامات. هذه الكائنات المُذهِلة تواجه معركة بقاء بسبب عددٍ من التهديدات، بما في ذلك فقدان مناطق العيش، وندرة الطعام، والصدام مع البشر. نفعل ما في وسعنا لمساعدة الأفيال. ونحن نعيد إليهم بعضاً من غابتهم. إنها موطنهم أيضاً".
وقال راكيبول أمين، ممثل بنغلاديش في الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، إنه بسبب انكماش منطقة الغابة وانسداد مسارات الهجرة، فإن الأفيال في خطرٍ حقيقي، إذ إن حبسها في منطقةٍ صغيرة يمكن أن يسبِّب نقصاً في الطعام، بالإضافة إلى الصراعات. وتنشأ الصدامات بين الأفيال والبشر بسبب انسداد مسارات الهجرة التي تستخدمها الأفيال لقرون. إن نمط الهجرة مُثبَّت في نفسيتهم، وهكذا فإنهم يرتبكون حين يواجهون عقباتٍ قوية مثل مناطق المُخيَّمات المترامية في مساراتهم.
المعسكر مقام على آخر ممرات الأفيال
تستخدم الأفيال الطريق لقرونٍ من الزمن، وتعبر من حيث يقع مخيَّم كوتابالونغ للاجئين من أجل السفر بين بنغلاديش وميانمار بحثاً عن الطعام والمأوى. وفي بيانٍ له، قال إحسان الحق، مسؤول البيئة المساعد من مفوَّضية اللاجئين في بنغلاديش، إنه "قبل تدفُّق اللاجئين، أُغلِقَ اثنان من أصل ثلاثة ممرات هجرة للأفيال، وفقاً لما توصَّلَت إليه دراسةٌ أجراها الاتحاد الدولي لحفظ البيئة في العام 2016. ثم أُنشِئت الكثير من مخيَّمات اللاجئين في 2017 على الممر الوحيد الذي كان مفتوحاً.
وحتى الآن، تعامَلَ الاتحاد الدولي لحفظ البيئة ومفوضَّية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بالشراكة مع اللاجئين والمجتمع المضيف، مع 106 حوادث تصادم بين البشر والأفيال منذ 22 فبراير/شباط 2018″.
وإلى جانب انسداد مسارات الهجرة، أدَّى فقدان الغطاء النباتي إلى بعض التوتُّر في منطقة كوكس بازار.
الغابات تعود من جديد
وتكشف أحدث النتائج أن 8 آلاف فدان من الغابات قد جُرِّفَت لإفساح المجال للمستوطنات التي تستوعب عدداً كبيراً من اللاجئين منذ النزوح الجماعي في أغسطس/آب 2017. وقدَّرَ فريقٌ من وزارة الغابات الخسارة البيئية بحوالي 24.2 مليار تاكا بنغلاديشي (285 مليون دولار). وتوصَّلَ تقريرٌ للأمم المتحدة إلى أن السُكَّان اللاجئين كان عليهم الاعتماد على الحطب من الغابات المحيطة من أجل الطبخ، وعلى الأشجار من أجل بناء مآويهم، ما تسبَّب في استنزافٍ للغطاء النباتي في التلال.
يقول رمضان علي، 46 عاماً، الذي اعتاد العمل حطاباً ويبيع الحطب للاجئين لدعم عائلته: "حين أتيت إلى المخيَّم في البداية، كانت هناك غاباتٌ حولي، لذا كنت أقطع الأشجار من أجل بناء المآوي واستخدامها من أجل الطبخ. جيراني أيضاً كانوا يقطعون الأشجار للسبب نفسه. وكنَّا نستخدمها دائماً في الطبخ لأننا لم نحصل على أيِّ أسطوانات غاز في ذلك الوقت".
غير أن الوضع قد تغيَّر في الوقت الحالي. صارت هناك سياساتٌ جديدة تشجِّع استخدام الغاز المُسال بديلاً عن الحطب، إذ يؤدي قطع الأشجار إلى تجريف الغابات. يقول إحسان الحق إن الطلب على الحطب في مجتمع اللاجئين قد انخفض بنسبة 80%. ويقول إنه إذا استمرَّ الأمر على هذا النحو، سوف يتجدَّد الموطن الطبيعي للنظام البيئي للغابات الاستوائية قريباً، وسيقل أيضاً احتياج اللاجئين لجمع الحطب -وسيقل كذلك التعرُّض للحياة البرية.