مع تواصُل الاحتجاجات المناهضة للعنصرية واتساع رقعتها داخل الولايات المتحدة وخارجها في أوروبا وأستراليا وكندا، يجد كثير من المهاجرين أنفسَهم في مواجهة معضلة؛ هل يشاركون في المظاهرات التي ربما تنجح في تحسين أوضاعهم، أم يبقون بعيداً عنها خوفاً من الترحيل؟
موقف صعب على المهاجرين
شبكة CNN الأمريكية نشرت اليوم الأحد 14 يونيو/حزيران، تقريراً بعنوان "المهاجرون يجدون أنفسهم في موقف صعب خلال حركة احتجاجات حياة السود مهمة"، تناول معضلة المهاجرين من الناحية القانونية والإنسانية والأخلاقية.
جينيفر شورله، مهاجرة ألمانية موجودة في الولايات المتحدة بتأشيرة عمل، قالت للشبكة إنها قبل مجيئها لأمريكا كانت ناشطة سياسية، وشاركت في حركة الاحتجاجات في ألمانيا لأسباب ثقافية وعنصرية أيضاً، ألهمتها حركة "حياة السود مهمة"، التي اندلعت قبل أكثر من أسبوعين كردِّ فعل على مقتل جورج فلويد، المواطن الأمريكي من أصل إفريقي على أيدي رجال شرطة بيض.
لكن شورله شعرت بالقلق عندما بدأت أحداث عنف تقع في بعض المظاهرات، وجعلها ذلك تفكر في وضعها "كمهاجرة"، وكيف يمكن أن يحدث لإقامتها في الولايات المتحدة حال تم القبض عليها خلال مشاركتها في المظاهرات، فناقشت الأمر مع أسرتها، وقرَّرت أن الأكثر أمناً لها هو ألا تشارك بنفسها، بل وأن تعود مؤقتاً لألمانيا إذا تمكنت من ذلك.
لماذا يشعر المهاجر بالقلق أكثر؟
موقف شورله يطرح تساؤلاً مهما حول حقوق المهاجرين والمقيمين داخل الولايات المتحدة هذه الأيام، في ظل استمرار الاحتجاجات المناهضة للعنصرية، وينص القانون الأمريكي على أنه من حق المواطن الأجنبي المقيم في أمريكا أن يشارك في المظاهرات أو المسيرات السلمية، وفي حال القبض عليه تتم معاملته بنفس الطريقة الإجرائية والقانونية التي تُطبّق على المواطن الأمريكي.
لكن التبعات على المهاجرين قد تكون خطيرة للغاية، ففي حالة التوقيف أو القبض أو توجيه الاتهامات للمهاجر أو المقيم بتأشيرة عمل، يمكن أن يتعرَّض لمشاكل مع إدارة الهجرة، حتى لو تم إسقاط التهم أو تمت تبرئته، بحسب ما قالته للشبكة باريسا كاراميت، المحامية المتخصصة في الهجرة.
وهذه النقطة تنعكس بشكل مباشر على المهاجرين والمقيمين في الولايات المتحدة حالياً، حيث إن التعبير عن الرأي ربما يُكلِّف المهاجرَ إقامتَه، ويجد نفسَه مطروداً خارج البلاد دون أمل في العودة مرة أخرى.
وعبَّرت أندريا فلوريس، نائبة مدير الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية لشؤون الهجرة، عن تخوفات المهاجرين بقولها إن ذلك الموقف يمثل معضلة بالنسبة لهم، مضيفة أن "كثيراً جداً من المهاجرين يريدون المشاركة، لكن تظل المخاطرة قائمة. من المهم جداً أن يعبِّروا عن رأيهم، ومن المهم أن يظلوا آمنين، لكن القرار ظالم بالنسبة لمن ليست لديهم حماية كافية بسبب وضعهم كمهاجرين".
فلوريس أيضاً أكدت على أن "الوضع أكثر صعوبة، في ظل الاشتراطات الصارمة التي وضعتها إدارة ترامب على العديد من أنواع التأشيرات، ومن ثم يمكن تفهُّم مدى التوتر المتعلق بقرار المشاركة في الاحتجاجات من عدمه".
الاحتجاجات تزداد عنفاً
التطورات التي تشهدها الاحتجاجات تزيد من صعوبة موقف المهاجرين، بعد أن وصلت الأمور لقطع طرق وإحراق مطعم، وهو ما يعني أن احتمالات زيادة وتيرة العنف مرشحة للارتفاع أكثر، خصوصاً مع سقوط ضحية جديدة من السود برصاص الشرطة.
