يعيش سكان جزيرة سقطرى اليمنية أوضاعاً لم يعيشوها من قبل، فعلى خلاف حالة الأمن التي كان يعيشها أهل الجزيرة، باتوا اليوم أخوف مما كانوا عليه، فلم يعد الأمن اليوم كما كان في السابق.
أوصد المواطن اليمني محمد سالم باب منزله، وهي من المرات النادرة، إذ كان باب الدار الكبير للأسرة مفتوحاً على الدوام، فالأمن اختص مدينة حديبو مركز جزيرة سقطرى، الواقعة على المحيط الهندي.
لكن الفوضى حدثت مع وصول الإماراتيين إلى المدينة في منتصف 2017، إذ تطورت الأحداث، حتى أن سالم لم يتخيل مصيراً لما آلت إليه الأوضاع، ويقول لـ"عربي بوست": "للمرة الأولى في حياتي تُقصف المدينة بالمدفعية والرشاشات الثقيلة".
وعلى خلاف اليمنيين، الذين يرون في حمل السلاح أمراً معتاداً، فإن سكان سقطرى المسالمين لا يطيقونه، بل ويزدرون مَن يحمله بلا داعٍ، وحينها كانوا يتحسّسون النجاة من الحرب التي تشهدها اليمن منذ 6 أعوام، لكن الإماراتيين أشعلوا نيرانها.
سيطرة كاملة
وروى مصدر أمني رفيع في الجزيرة اليمنية لـ"عربي بوست" ما حدث مؤخراً، وقال إن سيطرة قوات الانتقالي كانت تحصيل حاصل لعمل اماراتي منظم بدأ منذ ثلاث سنوات، وأوضح المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن قوات المجلس الانتقالي شنت هجوماً قبل نحو شهر على مواقع القوات الحكومية، لكنها فشلت بعد أن تمركزت الأخيرة في مواقعها الاستراتيجية.
وأضاف: "لم يستطيعوا أن يعبروا رغم إمكانياتهم الضخمة، إذ ضمت قوات الانتقالي رتلاً من الأطقم والعربات والدبابات والمصفحات، ونحن لا نملك إلا مصفحة واحدة والأسلحة الشخصية"، وأشار إلى أن القوات السعودية تدخلت، ووقع الطرفان اتفاقاً بعدم التصعيد، وعلى إثر ذلك سلمت القوات الحكومية مواقعها للقوات السعودية ثم انسحبت.
ووفق المصدر فإن قيادة القوات السعودية وعدت بأنها لن تسمح بأي عبور لقوات الانتقالي المدعومة إماراتياً، "وقالوا لنا بالحرف الواحد إنهم لن يسمحوا بمرور أي قوة أو عربة عسكرية، والأمر سيقتصر على الأفراد الذين يتحركون بأسلحتهم الشخصية".
ويتهم المصدر القوات السعودية بخيانة الاتفاق، إذ مهّدت الطريق لتقدم قوات الانتقالي، ولم تحركْ ساكناً لوقف إطلاق النار، حيث كان يتوجب عليها أن تتدخل لفضّ النزاع، فذلك هو السبب الوحيد لبقائها.
وقال إن قوات "الانتقالي" هاجمت مواقع القوات الحكومية بأكثر من 12 مصفحة وأكثر من 7 دوريات بالرشاش والمعدلات والآر بي جي، وقصفت بشكل عشوائي، لتنسحب القوات الحكومية بعد أن قدّرت عدم جر الجزيرة إلى حرب أهلية.
وأضاف: "حين سمح السعوديون بمرور الأسلحة الثقيلة والمدرعات ومهاجمتها المدينة، رأينا أن ننسحب قبل أن يتطور القتال بصورة أكبر".
إعلان الإدارة الذاتية
من ناحية أخرى أعلن "الانتقالي" المدعوم إماراتياً الإدارة الذاتية للجزيرة اليوم السبت، وسيطرة قواته على جميع المواقع العسكرية، لتنتهي سلطة الحكومة الشرعية، وتُحكم الإمارات سيطرتها على الجزيرة بشكل مطلق.
وقال مصدر محلي لـ"عربي بوست" إن المحافظ رمزي محروس وقيادات السلطة المحلية لجأوا إلى مكان آمن حتى اللحظة، بعد أن أعلنت كل القوات في الجزيرة ولاءها للإمارات.
وأضاف: "بإعلان الانتقالي الإدارة الذاتية فإن الجزيرة باتت في يد الإمارات، ونحن نقر بالهزيمة ونبارك للإماراتيين هذه المحافظة المسالمة، ونهب ثرواتها وتخريب معالمها الأثرية وأشجارها النادرة".
في المقابل حاولت القوات السعودية تدارك الموقف، إذ حاولت قياداتها في الجزيرة بالتزامن مع تحليق الطيران الحربي أن توقف قوات الانتقالي التي كانت تسيطر على المواقع العسكرية تباعاً.
ووفق المصدر فإن الإمارات لن تسلّم الجزيرة مجدداً، قائلاً: "ما نتمناه الآن أن يكون المحافظ وقيادات السلطة المحلية التي عارضت الإماراتيين خلال الأعوام الثلاثة الماضية في أمان".
وحمّل المصدر حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المقيمة في الرياض، المسؤولية عن مصير الجزيرة، التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ضمن قائمة المواقع البحرية العالمية ذات الأهمية البيولوجية والتنوع النادر.
وقال محافظ سقطرى رمزي محروس في بيان له نشره على صفحته بموقع فيسبوك: "تعرضنا ومعنا أهالي سقطرى لخذلان وصمت مريب ممن ننتظر منهم النصرة والمؤازرة والوقوف معنا لكن ذلك لن يفت في عضدنا ونستمد صلابتنا وقوتنا من الله ثم من عدالة قضيتنا وحقنا الواضح والجلي".
