"جثث محروقة داخل حاوية، وأخرى متحللة في بئر، وأطفال ونساء قتلوا بدم بارد، وعائلات أبيدت بالكامل"، تفاصيل صادمة مازالت تتكشف في مقابر ترهونة الجماعية والتي يعتقد أن ميليشيات الكانيات التابعة لحفتر هي التي ارتكبتها.
وحتى مساء الأحد 13 يونيو/حزيران 2020، تمكنت السلطات الليبية من اكتشاف 11 مقبرة جماعية بها 107 جثث، في كل من ترهونة وقصر بن غشير.
ومن بين الفظائع التي اكتشفت جثث محروقة في حاوية بقصر بن غشير، و5 جثث متحللة في بئر بعمق 45 متر بمنطقة مواتة شمال غرب ترهونة، وأكثر من 10 جثث في مزرعة هرودة بترهونة، و3 جثث بالمقر الإداري للأمن المركزي في ترهونة.
بالإضافة إلى العثور على 106 جثث داخل مستشفى ترهونة وعليها آثار تعذيب، في 5 يونيو/حزيران 2020، وبعد ثلاثة أيام تم العثور على عشرات الجثث بمستشفى ترهونة العام مرمية في المكاتب والممرات.
الأمم المتحدة تطالب بالتحقيق بشأن مقابر ترهونة الجماعية
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بإجراء تحقيق شامل وشفاف "وتقديم الجناة إلى العدالة". بعد العثور على مقابر جماعية، معظمها في ترهونة الواقعة على بعد 90 كلم من طرابلس بعد تحريرها من قوات حفتر.
كما أبدى السفير الألماني لدى ليبيا أوليفر أوفتشا، في إحدى تغريداته، انزعاجه "من تقارير عن عمليات قتل خارج نطاق القضاء وما كشف في مقابر ترهونة الجماعية"، ودعا أيضاً إلى إجراء "تحقيق مستقل".
واتهم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، ميليشيات حفتر بـ"إبادة عائلات بأكملها في ترهونة وقصر بن غشير (جنوبي العاصمة طرابلس)، وألقت بهم في آبار المياه.. وقتلت أطفالاً بدم بارد، ودفنت رجالاً أحياء مقيدي الأيدي والأرجل".
الاتهامات تتركز على ميليشيات الكانيات
ويعتبر قادة اللواء التاسع (الكانيات) أول المتهمين بارتكاب هذه الفظائع، باعتبارهم كانوا يسيطرون على ترهونة بالكامل، كما شاركوا إلى جانب ميليشيات حفتر في الهجوم على طرابلس والسيطرة على قصر بن غشير، الضاحية الجنوبية للعاصمة طيلة 14 شهراً.
والمجرمون المتورطون في هذه المقابر الجماعية، ليسوا أشخاصاً مجهولين، حسب تقرير لوكالة الأناضول وإنما يعرفهم أهل ترهونة بالاسم، بل إن النائب العام الليبي أصدر في حق 14 منهم أوامر ضبط داخلية، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
كما أن الإخوة محمد وعبدالرحيم وعبدالعظيم الكاني (من قادة الميليشيات)، صدرت بحقهم أوامر ضبط دولية.
فالتاريخ الدموي للإخوة الكاني لم يبدأ في 2019 ولا حتى في 2017 بل منذ 2013.
من هم الإخوة الكاني الذين أبادوا عائلات بأكملها؟
ما يعرف بميليشيات الكانيات، أو اللواء السابع ثم اللواء التاسع، أسسه الإخوة الكاني، وهم 6 إخوة (عبدالخالق ومحمد ومعمر وعبدالرحيم ومحسن وعبدالعظيم) إلى جانب شقيقهم السابع (علي) الذي قتل قبل تشكيل هذا التنظيم.
لم يكن للإخوة الكاني حضور بارز في ترهونة عند سقوط نظام معمر القذافي في 2011، لكن ما قلب حياتهم رأساً على عقب وحولهم إلى آلة حرب همجية وبلا رحمة، مقتل شقيقهم "علي"، على يد عصابة إجرامية، فقام إخوته بقتل جميع أفراد العصابة، ولم يشف ذلك غليلهم بل أبادوا جميع أسرهم بمن فيهم الأطفال والنساء، بحسب مصادر إعلامية متطابقة.
ثم استولى الإخوة الكاني على مقر كتيبة "الأوفياء" بترهونة، وعلى كامل الأسلحة الثقيلة التي بداخلها، وبدأوا عملية إخضاع جميع المجموعات المسلحة في المدينة بالقوة، وضموا إليهم قوات النخبة في نظام القذافي وخاصة كتيبتي 32 معزز والمقريف.
واستخدم الإخوة الكاني القوة المفرطة في إخضاع العديد من عائلات ترهونة خاصة تلك التي تملك ثروة أو تجارة، فأبادوا عائلات وقتلوا الكثير من الناس، حتى أصبحت المدينة تحت سيطرتهم بالكامل.
