ساد السلام العام شبهَ الجزيرة الكورية منذ الخمسينيات بطريقة أو بأخرى. ورغم أن قوة كوريا الشمالية قد تراجعت إلى حدٍّ كبير مقارنةً بقوة كوريا الجنوبية، فلا تزال فكرة أن بيونغ يانغ قد تخلُص إلى أن الحرب يمكن أن تحل مشاكلها تُقلق المخططين في أمريكا وكوريا الجنوبية. فإذا واجهت كوريا الشمالية وضعاً قررت فيه أن الحرب هي الحل الوحيد، فكيف يمكنها سحق كوريا الجنوبية وردع الولايات المتحدة واليابان؟
التوقيت هو كل شيء
تعتمد فرص كوريا الشمالية في الحرب بشكل كامل على تهميش الولايات المتحدة بطريقة ما، إما من خلال فرض الأمر الواقع، أو الردع عالي المخاطر، كما تقول مجلة The National Interest الأمريكية.
وموقفها مع اليابان أكثر تعقيداً، لكن طوكيو تعتبر كوريا الشمالية تهديداً كافياً تتطلب حربها نوعاً من التدخل، إن لم يكن بالضرورة في صورة دعم مباشر لقوات كوريا الجنوبية.
السيناريو الآخر الذي قد تقرر كوريا الشمالية الهجوم بموجبه قد يأتي تحسباً لهجوم كبير من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية على الشمالية. وفي مثل هذه الحالة، قد تقرر القيادة الكورية الشمالية أن ليس لديها الكثير لتخسره. وإجراء استباقي من جانب كوريا الشمالية هو الأفضل كثيراً لتحقيق التوازن العسكري في هذا السياق.
كيف سيكون شكل المواجهة؟
من المرجح أن ينطوي الهجوم الكوري الشمالي على تكتيك الهجوم التقليدي بالأسلحة المشتركة، باستخدام المدفعية لتعطيل دفاعات كوريا الشمالية وإضعاف المواقع (بالإضافة إلى خلق حالة من الذعر بين المدنيين)، والمشاة لإحداث ثغرات في خطوط كوريا الجنوبية، والقوة الآلية لاستغلال تلك ثغرات. وبإمكان الكوريين الشماليين إضافة قوات خاصة (يمكن نشرها في كوريا الجنوبية قبل بدء الاشتباكات)، وقوات نظامية تُنشر عن طريق الأنفاق في المناطق الخلفية لكوريا الجنوبية.
لكن القوات الجوية لكوريا الشمالية قديمة، ولم تتلق دعماً تكنولوجياً كبيراً من روسيا أو الصين منذ سنوات، وقواتها لا تملك الكثير من القدرات المضادة للغارات الجوية، مقارنة بالقوات الجوية لكوريا الجنوبية، وستجد مقاتلاتُها نفسَها فريسةً سهلة للطيارين الكوريين الجنوبيين المدرَّبين تدريباً جيداً، الذين يستخدمون طائرات متطورة. ومن المرجح ألّا يجد جيش كوريا الشمالية الكثيرَ من الدعم الأرضي، سواء على المستوى التكتيكي أو على المستوى التشغيلي، ومن المرجح ألا يصمد كثيراً أمام الهجمات الجوية الكورية الجنوبية.
ولعلاج هذه المشكلات، من المرجح أن تحتفظ كوريا الشمالية بنسبة كبيرة من صواريخ كروز الهجومية الأرضية والصواريخ البالستية قصيرة المدى لشنّ هجمات على القواعد الجوية الكورية الجنوبية، على أمل تدمير المقاتلين على الأرض، وجعل القواعد عديمة الفائدة.
الهجوم البحري والغزو الأرضي
من المتوقع أن تؤدي بحرية كوريا الشمالية دوراً مزدوجاً في هذه العملية. فمن الناحية الهجومية، ستحاول مهاجمة السفن الرئيسية في بحرية كوريا الجنوبية بغواصات وصواريخ كروز، بينما ستحاول أيضاً تعطيل عمليات الموانئ. ومن الناحية الدفاعية، ستحاول بحرية كوريا الشمالية حماية خط ساحل كوريا الشمالية من القصف والهجوم البرمائي، وكلاهما كان له تأثير كبير على حرب 1950.
