واصل الجنيه المصري تراجعه التدريجي الذي بدأ قبل عيد الفطر، في وقت قالت وكالة بلومبيرغ إن الجنيه المصري مقوَّم بأعلى من قيمته الحقيقية بنسبة 16%.
وقبل عيد الفطر بنحو أسبوعين، كان سعر البيع للجنيه المصري مقابل الدولار 15.7 والشراء 15.80، ولكنه منذ ذلك الوقت بدأ دورة تراجع بطيئة، تواصلت بعد إجازة العيد، ليصل اليوم الأربعاء 3 يونيو/حزيران إلى 16.03 للشراء و16.13 للبيع، كاسراً حاجز الـ16، وهو حاجز نفسي مهم للعملة المصرية التي تسبب التعويم في عام 2016 في تراجعها من نحو تسعة جنيهات إلى أن مستوى لامست فيه العشرين جنيهاً مقابل الدولار، ثم عادت لتسجل ارتفاعاً لافتاً خلال السنوات الماضية لتصل إلى نحو 15.5 جنيه كل دولار قبل أزمة الكورونا.
وقال تقرير لوكالة بلومبيرغ إنه خلال الربع الأول من العام الحالي أصبحت معظم العملات الإفريقية بأقل من قيمتها الحقيقية، مع ثلاثة استثناءات: الجنيه المصري، والنيرة النيجيرية، والشلن الكيني.
كم قيمة الجنيه المصري وفقاً لتقديرات بلومبيرغ؟
قيمة العملة المصرية مبالغ بها 16%، إذا تم قياسها بسعر الصرف الفعلي الحقيقي الحالي بالنسبة لمتوسط الخمس سنوات، حسب تقديرات الوكالة الأمريكية.
وإذا تم قياس هذه النسبة لسعر الجنيه أمام الدولار اليوم البالغ نحو 16، فإن هذا يعني أن الدولار يجب أن يرتفع لتصبح قيمته 18.56 جنيه، أي بزيادة مقدارها 18.56، وفقا لتقديرات بلومبيرغ.
وبهذا المقياس فإن النيرة النيجيرية مبالغ في قيمتها بنسبة 10%، والشلن الكيني بنسة 8%، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبيرغ.
وأشار التقرير إلى أن العملة في نيجيريا ومصر تخضع لتعويم مدار، في حين أن الشلن معوم بشكل كامل مع تدخل البنك المركزي في بعض الأحيان.
هل يعني ذلك انهيار الجنيه المصري؟
هذا الأمر لا يعني على الفور أن هناك انخفاضاً كبيراً في قيمة العملة في هذه الدول، حسب نيفيل مانديميكا ودانييل كافيش المحللين في راند ميرشانت بنك في جوهانسبرغ.
إذ إن البنوك المركزية في الدول الثلاث لديها احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية، يمكنها استخدامها للدفاع عن عملاتها.
ولكن في حال إصرار الدول الثلاث على الإبقاء على سعر العملة الحالي، فإن ما سنراه على الأرجح هو استنزاف احتياطي من العملات الأجنبية أسرع في هذه الأسواق، لأنها تسعى إلى حماية القوة الشرائية لعملتها.
السوق السوداء تظهر بعد انهيار السياحة وتراجُع كل مصادر الدولار
وتعاني مصر كغيرها من دول العالم من تراجع إيراداتها من الدولار، جراء توقف السياحة وتراجع تحويلات العاملين بالخارج.
كما تراجعت إيرادات قناة السويس بمقدار 2.4 مليار دولار، وانخفضت بنسبة 12% في شهر مايو/أيار 2020، على أساس سنوي في ظل انتشار فيروس كورونا، وما نتج عنه من تراجع الطلب العالمي على البضائع.
كما خرجت كثير من الأموال الساخنة التي تستثمر في الأوراق المالية الحكومية، ما أدى إلى تراجع الاحتياطي النقدي، ويبدو أن مواصلة الدفاع عن سعر العملة ستؤدي إلى مزيد من الاستنزاف له.
