يحل الشهر الجاري موعد فرض الولايات المتحدة أقسى مجموعة عقوبات على سوريا، ضمن قانون قيصر الأمريكي لحماية المدنيين في سوريا، وهو القانون الذي مررته الإدارة الأمريكية في ديسمبر/كانون الثاني 2019 ويسمح لها بفرض عقوبات على الدول والشركات الأجنبية التي ساعدت النظام السوري في عملياته ضد المدنيين.
ويشمل القانون أيضاً معاقبة الأفراد، أو الشركات أو الدول التي تقيم علاقات تجارية مع سوريا أو تساعد النظام بأية طريقة كانت، وهو يشبه القوانين التي تفرض بموجبها واشنطن العقوبات على إيران، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
7 نقاط أساسية في قانون قيصر الأمريكي
حدَّدت الولايات المتحدة 7 معايير لرفع العقوبات: على سوريا وروسيا التوقف عن استخدام المجال الجوي السوري لقصف المدنيين، وفتح المناطق التي تسيطر عليها سوريا وروسيا وإيران لنقل المساعدات الإنسانية، وإفراج الحكومة السورية عن جميع السجناء السياسيين، وامتناع القوات السورية والروسية وغيرها عن قصف المراكز الصحية أو العيادات أو المستشفيات. إلى جانب ذلك، يجب على النظام السوري اتخاذ إجراءات قانونية ضد أولئك الذين ارتكبوا جرائم حرب، والسماح بعودة اللاجئين وتعويض المدنيين عن وفاة أقربائهم.
ويغطي هذا التشريع المفصل للغاية جميع الأنشطة الاقتصادية والعسكرية ليس فقط لسوريا، لكن أيضاً لإيران وروسيا.
كيف ستعاقب الولايات المتحدة روسيا وإيران؟
ومع ذلك، لا يفسّر القانون كيف تنوي الولايات المتحدة إلزام روسيا وإيران بالالتزام بأحكامه، ولا يذكر ما إذا كانت واشنطن تعتزم فرض مزيد من العقوبات على إيران وروسيا في الوقت الذي يجري فيه الأمريكيون محادثات مع موسكو بشأن مستقبل ليبيا ويحاولون التوصل إلى حل مشترك للأزمة المستمرة منذ عقد في سوريا.
ولن تؤثر المحظورات والعقوبات المنصوص عليها في القانون كثيراً في روسيا وإيران، إلى جانب أن النظام السوري يخضع بالفعل لعقوبات قاسية؛ ما يعني أنه من غير المتوقع أن تُحدِث العقوبات الجديدة تغييراً بارزاً على الوضع الاقتصادي.
والقانون يتجاهل الأكراد الذين ينخرطون في تجارة واسعة مع النظام
وأوضحت واشنطن أن المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا ستُعفَى من العقوبات، لكن تلك المحافظات تنخرط في تجارة واسعة مع النظام السوري، وتبيعه النفط والقمح ومنتجات أخرى.
وعلى الرغم من أن فاعلية قانون قيصر ومدى قوته لم تُبرهَن على أرض الواقع حتى حدود اللحظة، تهدد الولايات المتحدة بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران التي رُفِعَت بعد توقيع الاتفاق النووي لعام 2015.
ويمنع حظر الأسلحة المفروض على إيران من شراء أو بيع أسلحة تقليدية طوال خمس سنوات من تاريخ توقيع الاتفاق، وهي المدة التي ستنتهي في منتصف أكتوبر/تشرين من هذا العام.
كيف يمكن أن تكون العقوبات مؤثرة؟
ولم تنجح سياسة العقوبات الأمريكية حتى الآن في توليد النتائج الدبلوماسية المرغوبة. إذ لم تغير إيران وسوريا سياساتهما، إلى جانب أنَّ أياً من العقوبات المفروضة على البلدين لا تطالب بتغيير النظام الحاكم.
ووفقاً لبعض النظريات، لكي تنجح العقوبات في الإتيان بالنتيجة المرجوة، يجب أن توضح للأنظمة أنها لن تكون قادرة على الاستمرار في إدارة بلدانها والصمود في السلطة ما لم تمتثل لمطالب أولئك الذين فرضوا العقوبات.
وتستهدف العقوبات الناجحة إحداث ثورة مدنية ضد النظام أو إثارة خوف النظام من ثورة مماثلة إذا لم يغير طرقه. وفي كل من إيران وسوريا، هذا التهديد غير مؤثر، تماماً كما لم ينجح على مدار أكثر من 12 عاماً عندما فُرِضَت العقوبات على العراق.
وصول الابن للحكم قبل 20 عاماً أثار الآمال في ربيع دمشق
قبل 20 عاماً، وتحديداً في 10 يونيو/حزيران 2000، بعد شهر من انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، اهتزت منطقة الشرق الأوسط بسبب أنباء وفاة حافظ الأسد.
وصحيح أنه لم يكن خيار والده الأول، لكن بعد شهر واحد من وفاة حافظ الأسد، أدى بشار اليمين الدستورية رئيساً لسوريا، وفي الانتخابات التي أُجرِيَت في نفس العام، كان قد حقق بالفعل فوزاً ساحقاً بالحصول على 97.27% من الأصوات.
وبمرور 20 عاماً الآن، تبدو الفترة الأولى من حكم بشار الأسد وكأنها مأخوذة عن رواية خيالية. فعلى الرغم من أنه كان محاطاً بضباط الجيش المخضرمين الذين تركهم والده له، وكان يعتمد كلياً على نصيحة المخابرات السورية والآلات السياسية، قرر الأسد فتح الباب أمام النقاشات العامة، والسماح بالحوارات السياسية والمقالات المنتقدة لنظام الحكومة.
وأثار سلوكه الأمل في أن تكون سوريا تحت حكمه دولة جديدة ومنفتحة ومزدهرة اقتصادياً تمد يدها ليس فقط إلى الدول الغربية، بل أيضاً إلى الثقافة الغربية.
واليوم تسبب بموت وتشريد 7 ملايين مدني والشعب المتضرر الأول من قانون قيصر
لكن "ربيع دمشق"، كما سُمِيَت تلك الفترة القصيرة، انتهى في غضون أسابيع قليلة. إذ أوضحت "الآلات السياسية" للرئيس الشاب أنَّ التسلسل الهرمي للحكم سينهار، وستختفي ثروة العائلة، وينتهي النظام "الصحيح" إذا استمر في السماح لليساريين والليبراليين بالترويج للأفكار الديمقراطية.
وازداد بشار الأسد وحشية حتى قبل اندلاع الثورة المدنية في مارس/آذار 2011، التي حصدت وشردت إلى الآن أرواح أكثر من 7 ملايين مدني.
مرّت 20 عاماً الآن على حكم بشار، التي مضى نصفها منخرطاً في حرب ضد مواطنيه. ولا يكتفي طبيب العيون الأنيق بالاستمرار في قتل مرضاه، بل لقد خلق حوله حزام أمان استراتيجي تشارك فيه إيران وروسيا، كل منهما لأسبابها الخاصة، تاركاً الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب خارج اللعبة ومع حِزم من العقوبات سيدفع ثمنها المواطنون السوريون فقط.