بعد نجاح المغرب في مواجهة كورونا.. لماذا تظهر دعوات إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطنية؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/06/15 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/15 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
ملك المغرب محمد السادس ورئيس الوزراء سعد الدين عثماني/رويترز

في وقت تنشغل فيه الحكومة المغربية، بقيادة حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، بالحرب على فيروس "كورونا المستجد"، ظهرت دعوات إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطنية في المغرب للخروج من أزمة الجائحة.

الدعوة أطلقها إعلاميون وسياسيون في ظل الجائحة التي تضرب كل دول العالم، ومن بين من أطلق هذه الدعوات إدريس لشكر، الكاتب الأول (الأمين العام) لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المشارك في الائتلاف الحكومي، لكن عبرت أحزاب عن رفضها لها، وبينها أحزاب المعارضة.

دعوات إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطنية في المغرب، فما هي المبررات؟

وتطالب هذه الدعوات التي ظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي بتشكيل حكومة تكنوقراط (مستقلين) أو حكومة وحدة وطنية، تعمل مع الملك محمد السادس لإخراج المغرب من الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية اللتين سببتهما جائحة "كورونا".

ووجهت تلك الدعوات اتهامات لحكومة سعد الدين العثماني، بالفشل في إدارة المرحلة، والعجز عن تقديم حلول لإنقاذ المملكة.

قادة حزب العدالة والتنمية/رويترز

المفارقة أن هذه الدعوات تأتي في وقت نجح فيه المغرب بقيادة الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في التصدي لمرض كورونا مقارنة بالعديد من الدول العربية والأوروبية.

واقتربت نسبة المتعافين من "كوفيد 19" من 90% في المغرب، وهو معدل مرتفع مقارنة مع عدد من دول العالم.

وبلغ معدل الفتك (نسبة الوفيات لإجمالي الإصابات) 2.6%، وهو أقل من المعدل العالمي الذي يساوي في الوقت الراهن 5.9%"، حسبما أوضح منسق المركز الوطني لعمليات طوارئ الصحة العامة بوزارة الصحة، معاذ لمرابط.

كيف رد رئيس الحكومة على هذه الدعوات؟

ورداً على سؤال حول الدعوات إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطنية، أجاب العثماني، خلال لقاء لحزبه عبر تقنية الفيديو في 23 مايو/أيار الماضي، بأن "القصد منها هو الالتفاف على المسار الديمقراطي".

وتابع: "لا معنى لحكومة إنقاذ وطنية، لأنه يتم اللجوء إليها عندما تكون هناك أزمة سياسية في البلاد، ونحن لسنا في أزمة سياسية، ولم يقل بهذا أحد".

وأردف: "جميع دول العالم التي تواجه كورونا لم تلجأ لهذا الأمر ولا مبرر له بتاتاً، وواجهوا الجائحة بحكوماتهم وبرلماناتهم وينتصرون عليها إما قليلاً أو كثيراً، ونحن نواجهها بهذه الأدوات".

والمفاجأة جاءت من موقف المعارضة

ولم يقتصر الرفض لتلك الدعوات على العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحاكم)، بل رفضها أيضاً حزبا الأصالة والمعاصرة (أكبر أحزاب المعارضة ومؤسسه هو وزير الداخلية السابق وصديق الملك فؤاد عالي الهمة)، والاستقلال (ثاني أكبر أحزاب المعارضة).

وقال الأمين العام للأصالة والمعاصرة، عبداللطيف وهبي، في 25 أبريل/نيسان الماضي، إن "المغرب ليس في حاجة إلى حكومة وطنية لتدبير أزمة تفشي وباء فيروس كورونا".

وأضاف وهبي، خلال لقاء مباشر على "فيسبوك" مع منظمة "حكومة الشباب الموازية" (غير حكومية) ومنظمة "الشباب والمستقبل" (غير حكومية)، أن "الحكومة الحالية تقوم بعملها لمحاربة الوباء وفقا لتوجيهات الملك محمد السادس، فيما ينبغي أن تحافظ المعارضة على مكانتها".

كما قال الأمين العام لحزب "الاستقلال"، نزار بركة، في لقاء عن بعد مع مؤسسة الفقيه التطواني (غير حكومية) نهاية أبريل/نيسان الماضي، إن "منطق دعوات تشكيل حكومة وطنية نتفهمه لأن الهدف منه الحفاظ على الإجماع الوطني لمواجهة الجائحة".