وأي غزو كوري شمالي قد ينطوي أيضاً على شنِّ هجمات على موانئ كوريا الجنوبية، لتعطيل التجارة وتعقيد وصول التعزيزات على نطاق واسع. ومن المحتمل أن تنطوي هذه الهجمات على استخدام صواريخ باليستية تقليدية، رغم أن كوريا الشمالية قد تلجأ إلى الأسلحة النووية أو الكيميائية الحيوية لإصابة بعض الأهداف الحيوية (مثل بوسان).
وإذا حالف الحظ الكوريين الشماليين (وسيحتاجون إلى قدر كبير منه)، فبإمكان جيش كوريا الشمالية تعطيل القوات الأمريكية وقوات كوريا الجنوبية بما يكفي للسيطرة على نقاط الدخول والخروج الرئيسية إلى سيول، وعند هذه النقطة يمكن أن يفكر إما في محاولة الانتشار في بقية شبه الجزيرة، أو التوقف للتفاوض على حل سلمي من شأنه أن يزيد من قوة موقف كوريا الجنوبية. سيعتمد هذا القرار على الوضع التكتيكي، وتقييم ما إذا كانت الأهداف الوطنية لكوريا الشمالية تكمن بشكل أساسي في إعادة الوحدة، أم في بقاء النظام.
لكن الدبلوماسية لها دور
كلما طال أمد الحرب تقل فرص كوريا الشمالية في الانتصار، وبالتالي تحتاج بيونغ يانغ إلى دعم بكين لإنهاء الحرب وتأمين مكاسبها بسرعة. فما الذي قد يدفع بكين للتنازل وأداء دور الضامن لثمار العدوان الكوري الشمالي؟
لا بسبب قربها طويل الأمد من النظام الكوري الشمالي، بل بسبب رغبتها في منع المزيد من الاضطراب وانعدام الاستقرار على طول حدودها. وبالمثل، بغض النظر عن إحباطها من كوريا الشمالية، لا ترغب الصين كثيراً في وجود أمريكي أو ياباني في كافة أرجاء شبه الجزيرة الكورية.
وفي هذه الحالة، قد تأمل كوريا الشمالية في أن يردع احتمال الحرب مع الصين (وربما روسيا) الولايات المتحدة من السعي لتحرير كوريا الجنوبية.
"فرصة أخيرة كبيرة"
هذا هو الوضع الأمثل لكوريا الشمالية، لكن من المهم أن نتذكر أن معظم المحللين يرون أن الجيش الكوري الشمالي ليس مؤهلاً لهزيمة قوات كوريا الجنوبية، إذ إن الدفاعات الثابتة على طول المنطقة المنزوعة السلاح، إلى جانب حركة وتطور قوات كوريا الجنوبية، تعني أن أي هجوم على كوريا الجنوبية قد يتحول إلى كارثة لوجستية قبل أن تتمكن من السيطرة على سيول. وفي تلك المرحلة، من المرجح أن تؤدي الهجمات على طول عمق موقع كوريا الشمالية، مقترنة بهجوم منسق على أهداف النظام، وشبكة القيادة والتحكم في الجيش الكوري الشمالي، إلى عزل القوات المتقدمة وتدميرها.
ويعرف ضباط الجيش في كوريا الشمالية كل هذا، ويقدّرون بالتأكيد الاحتمال الضئيل للغاية لنجاح أي هجوم، سواء كان قصيراً أو طويل المدى. ولكن لا يمكننا أن نستبعد أن الظروف السياسية قد تتغير، بحيث تصبح كوريا الشمالية يائسة بما يكفي لشنّ هجوم، أو أن تتخيل أن لديها "فرصة أخيرة كبيرة".