بينما كانت حشود المحتجين في أمريكا تملأ شوارعها وتطوف بين الميادين، إذ فجأة، خرج متظاهر أمريكي ذو أصول إفريقية من بين الحشود الغاضبة، يتلحف بعلم المملكة المغربية. أثار الأمر دهشة البعض، لكنه لفت انتباه فئة ليست قليلة من المغاربة ، فمن هو هذا الشاب؟ ولماذا يحمل علم المغرب؟ إليكم القصة من البداية.
حين كان المغاربة يتابعون المظاهرات في عدد من مدن الولايات المتحدة الأمريكية؛ احتجاجاً على مقتل الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد على أثر توقيفه من طرف الشرطة، شدَّهم شريط فيديو يُظهر الشاب حاملاً العلم الوطني المغربي.
تسبب شريط الفيديو في موجة من الاستغراب لدى نشطاء مغاربة عبّروا عنها على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وتساءلوا عن جنسية الشاب وهُويته، ليكتشفوا بعدها أنه ينتمي إلى طائفة دينية تدعى "الموريش" أو ما يُعرف بـ"مغاربة أمريكا"، ويعتبرون أنفسهم ذوي أصول مغربية.
ليس هذا هو الظهور الأول لمغاربة الموريش، لكن بفضل الاحتجاجات بالولايات المتحدة تجدد ظهورهم على الساحة الإعلامية، فقد اكتشف المغاربة أن هناك آلافاً من المواطنين الحاملين للجنسية الأمريكية، ممن يعتبرون أنفسهم مغاربة ويتخذون العلم المغربي والطربوش الأحمر رمزاً لهم، دون أن يكون لهم سابق دراية بالأمر.
"الموريش" مغاربة أم أمريكيون؟
تقول الروايات إنه مرّ أكثر من قرن على تأسيس طائفة "موريش أمريكا" أو "مغاربة أمريكا" كما يطلقون على أنفسهم، وتحديداً عام 1913، حيث تم الإعلان عن ميلاد الطائفة التي تدَّعي انتسابها للدين الإسلامي، ويبلغ عدد المنتمين إليها أكثر من 60 ألفاً متفرقين بعدد من الولايات الأمريكية.
و"الموريش" كلمة مقتبسة من "مَوْري" اللاتينية، وهي التسمية التي كانت تطلق على سكان شمال إفريقيا في "موريطنيا"، وهي منطقة تتوافق مع المغرب وغرب الجزائر حالياً، وتأسست الطائفة، وهي منظمة مهيكلة، على يد "نوبل درو علي"، بولاية "نيوجيرسي" الأمريكية، والذي أعلن عن نبوته وعن كتابه المقدس الذي سماه "قرآن الدائرة 7".
وُلد نبي الطائفة في كارولاينا الشمالية عام 1886، وتعرّف على الإسلام حين زيارةٍ قادته لمصر، خلال جولة لفرقة سيرك كان يعمل بها، لتنقلب حياته رأساً على عقب.
ويدّعي أتباع طائفة "الموريش"، أن أجدادهم كانوا عبيداً ورُحِّلوا من إسبانيا من بعد سقوط الأندلس "موريسكيين"، ولهذا يعتبرون أنفسهم مغاربة، وأنهم أحفادُ مغاربة وُلدوا بالولايات المتحدة الأمريكية، إذ يعمدون إلى زيارة المغرب بشكل منتظم، خصوصاً مدينة فاس.
ارتباط رمزي
باحثون مغاربة يعتبرون أن ارتباط هذه الطائفة الدينية الصغيرة المستقرة في الولايات المتحدة الأمريكية، بالمغرب لا يعدو كونه رمزياً، وهو ما سار إلى تأكيده عبدالفتاح اليعقوبي، الحاصل على الدكتوراه في علم الأديان.
وقال اليعقوبي لـ"عربي بوست"، إن المغاربة لم يتبنوا أو ينشروا مذهباً غير المذهب السُّني منذ عهد الأدارسة، مشيراً إلى أن مؤسس الطائفة "الموريشية"، الذي يعتبره مريدوه نبياً، ربما تأثر بالأرثودوكس أو الكاثوليك، واقتبس منهم بعض المعتقدات ليخلطها ببعض مما شاهده من شعائر المسلمين حين زيارته لمصر.
وخلص الباحث في علم الأديان، إلى أنَّ نبي طائفة "الموريش" خلق مذهباً متغيراً ومعدَّلاً خاصاً به وبمن يتبعه، جعله مزيجاً من شعائر الديانتين المسيحية والإسلامية، إلى جانب تبنّيه تفاصيل من واقعه تأثراً بها.
دين إسلامي وتعاليم مسيحية
وكما تقول الروايات، فإنَّ نبي الطائفة ادَّعى أن كتاباً مقدساً أُنزل عليه وأطلِق عليه اسم "قرآن الدائرة 7″، مازجاً فيه بين تعاليم الإسلام والمسيحية، فيما زعم أن أصولهم تعود للمغرب، حيث استقدم منه أجدادهم إلى أمريكا كعبيد.
" الله، أبو الكون، أبو الحب والحقيقة والسلام والحرية والعدالة، الله هو الذي يحميني، هو مرشدي، هو خلاصي، من خلال نبيه درو علي .. آمين"، هذا ما يردده أعضاء الطائفة في صلاتهم كل يوم جمعة بمكان يشبه الكنيسة مع وجودٍ ملحوظ للرموز الإسلامية، فيما يحيّون بعضهم بعبارة "إسلام".
يؤكد أحد أتباع الطائفة، قائلاً: "إن الإسلام هو ديننا وهويتنا ومنهجنا في الحياة"، متابعاً: "نبيُّنا نوبل دْرو علي علَّمنا أن المسلم هو من يَسلم الناس من يده ولسانه وحتى أفكاره، وأن نحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا".
واسترسل المتحدث بالقول: "نحن مغاربة ننحدر من المغرب، لا أقصد الموقع الجغرافي فقط، بل نعتبر أنفسنا جزءاً من الشعب المغربي، ونود أن نشارك إخوتنا المغاربة حبنا لهم".
يكاد المغاربة لا يعرفون شيئاً عن هذه الطائفة التي سمعوا بها حديثاً، على الرغم من تشبث "الموريشيين" واعتقادهم بانتمائهم إلى المغرب وحبهم له ولتقاليده، حيث استقر بعضهم بالمغرب، فيما يحرص آخرون على زيارة "أرض أجدادهم" بشكل دوري.