واستدرك: "إلا أننا نعيش فعلاً لحظة وحدة وطنية بعد انصهار جهود الأحزاب والمؤسسات والمجتمع في إطار دولة وطنية، وراء الملك محمد السادس في مواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا، وآثارها الاجتماعية والاقتصادية".

ويقود حزب العدالة والتنمية (124 نائباً من أصل 395) ائتلافاً حكومياً يضم أيضاً أحزاب "التجمع الوطني للأحرار" (37)، و"الحركة الشعبية" (27)، و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" (20)، و"الاتحاد الدستوري" (19).

الهدف إقصاء حزب العدالة والتنمية، والغريب أنها جاءت من جهة مشاركة بالحكومة

يقول عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الأول (حكومية) بمدينة وجدة (شرق)، للأناضول، إن "الدعوات لتشكيل حكومة تكنوقراط بمثابة مناورة سياسية ليس لها مرتكز سياسي أو دستوري، واختارت التوقيت الخطأ".

ويتابع: "الدعوة ترمي للحد من قوة حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، الذي يشكل الهاجس الحاضر الغائب لكثير من الأطراف، سواء في الحالات العادية أو الأزمات".

وبتصدره انتخابات 2011 و2016، شكل "العدالة والتنمية" حكومتين، في وضع غير مسبوق بتاريخ المملكة.

ويضيف بوغالم: "الغريب أنها دعوة تحمل في ثناياها ما ينقضها، ذلك أنها صدرت أول مرة من حزب مشارك في الائتلاف الحكومي (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، وهو ما لا يستقيم أبداً، خصوصاً بعد تلقيها الرفض من أحزاب المعارضة".

حزب المعارضة الرئيسي المقرب من الملك رفض الاقتراج/رويترز

ويردف: "المبادرة تهدف إلى إرباك قائد الائتلاف الحكومي، رغم أن الداعين إليها يعرفون أنها لن تحقق أهدافها".

ويستدرك: "لكن من ناحية الدلالة السياسية والرمزية فالدعوات فيها نوع من الابتعاد عن المسار الديمقراطي أو المنهجية الديمقراطية، وتحمل نوعاً من الانقلاب على الشرعية الديمقراطية الانتخابية".

ويشدد على أن "أي مبادرة بهذا الشأن تنطوي على نوع من الارتداد والنكوص والعودة إلى زمن ما قبل السياسية، فيما المغرب في ظل أزمة كورونا في أمس الحاجة للاستثمار في كل ما هو سياسي".

ويمضي قائلاً إن "المعركة ضد كورونا تستوجب التعبئة والالتفاف الجماعي، الذي لا يمكن أن يتحقق خارج مدار الممارسة السياسية".

ودعا إلى "الاستثمار أكثر في هذا الجانب، فهو الترياق والسند الحقيقي لتجاوز مثل هذه الأزمات".

استهداف قديم للديمقراطية

من جهته، يعتبر عبدالحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الأول (حكومية) بمدينة سطات (شمال)، أن الدعوة إلى حكومة تكنوقراط هي "استمرار لرغبة البعض في إنهاء محاولة المغرب للانتقال الديمقراطي".

ويضيف اليونسي أن "هذه الرغبة متجددة منذ 2011 (احتجاجات شعبية ضمن ثورات الربيع العربي تبعها فوز العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية) وظهرت في البلوكاج".

والبلوكاج (فرملة أو انسداد) هي وصف أطلق من الشارع السياسي المغربي عند تعثر ولادة حكومة عبدالإله بن كيران، الأمين العام للعدالة والتنمية آنذاك، عام 2016.

ويردف: "هذه دعوة تافهة، وقام بها بعض الأفراد الموظفين في معارك وهمية (لم يسمهم).. والتوصيف الصحيح لهذه الدعوة هو الانقلاب على الدستور".

وختم بأن "الدعوة تتمترس خلف إمكانيات الدولة السيادية لتنحية الأحزاب السياسية التي يراد منها فقط المباركة، وليس القيام بوظائفها الدستورية، التي من بينها المساهمة في ممارسة السلطة".

تحميل المزيد