العنصرية جعلت منه رئيساً وقد تطيح به.. هل تلاشت فرص ترامب الانتخابية؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/06/03 الساعة 15:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/03 الساعة 15:02 بتوقيت غرينتش
السباق إلى المكتب الأبيض يعني تأجيج الانقسامات السياسية وحملات اغتيال الشخصيات معنوياً كل 4 سنوات. ولكن ماذا لو شهدت الحملة وفاة قائدها؟/ istock

لا أحد يمكنه الجزم بما قد تسفر عنه انتخابات الرئاسة الأمريكية، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فالرئيس دونالد ترامب ما زال يتمتع بدعم قاعدته الانتخابية وتوحد الحزب الجمهوري بشكل عام خلفه، لكن الاحتجاجات العنيفة التي فجّرتها جريمة عنصرية بدأت تُلقي بظلال من الشك يزداد سمكها وقتامتها مع مرور الوقت، فهل تلاشت بالفعل فرص ترامب في الفوز بفترة رئاسية ثانية؟

ماذا تقول استطلاعات الرأي؟

أظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس، أمس الثلاثاء 2 يونيو/حزيران، أن معظم الأمريكيين يتعاطفون مع الاحتجاجات التي تعمّ البلاد رفضاً لمقتل المواطن من أصل إفريقي جورج فلويد، على يد رجل شرطة أبيض هو ديريك تشيفين، بعدما جثم الشرطي بركبته على رقبته.

الاستطلاع الذي أُجري يومي الإثنين والثلاثاء توصّل إلى أن 64% من الأمريكيين البالغين "يتعاطفون مع من يخرجون للتظاهر في الوقت الحالي"، فيما قالت نسبة 27% منهم إنها لا تشعر بالتعاطف مع المحتجين، وقال 9% إنهم غير متأكدين.

احتجاجات أمريكا/رويترز

بينما قال أكثر من 55% من الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع إنهم لا يوافقون على طريقة تعامل ترامب مع الاحتجاجات، بما في ذلك 40%، قالوا إنهم يرفضون ذلك "بشدة"، وهو ما يسلّط الضوء على المخاطر السياسية أمام ترامب، الذي اتَّبع نهجاً حازماً إزاء الاحتجاجات، وهدَّد بنشر الجيش الأمريكي لإخماد العنف.

ماذا عن موقف المنافس بايدن؟

كما جرت العادة، يتم إجراء استطلاعات رأي أسبوعية بين المرشح الجمهوري الرئيس الحالي ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، وتُظهر تلك الاستطلاعات أيضاً أن بايدن متقدم على ترامب، حيث أظهر استطلاع منفصل أجرته أيضاً رويترز/إبسوس، وظهرت نتائجه أمس الثلاثاء، أن فارق تفوق بايدن على ترامب وسط الناخبين المسجلة أسماؤهم قد اتسع إلى عشر نقاط مئوية، وهو أكبر هامش يُسجل منذ أن أصبح بايدن المرشح المفترض للحزب الديمقراطي في مطلع أبريل/نيسان.

وقال 47% من الناخبين المسجلين إنهم يعتزمون دعم بايدن في انتخابات الرئاسة، فيما عبر 37% عن تفضيلهم لترامب، وتعهّد بايدن بأنه لن يؤجج نيران الكراهية، وذلك في كلمة ألقاها أمس الثلاثاء، وتطرّق فيها إلى الاضطرابات.

ماذا يمكن أن يعني ذلك؟

بصفة عامة، عادة ما تكون استطلاعات الرأي مؤشراً دقيقاً إلى حدٍّ كبير على موقف مرشحي الرئاسة، لكن ذلك لا يعني أن الأمور أصبحت محسومة بالطبع لصالح بايدن، وذلك لسببين رئيسيين، أولهما أن الوقت لا يزال مبكراً، فالانتخابات ستُجرى بعد خمسة أشهر بالتمام والكمال من اليوم (موعدها الثابت 3 نوفمبر/تشرين الثاني)، والسبب الثاني أنه من بين الحالات القليلة جداً التي جاءت بها نتيجة الانتخابات مغايرة لاستطلاعات الرأي، كانت من بينها حالة ترامب نفسه في الانتخابات السابقة.