أمس السبت 13 يونيو/حزيران، أغلق محتجون طريقاً سريعاً رئيسياً في مدينة أتلانتا، وأضرموا النار في مطعم كانت الشرطة قد أطلقت عنده النار على شاب أسود، خلال محاولته الفرار من الاعتقال، فأردته قتيلاً، وذلك في حادث التقطته عدسات الكاميرات، وهو ما يعني المزيد من الاحتجاجات في أنحاء الولايات المتحدة.
واندلعت الاضطرابات بعد حلول الظلام في أتلانتا، عاصمة ولاية جورجيا، حيث أعلنت رئيسة بلدية المدينة كيشا لانس بوتمس، في وقت سابق، أنها قبِلت الاستقالة الفورية لقائدة شرطة المدينة إريكا شيلدز، بعد وفاة ريشارد بروكس (27 عاماً)، مساء الجمعة، في أحد مطاعم سلسلة وينديز للوجبات السريعة.
وأظهرت لقطاتٌ على محطة تلفزيون محلية النيرانَ تلتهم المطعم طوال أكثر من 45 دقيقة، قبل وصول فرق الإطفاء برفقة عدد من أفراد الشرطة. وبحلول ذلك الوقت كان المبنى الواقع بجوار محطة للتزود بالوقود قد تحوّل إلى كومة من الركام المتفحّم، كما شارك متظاهرون آخرون في مسيرة إلى الطريق السريع رقم 75، وأوقفوا المرور قبل أن تتدخل الشرطة.
وقالت بوتمس في مؤتمر صحفي "لا أعتقد أن استخدام القوة المميتة كان مبرراً، وقد طالبتُ بإقالة الضابط على الفور"، ولم تكشف السلطات بعدُ عن اسمَي الضابطين المتورِّطَيْن في إطلاق الرصاص، وكلاهما أبيض.
وقال محامو بروكس إنه أب لطفلة صغيرة، كانت ستحتفل بعيد ميلادها يوم السبت، وجاءت وفاته بنيران الشرطة بعد أكثر من أسبوعين من الاحتجاجات الحاشدة المناهضة للعنصرية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، عقب موت فلويد (46 عاماً)، بعدما جثم شرطي على عنقه لما يقرب من تسع دقائق أثناء إلقاء القبض عليه.
عنف الشرطة مستمر
الاحتجاجات في أتلانتا اندلعت أمس السبت قرب موقع إطلاق الرصاص، وطالب أكثر من مئة شخص بتوجيه اتهامات جنائية للضابطين، واستُدعيت الشرطة إلى المطعم بسبب بلاغات ذكرت أن بروكس غلبه النوم داخل سيارته وهو في طابور تسلُّم الطلبات، وقال مكتب التحقيقات في جورجيا إن الضابطين حاولا اقتياده بعدما فشل في اختبار ميداني، يكشف ما إذا كان ثملاً أو متعاطياً للمخدرات.
وأظهر تسجيل فيديو التقطه أحد المارة بروكس يقاوم ضابطين وهو مستلق على الأرض خارج المطعم، قبل أن يتمكّن من الفكاك والركض باتجاه مرأب سيارات ومعه ما بدا أنه مسدس صاعق خاص بالشرطة، وأظهر تسجيل آخر لكاميرات المطعم بروكس وهو يدير رأسه ويركض، موجهاً المسدس على الأرجح نحو الضابطين اللذين يطاردانه، قبل أن يطلق أحدهما النار عليه من مسدسه ليسقط الشاب على الأرض.
وقال فيك رينولدز، مدير مكتب التحقيقات في جورجيا، في مؤتمر صحفي منفصل، إن بروكس ركض مسافة 6 سيارات تقريباً، عندما تحوّل بظهره باتجاه أحد الضباط ووجه إليه ما في يده، وقال رينولدز "عند هذه النقطة نزع الضابط المسدس من حافظته وأطلق الرصاص، وضرب السيد بروكس في مرأب السيارات، حيث سقط".
وقال المحامون الذين يمثلون أسرة بروكس للصحفيين إن شرطة أتلانتا لم يكن لها الحق في استخدام القوة الفتاكة، حتى لو استخدم المسدس الصاعق ضدها، خاصة أنه سلاح غير مميت، وقال بول هوارد، المدعي العام لمقاطعة فولتون، في بيان أرسله بالبريد الإلكتروني إن مكتبه "بدأ بالفعل تحقيقاً مكثفاً ومستقلاً في الحادث"، بينما ينتظر نتائج مكتب التحقيقات بجورجيا، وقالت بوتمس إن نائب قائد الشرطة رودني بريانت، وهو رجل أسود، سيتولى منصب القائم بأعمال قائد شرطة المدينة خلفاً لشيلدز، التي شغلت المنصب منذ ديسمبر/كانون الأول 2016.