وأفاد متعاملون لـ"عربي بوست" بأن السوق السوداء ظهرت مرة أخرى في مصر، وبلغت قيمة الجنيه يوم الأربعاء 3 يونيو/حزيران الجاري، 16.35 لكل دولار.
العودة لصندوق النقد مجدداً
وقبل التعويم وبعده عانى الاقتصاد المصري من الدولرة، أي تحويل المصريين لمخدراتهم بالدولار، حتى أن بعض ربات البيوت في البلاد كن يدخرن بالدولار.
ولكن التعويم الذي جاء كأحد شروط حزمة المساعدات التي قدمها صندوق النقد بقيمة 12 مليار دولار لمصر عام 2016 أوقف المضاربة على الجنيه المصري، ولكن أدى إلى موجة غلاء غير مسبوقة للبلاد.
وبعد أزمة كورونا لجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي مجدداً.
إذ وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، على إقراض مصر 2.772 مليار دولار، من خلال من خلال "أداة التمويل السريع" (RFI) لاحتواء الأثر الاقتصادي والمالي لجائحة كورونا.
كما يعمل خبراء الصندوق مع الحكومة المصرية أيضاً لدعم سياساتها الاقتصادية الكلية القوية من خلال "اتفاق الاستعداد الائتماني".
وتوقع معهد التمويل الدولي أن يوافق الصندوق على إقراض مصر وفقاً لاتفاقيات الاستعداد الائتماني لمدة عامين، مع إمكانية للحصول على قرض يمثل نحو 200% من إجمالي حصتها (5.6 مليار دولار)، لتصبح قيمة القروض الإجمالية المتوقع أن تحصل عليها مصر من صندوق النقد الدولي 8.4 مليار دولار.
هل قيّد البنك المركزي قدرة المصريين على شراء الدولار؟
يبدو أن البنك المركزي المصري كان يتوقع هذا الانخفاض، ولذا عمد إلى تقليل السيولة في السوق لضمان منع الدولرة، حسبما قال متعاملون ومستوردون لـ"عربي بوست".
إذ إنه رغم تخفيضه سعر الفائدة وجّه البنك المركزي أكبر بنكين في البلاد، وهما الأهلى ومصر، لطرح ودائع بسعر فائدة مرتفع، ما جذب ودائع تُقدّر بنحو 150 مليار جنيه مصري، كما فرض البنك المركزي قيوداً على مقدار الأموال التي يستطيع العملاء سحبها من البنوك، وهو ما يقلل فعلياً من قدرة المتعاملين على شراء الدولارات من السوق الموازية.
ويبدو أنه الحكومة المصرية قررت السماح للجنيه بالتراجع وعدم الدفاع عنه بشكل مبالغ به حتى تتجنب تبدد الاحتياطات التي تكونت بعد التعويم، على أن يكون هذا التراجع بشكل تدريجي، حتى لا يسبب حالة من الهلع مثلما حدث قبل وأثناء التعويم.
كما يمكن أن يكون التخفيض التدريجي الذي بدأ قبل عيد الفطر، استجابة لضغوط صندوق النقد الذي يميل عادة إلى فكرة التحرير الحقيقي للعملات.
ويمكن وصف ما يحدث بأنه قد يكون التعويم الثاني، ولكن بشكل أكثر هدوءاً، حسبما قال خبير اقتصادي مصري رفض الكشف عن هويته لـ"عربي بوست".
إلا أنه من المتوقع أن يؤدي تراكم الانخفاضات في سعر الجنيه لارتفاع في أسعار السلع، وتضخم، وسيشكل ذلك عبئاً كبيراً على المواطنين، ولكن من شأنه أيضاً أن يحفز المواطنين على استباق الغلاء المحتمل عبر زيادة الشراء، خاصة العقارات والسيارات وغيرها من السلع المرتفعة الثمن، التي تكاد تكون توقفت أسواقها تماماً بسبب جائحة كورونا.
وفي كثير من دول العالم، تفضل الحكومات قليل من التضخم على الركود التام الذي تسببه الجائحة.