ترامب وصف الاحتجاجات بأنها "إرهاب محلي" / رويترز

كان ترامب يتنافس على الرئاسة ضد هيلاري كلينتون -سيدة أمريكا الأولى لمدة ثماني سنوات مع زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون ووزيرة خارجية سابقة في ظل إدارة باراك أوباما سلف ترامب- وكانت أغلب استطلاعات الرأي تصبّ في صالح الديمقراطية كلينتون، لكن في النهاية فاز ترامب الجمهوري الذي يفتقد لأي خبرة سياسية بالرئاسة.

على ماذا يعول ترامب؟

الإجابة عن هذا السؤال تحمل في طياتها الكثير لرسم صورة عن السيناريوهات المتوقعة لنتائج ما قد تكون بالفعل الانتخابات الرئاسية الأهم، ليس فقط في تاريخ الولايات المتحدة، بل في تاريخ العالم ككل، لأسباب ليس مهنا مجالها، وإن كانت تتلخص في تراجع السيطرة الأمريكية على العالم واستعداد الصين للانقضاض على تلك المكانة من ناحية، وفي وصول العنصرية داخل المجتمع الأمريكي لمرحلة خطيرة تهدد بانفجار داخلي، ربما يؤدي لما هو أبعد مما تشهده البلاد حالياً من مظاهرات حاشدة وعنف.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال استبعاد "التأثير الترامبي" عن تلك الأحداث، صحيح أن العنصرية داخل المجتمع الأمريكي أمر متجذر ومتأصل منذ نشأتها قبل أقل من ثلاثة قرون، إلا أن وصول باراك أوباما -أمريكي من أصل إفريقي- إلى البيت الأبيض كان يفترض به أن يمثل نهاية لتلك العنصرية إلى غير رجعة، لكن ما حدث هو العكس، حيث يمثل انتخاب ترامب في حد ذاته انتصاراً للعنصرية التي يعتبر ترامب واحداً من أبرز قادتها المؤثرين.

شعار ترامب الانتخابي "أمريكا أولاً" في حد ذاته تجسيد لتلك العنصرية، فأمريكا التي يقصدها ترامب ويوجه خطابه لها هي "أمريكا البيضاء" -فهو أحد أبرز أنصار تفوق الرجل الأبيض- وقاعدته الانتخابية من الأنجيليين والكاثوليك من البيض أوصلته بالفعل للبيت الأبيض، إضافة بالطبع إلى عوامل أخرى تتمثل في لوبي قوي ومنظم من أصحاب المليارات من أصدقاء ترامب نفسه، وتكريس الإعلام اليميني، وبصفة خاصة الفيسبوك وشبكة فوكس نيوز لدعمه.

وبعد أن أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، لم يسعَ ترامب لتغيير أسلوبه الصارخ ولا حتى التقليل من تعليقاته العنصرية أو تهذيبها لتتناسب مع المنصب الذي تحكمه بروتوكلات وأعراف، بل وحتى قوانين، إنما ما حدث هو العكس تماما، بمعنى أن ترامب حاول وما زال أن يغير كل شيء ليتناسب مع شخصيته وقناعاته، وكمثال واحد من قائمة طويلة نذكر هنا تغريداته بشأن أربع نائبات في الكونغرس الأمريكي، بقوله عنهن: "لماذا لا يعدن لإصلاح البلدان المحطّمة التي تحكمها الجريمة التي جئن منها؟"

ترامب كان يقصد النائبات إلهان عمر (من أصل صومالي)، ورشيدة طليب (من أصل فلسطيني)، وأليكسندريا كورتيز (من أصل أمريكي لاتيني)، وأيانا بريسلي (من أصل إفريقي)، أي أنه على الرغم من كونهن ليس فقط مواطنات أمريكيات، بل أيضاً انتخبن كأعضاء في مجلس النواب فإن ترامب يراهن "غير أمريكيات"!

