تنتشر أخبار تبرعات بملايين الدولارات من جانب رجال أعمال يتصدرون قائمة الأغنى عالمياً، وهو ما يعطي صورة إيجابية عن الرأسمالية في زمن الوباء القاتل وتداعياته التي لا تقل خطورة على ملايين وربما بلايين البشر حول العالم، فما مدى دقة تلك الصورة الإيجابية ومدى كرم أغنياء العالم؟
ماذا قدم مليارديرات أمريكا؟
ونبدأ القصة من الولايات المتحدة الأمريكية لسببين؛ الأول أنها الدولة التي يوجد بها العدد الأكبر من أصحاب المليارات حول العالم، والثاني أنها الدولة الأكثر تأثراً بالفيروس، حيث أصاب ما يقرب من مليونين وأودى بحياة أكثر من 112 ألفاً، إضافة إلى التداعيات الاقتصادية التي أطاحت أو كادت بأمريكا من على قمة الاقتصاد العالمي التي تربعت عليها منذ أكثر من 70 عاماً دون منافس حقيقي.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "الوباء يختبر كرم مليارديرات أمريكا: بحث عن أغنى 50 أمريكياً ونظرة على من تبرع ومن لم يتبرع"، رصد تبرعات مليارديرات أمريكا في زمن الوباء، وكم تمثل تلك التبرعات من حجم ثرواتهم.
يمتلك الـ50 مليارديراً أمريكياً الذين شملهم بحث البوست نحو 1.6 تريليون دولار، وجاء إجمالي ما تبرعوا به بشكل علني وتصدر الأخبار نحو مليار دولار، والرقم في حد ذاته ضخم بالطبع لكن مقارنته بحجم ما يمتلكون تظهر أن النسبة لا تزيد عن 1% فقط.
والقائمة تظهر بالطبع تباينات بين ملياردير وآخر، ويعتبر "عميد الأعمال الخيرية" بين أغنياء أمريكا دون منازع – منذ قبل الجائحة – هو بيل غيتس، فكم تبلغ ثروته؟ 103 مليارات دولار، ويقود غيتس جهود التوصل للقاح للقضاء على فيروس كورونا من خلال مؤسسته الخيرية وتبرع ب 300 مليون دولار.
هذا التبرع الضخم من غيتس يوازي 283 دولاراً من ميزانية أسرة أمريكية متوسطة، تبلغ بحسب البحث 97300 دولار سنوياً؛ أي أن ذلك مجرد فتات وهذه ليست مبالغة، والحديث هنا عن أكثر أغنياء أمريكا والعالم كرماً، فما بالنا بالآخرين؟
الملياردير الذي مثل مفاجأة سارة في زمن الوباء هو مؤسس تويتر جاك دورسي الذي يحتل الرقم 147 في ترتيب قائمة مليارديرات أمريكا، بحسب مجلة فوربس المتخصصة في رصد أغنياء العالم، وتبلغ ثروة دورسي 3.6 مليار دولار تبرع منها بمليار دولار، أي ما يعادل 28% من إجمالي ثروته، لمكافحة الفيروس ومساعدة المتأثرين منه اقتصادياً، وهذا التبرع يعادل 27 ألفاً من الميزانية السنوية لأسرة أمريكية متوسطة.
الفتات من أجل تجميل الصورة
مالك أمازون جيف بيزوس، أغنى رجل في العالم بثروة تقدر بأكثر من 143 مليار دولار (بيزوس يمتلك أيضاً صحيفة واشنطن بوست) ومن المهم هنا أن نذكر أن ثروة بيزوس شهدت طفرة في زمن الوباء، ومع ذلك فقد مثلت الـ125 مليون دولار التي تبرع بها ما يوازي 85 دولاراً من دخل أسرة متوسطة يبلغ سنوياً 97300 دولار.
اللافت أكثر في الأرقام أن غالبية أصحاب المليارات لم يكتفوا فقط بعدم التبرع أو المساعدة في زمن الوباء، لكنهم جميعاً استفادوا من حزمة دعم الاقتصاد الضخة التي رصدتها الحكومة وتزيد عن 2.3 تريليون دولار، وجاءت تلك الاستفادة بصورة أكبر كثيراً من الاستفادة التي عادت على الملايين من الذين فقدوا أعمالهم ووظائفهم، وكأن القوانين الفيدرالية مصممة بطريقة تضمن أن يزداد الأغنياء غنى بينما تتعمق معاناة الفقراء.
مارك زوكربيرغ صاحب ومؤسس شركة فيسبوك الذي تبلغ ثروته الشخصية أكثر من 67 مليار دولار تبرع بـ 58 مليون دولار لمكافحة الجائحة، أي ما يعادل 84 دولاراً من الميزانية السنوية لأسرة متوسطة، كما أن مؤسسة وولمارت نفسها تبرعت بـ 25 مليون دولار، لكن ملاك الشركة من عائلة والتون التي تبلغ ثروتها كعائلة نحو 200 مليار دولار، ورغم ذلك لم يتبرع أي من أفراد الأسرة الخمسة بأي مبالغ في زمن الوباء.
ماذا قدمت عائلة مردوخ؟
إليون ماسك، أحد أثرياء أمريكا وصديق مقرب من الرئيس دونالد ترامب، تبلغ ثروته 37 مليار دولار، وكان له دور كبير في التقليل من خطر الوباء في البداية "وصف كورونا بأنه فيروس غبي وضعيف"، أعلن عن تبرعه بألف جهاز تنفس صناعي، بعد أن بدأ الوباء يفتك بالأمريكيين، لكن اتضح أن ما تبرع به عبارة عن ماكينات ضغط تستخدم في الطائرات.
ومن المهم هنا ذكر ما قدمته واحدة من أغنى الأسر الأمريكية وهي أسرة روبرت مردوخ إمبراطور الإعلام، وهو "صفر"، وعند التواصل من جانب واشنطن بوست والسؤال عن التبرعات، قال متحدث باسم الشركة التي تمثل أسرة مردوخ أنهم يتبرعون لكنهم لا يعلنون عن تلك المعلومات.
لكن المؤسسة الخيرية التي تحمل اسم أسرة مردوخ لم تقدم تبرعاً واحداً على مدى ست سنوات، بحسب تقرير داخلي عام 2014، وأظهرت التقارير الفيدرالية عام 2016 أن روبرت مردوخ قام بحل المؤسسة الخيرية.
البعض يرى أن الأغنياء لو دفعوا نفس النسبة من الضرائب مثل موظفيهم لاختلف الأمر تماماً، بمعنى أنه في المتوسط يسدد المواطن ما بين 40 إلى 50% من دخله كضرائب سنوياً، بينما لا يدفع الأثرياء سوى أقل من ثلث تلك النسبة، وهو ما قال عنه بعض المرشحين الرئاسيين عن الحزب الديمقراطي مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وارين إنهم سيسعون لإصلاح النظام الضريبي بطريقة تجعل الأغنياء يدفعون ضرائب تتناسب مع ثرواتهم والأرباح التي يقومون بجنيها.