محاولات سابقة
وبدت سيطرة الإمارات على الجزيرة تتويجاً لمحاولات بدأت منتصف 2017، إذ حاولت السيطرة على الجزيرة عبر الهلال الأحمر الإماراتي الذي بدأ بتنفيذ مشاريع خيرية، لضمان كسب ولاء السكان المحليين.
واستغلت الإمارات علاقات المصاهرة بين بعض قبائل سقطرى وبعض الأسر في إمارة عجمان، لتمنح تلك القبائل الجنسية الإماراتية، كما عمدت إلى إحداث شرخ بين المجتمع السقطري للمرة الأولى، لكن السكان المحليين ثاروا، وعبروا عن رفضهم الكامل للتواجد الإماراتي.
عقب ذلك، اتجهت الإمارات للتصعيد العسكري وفي منتصف 2018، نفذت عمليات إنزال لقوات عسكرية في سقطرى، لكن الحكومة اليمنية عبرت عن رفضها الكامل لتلك الخطوة، وصعدّت القضية إلى مجلس الأمن الدولي.
وسرعان ما تدخلت السعودية لتلعب دور الوسيط، إذ تسلّمت المواقع التي كان قد تمركز فيها الإماراتيون.
لكن الإمارات لجأت إلى وكلائها المحليين، إذ دفعت على مدى 2019 بالمئات من قوات المجلس الانتقالي المدعوم منها في الجزيرة، وبدأت تلك القوات في السيطرة على مواقع عسكرية، غير أنها تراجعت مع الدعم الشعبي للقوات الموالية للحكومة.
وعلى إثر ذلك، استغل الموالون للإمارات انقطاع الرواتب للقوات الحكومية في شراء الولاءات، لتعلن كتائب في القوات الحكومية انضمامها للمجلس الانتقالي، ليتوج ذلك بالسيطرة الكاملة للانتقالي عقب الهجوم على المدينة.
وتعود المطامع الإماراتية في جزيرة سقطرى، إلى تصور أبوظبي نفسها كقوة بحرية تسيطر على واحدة من أهم المواقع البحرية استراتيجية في العالم، فالسيطرة على سقطرى سيطرة على الملاحة البحرية، إذ تعد قريبة لمضيقي هرمز وباب المندب.
صراع سعودي إماراتي
لكنّ مصدراً بارزاً في الحكومة اليمنية قال لـ"عربي بوست" إن السعودية استخدمت سقطرى كورقة ضغط على الرئيس اليمني، الذي رفض تعيين حكومة جديدة ومحافظ جديد لمدينة عدن، العاصمة المؤقتة.
وأضاف أن هادي طالب نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان الذي يدير الملف اليمني، أن تنسحب قوات الانتقالي المدعومة إماراتياً من عدن، والسماح بعودة الحكومة إلى المدينة، وتنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض الموقع بين الطرفين في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ولم يتمكن بن سلمان من فرض الملحق العسكري على الموالين للإمارات في عدن، ما دفعه لمطالبة هادي بالقفز إلى تشكيل حكومة مناصفة وتعيين محافظ لمدينة عدن، ليبدو أن الرياض قد حققت تقدماً في الجنوب اليمني، حسب ما قال المصدر.
لكنّ مصدراً حكومياً آخر استبعد ذلك، وقال إن ما حدث محاولة انقلابية للمجلس الانتقالي للسيطرة على الجنوب، مثل محاولاته السيطرة على شبوة وغيرها، ضمن مساعيه لانفصال جنوب اليمن عن شماله.
الحكومة اليمنية في بيان لها، أكدت أن سيطرة الانتقالي المدعوم إماراتياً، هو "الرد الفعلي العدواني والمستهتر على الجهود الحثيثة التي تبذلها السعودية لاستعادة مسار تنفيذ اتفاق الرياض".
وتوعدت بأنه "لن يتم القبول بهذا الانقلاب أو التهاون معه"، وقالت إن "سيطرة الانتقالي على سقطرى تكشف حقيقة موقف هذه القوى المتمردة والطرف الداعم لها (في إشارة للإمارات)".
وحاول "عربي بوست" التواصل مع أكثر من مسؤول حكومي للاستفسار عن سبب التطورات الأخيرة غير إنهم رفضوا التعليق.
ارتداد سياسي
ويرى المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي، أن تصاعد الأحداث في سقطرى ارتداد لما يحدث في الرياض، ولا يمكن فهم تصعيد الانتقالي إلا بوصفه رداً على الرياض، التي نالت منه عبر المقترح الأخير.
وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن مصادر قولها إن السعودية اقترحت وقف إطلاق النار في محافظة أبين وإلغاء المجلس الانتقالي الإدارة الذاتية في الجنوب، كما يسحب قواته من عدن ويعيد نشرها في أبين على أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة بعد ذلك.
ويقول المحلل السياسي إن المقترح السعودي كان رسالة حادة للانتقالي الموالي للإمارات وأظهرته بالضعيف، بينما هو يتحرك بشكل متخفف على عكس الحكومة، بينما كانت فاقمت الأوضاع في سقطرى من حالة التوتر، ليتقدم الانتقالي هناك.
وأضاف: "الانتقالي يساوم الآن بسقطرى، فالسيطرة عليها ستكون مقابلها إهداء السعودية جانب من التراجع في الجنوب مثل تجميد إعلان الإدارة الذاتية، رغم كونه محكم السيطرة على الأرض".
أما استعادة الحكومة السيطرة على سقطرى، فيستبعد المذحجي ذلك، وقال إن الحكومة لن تستعيد السيطرة على الأرض ما دامت بكل طاقمها مقيمة في الرياض.