ترامب إذن يعول على قاعدته الانتخابية نفسها للفوز بفترة رئاسية ثانية، ولا يوجد مؤشر واحد على أنه يمكن أن يسعى لكسب أصوات ناخبين آخرين من خارج تلك القاعدة، وما الداعي لذلك إذا كانت تلك القاعدة لم يطرأ عليها تغيير، وستدعمه مرة أخرى؟

الظروف تغيرت بشكل جذري

لو أن الانتخابات الأمريكية لم تتزامن مع هذا العام 2020، الذي شهد ولا يزال أحداثاً جساماً غير متوقعة، لكانت مسألة فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية أمراً شبه محسوم على أقل تقدير، حتى في ظل تصاعد العنصرية بشكل لافت في أمريكا.

الشرطي ديريك شوفين أثناء اعتقاله بعنف لجورج فلويد الذي توفي في وقت لاحق – مواقع التواصل

فعلى الرغم من عنصرية ترامب وترجمتها إلى زيادة لافتة في جرائم الكراهية، إلا أن ازدهار الاقتصاد الأمريكي بصورة لافتة وتوفير ملايين فرص العمل كان يمثل ورقةً أساسية تكسّرت عليها الهجمات المستمرة من جانب الديمقراطيين ووسائل الإعلام التقليدية على ترامب، بل ومحاولة عزله من منصبه، ففي نهاية الأمر تمثل لقمة العيش ورغدها عنصراً أساسياً لا يمكن إغفالها عند الوقوف أمام صناديق الاقتراع.

لكن جاء وباء كورونا ليطيح بتلك الورقة من بين يدي ترامب، وتجعله خصماً يمكن هزيمته، حتى لو كان منافسه جو بايدن الذي لا يتمتع بما يكفي من "الكاريزما"، والذي عمل 8 سنوات نائباً لأوباما، كما أن الوباء أسهم في حسم أمور الحزب الديمقراطي سريعاً، ووقف نزيف المنافسة بين الطامحين إلى الفوز بالترشيح، وتلك أيضاً كانت نقطة مهمة في صالح ترامب، الذي يحظى بما يشبه الإجماع بين الجمهوريين.

والآن جاء مقتل جورج فلويد وما تبعه من احتجاجات لا تزال تتمدد وتتسع رقعتها لليوم الثامن على التوالي، لتتلاشى معها على الأرجح فرصُ فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية، بعد أن أظهر تعامله العنيف والديكتاتوري مع المظاهرات بأمريكا بمظهر إحدى دول العالم القمعية والديكتاتورية، وهو ما يمثل خطاً أحمر لغالبية الأمريكيين المعتزين بحرياتهم.

وقد نشرت شبكة ABCNEWS تحليلاً أعدته ساره لونجويل من جماعة "جمهوريون من أجل حكم القانون"، شمل مقارنةً بين موقف ترامب وموقف بايدن من الاحتجاجات على مقتل فلويد، وجاء فيه ملخص للموقف الانتخابي للرجلين.

فبينما ركَّز ترامب في خطابه على "العنف" ووصف المتظاهرين بأنهم "بلطجية" و"إرهابيين محليين"، وهدد بعسكرة الأزمة ونشر الجيش في الشوارع ونفذ تهديداته بالفعل في محيط البيت الأبيض، جاء حديث بايدن هادئاً ومركزاً على أهمية "الوحدة بين الأمريكيين وحقهم في التعبير عن الرأي بشكل سلمي"، وهو ما سيكون له أثر لا يمكن الاستهانة به في صناديق الاقتراع، هذا بالطبع في حال سارت الأمور في مسارها الطبيعي وأُجريت الانتخابات بالفعل في موعدها.

تحميل المزيد