ومع تضخم أعداد ميليشيا الكانيات بانضمام عسكر القذافي الناقمين على الثوار، ثم تحالفها مع حفتر، أصبحت تشكل أكبر تهديد للعاصمة، حيث هاجمتها في 2018، ثم في 2019، وقتلت الكثير من أسرى الحرب والمدنيين على الهوية لمجرد أنهم ينتمون إلى مدن مناهضة لهم مثل مصراتة والزاوية، خاصة عند اختطافهم في حواجز وهمية على الطريق الرابط بين مدينة القره بوللي وطرابلس.
ميليشيات الكانيات مع الأقوى
مرت "الكانيات" بكثير من المسميات تبعاً للأوضاع السائدة.
فقد حملت ميليشيات "الكانيات" مُسمى "اللواء الثامن"، وكانت تسيطر على ترهونة.
وفي وقت سابق كانت قيادة قوات حفتر تصف ميليشيات الكاني بـ"الإرهابية".
وتنتمي الكانيات إلى السلفية الجهادية ولكنها ضمت إليها العديد من جنود نظام القذافي السابق، وتحالفت في البداية مع حكومة الوفاق، لكن كان لديها مشروعها الخاص وبسبب عدم انضباطها تم حلها، لكنها تحالفت فيما بعد مع قوات حفتر، ولعبت دوراً أساسياً في سقوط عدة أحياء جنوبي العاصمة لمعرفتها الجيدة بميدان المعركة.
ففي أكتوبر/تشرين الأول ويناير/كانون الثاني الماضيين، هاجمت "الكانيات" طرابلس، وحاولت السيطرة على مناطق شرق العاصمة، لكن قوات حماية طرابلس صدت المحاولة.
ثم غير حفتر مسماها إلى "اللواء السابع" بعد الاتفاق معها مطلع أبريل/نيسان الماضي للمشاركة في الحرب على العاصمة، وضمت إليها بقايا اللواء "المعزز" التابع لنظام القذافي سابقاً، ومنحت قائدها محسن الكاني رتبة "رائد"، ومن بين أبرز قادة هذا اللواء، الهادي الهيرو، المعروف بجرائمه لدى الرأي العام، والتي وصفها نشطاء بأنها "لا تحصى".
وقُتل عدد من قادة الكانيات قبل أسابيع في العمليات العسكرية التي نفذتها حكومة الوفاق.
الأمم المتحدة وثقت جرائمهم
وبسبب القبضة الحديدية للكانيات على ترهونة لم ترشح الكثير من الصور على جرائمهم، ولكن الأمم المتحدة وثقت في أحد تقاريرها، مقتل العشرات من المدنيين والعسكريين على يد الكانيات بعد مقتل محسن الكاني (34 سنة) وشقيقه عبدالعظيم (22 سنة) بالإضافة إلى عبدالوهاب المقري، قائد اللواء التاسع، في 13 سبتمبر/أيلول 2019.
وتذكر بعض الشهادات التي نشرها ناشطون إعلاميون، أن من قُتلوا حينها كانوا أسرى، ومدنيين لم يحضروا جنازة محسن وعبدالعظيم الكاني.
وكان محسن، أخطر عنصر بين أفراد عائلة الكاني، ولكن شقيقه عبدالرحيم (37 سنة) قائد سرية أمن ترهونة، لم يكن يقل عنه خطورة.
أما محمد (46 سنة) الذي ينتمي للتيار المدخلي، فأصبح أكثر بروزاً بعد مقتل محسن، وتولى قيادة المجلس العسكري لترهونة، في حين يعتبر الأخ الأكبر عبدالخالق (50 سنة) مسؤولاً قبلياً، ومعمر مكلف بالشؤون المالية لهذه الميليشيات.
ومن أسوأ المذابح التي نفذوها قتل الشقيقات الثلاث ليلى، وهرودة، وإيمان هرودة بعد اختطافهن في مايو/أيار 2019 انتقاماً من شقيقهن ورداً على انضمامه لقوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً.
وعثر محمود هرودة على جثث شقيقاته بين عدد من الجثث داخل ثلاجات الموتى، بعد سيطرة قوات حكومة الوفاق الليبية على ترهونة.
مذابح الكانيات قد تطال برقة
وبالنظر إلى قائمة القتلى الذين سقطوا على أيدي عصابة الكاني، فإن عائلات: النعاجي، والدايمي والعاشوري والحمادي، بالإضافة إلى هرودة، كانت أكثر من تضرر من إجرام هذه المجموعة الإرهابية، إن لم يكن أفرادها أبيدوا بالكامل.
وهذه الجرائم دفعت الإعلامي الليبي محمود شمام، إلى تحذير أبناء إقليم برقة (شرق) من خطورة إيواء عائلة الكانيات لتورطها في جرائم ضد الإنسانية.
وقال إن ترهونة كلها تعلم أن الكانيات ارتكبت مجازر، وأشار إلى أن ميليشيات حفتر قامت بإيوائهم بكامل عتادهم في مدينة أجدابيا (شرق) لأنهم حلفاؤهم.
وحذر شمام، المحسوب على حفتر، من انتقال مجازر الكانيات من ترهونة إلى برقة، قائلاً "الذي يقتل بلا رحمة لا يهمه المكان الجغرافي الذي يقتل فيه".