بعد سحق معارضيه السياسيين وفوزه بولاية جديدة، يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد مهد الطريق للوفاء بالوعد الأكثر إثارة للجدل والانقسام في حملته: ضم أراضي الضفة الغربية المحتلة، حلم المستوطنين اليهود اليمينيين.
بيد أنه، وقبل شهر واحد من الموعد المقرر لفرض السيادة الإسرائيلية على مساحات شاسعة من الأراضي التي يستند إليها الفلسطينيون في تحقيق حلمهم بدولة مستقبلية، يُواجه نتنياهو فجأة بمقاومة شديدة، أهمها بروز اعتراضٍ غير متوقع في صفوف قادة المستوطنين الذين حرضوا على ضم تلك الأراضي طيلة سنوات، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية.
يرفضون قيام أي دولة فلسطينية
إذ يزعم هؤلاء المعترضون أن خطة نتنياهو ستفتح الباب أمام دولة فلسطينية، في حين تنهي أي توسع للمستوطنات الإسرائيلية في جزء كبير من الضفة الغربية، ومن ثم تقتل المشروع الديني الصهيوني الرامي إلى تحقيق الهيمنة على ما يُزعم أنه حدود الوطن التوراتي اليهودي بأكمله.
يقول بيزاليل سموتريتش، وهو أحد نواب الكنيست المتحمسين بشدة لمسار الضم، إن الأمر "إما هذا وإما لا"، أي "إما أن يكون للمستوطنات مستقبل في تلك الأراضي، أو أن تكون للدولة الفلسطينية، لكن ليس لكليهما".
غير أن المعارضة الشرسة غير المتوقعة، إلى جانب الإشارات المختلطة من إدارة ترامب ودعوات التريث بالقرار الأخيرة، تثير الشكوك والتساؤلات حول ما إذا كان نتنياهو سيفي فعلاً بتعهداته الخاصة بالضم، رغم كل شيء.
على اليسار، كان مؤيدو حل الدولتين يدقون ناقوس الخطر منذ شهور، قائلين إن قرار الضم الإسرائيلي من جانب، والذي ستدينه معظم دول العالم باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي، سيمثل مخالفة للالتزامات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بموجب اتفاقيات السلام السابقة، وتدميراً لأي أمل كان باقياً في اتفاق ينهي الصراع.
وعلى النحو نفسه، بدأ مسؤولون عسكريون إسرائيليون حاليون وسابقون في مراجعة الأمر أيضاً، محذرين من أن الضم قد يشعل موجة جديدة من العنف في الضفة الغربية، ويجبر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على اتخاذ موقف متشدد حيال إسرائيل، وهو ما يعرض اتفاقية السلام المعقودة بين الطرفين لخطر جسيم.
العقبة الأشد إرباكاً لنتنياهو
ومع ذلك، فإن المعارضة الناشئة بين المستوطنين هي التي من المحتمل أن تشكّل العقبة الأشد إرباكاً. أصدر نتنياهو الوعود بالضم على مدار ثلاث حملات انتخابية متتالية العام الماضي، وفي يناير/كانون الثاني، حاز وعده دعمَ إدارة ترامب، التي تسمح خطتها للسلام لإسرائيل بالاحتفاظ بما يصل إلى 30% من أراضي الضفة الغربية، وهي تشمل وادي الأردن بالإضافة إلى جميع المستوطنات اليهودية القائمة، في خطة تعدها معظم دول العالم خطةً غير قانونية.
ومع ذلك، فإن الأصوات الأشد اعتراضاً في المستوطنات، وهي تضم نشطاء مؤثرين ورؤساء بلديات وقادة مجتمعيين، تجادل بأن رؤية نتنياهو للضم "مصيبةٌ تنذر بموت الصهيونية الدينية".
واستناداً إلى خريطة لم تُنشر بعد لخطة الضم التي يعدها نتنياهو بالتعاون مع إدارة ترامب، يقول هؤلاء المعارضون للخطة إنها تترك كثيراً من تلك المستوطنات اليهودية في جيوب منفصلة تحول بينها وبين التواصل والتوسع فيما بينها. ويقولون إنها ستعزل ساكنيها أكثر عن بقية إسرائيل، وتمنح الفلسطينيين السيطرة على طرق يمكن أن تحول الرحلة إلى القدس التي تستغرق 35 دقيقة إلى رحلة صحراوية دائرية تستغرق ساعتين أو أكثر.
ويذهب المعترضون إلى أن النتيجة ستكون تفريغ المستوطنات من مضمونها، فبحسب يوشاي دامري، الزعيم المحلي للمستوطنين ورئيس المجلس الإقليمي لجنوب جبل الخليل في الضفة الغربية، "لن يرغب أحد في العيش في جيب منعزل، ولن يرغب أحد في بناء منزل في جيب، ولن يتمكن أحد من بيع منزله في جيب".
لكن هناك أقلية من المستوطنين تدعم الخطة
ومع ذلك، فإن هناك أقلية من قادة المستوطنات يدعمون نتنياهو وخطته، وهم في أغلبهم من المجتمعات القريبة من الخط الأخضر الفاصل بين الحدود التي احتلتها إسرائيل في 1948 والتي احتلتها في 1967، وتفصل الحدود الإسرائيلية عن الضفة الغربية. فكثير من هذه المناطق لا يسكنها مستوطنون إيديولوجيون، وإنما أشخاص انتقلوا إلى هناك بحثاً عن سكن ميسور التكلفة أو نوعية حياة أفضل.
ويذهب هؤلاء إلى أن السيادة الإسرائيلية على تلك المناطق ستزيل علامات استفهام كانت تكتنف وضعهم في تلك المناطق. أي ستشكل إقراراً بأن الأماكن التي يعيشون فيها باتت جزءاً من إسرائيل إلى الأبد، بحسب عمدة مستوطنة "أورانيت".
وتتوخى خطة السلام التي وضعتها إدارة ترامب أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على غور الأردن والمستوطنات القائمة في الضفة الغربية، في حين تسمح للفلسطينيين بنوع من السيادة المحدودة في مكان آخر. وإلى جانب ذلك، فإنها تشترط على الفلسطينيين انتزاع سلاح حماس وقبول الخضوع لسيطرة أمنية إسرائيلية والاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية والتخلي عن هدف الحصول على عاصمة لدولة فلسطينية في القدس الشرقية، إضافةً إلى مجموعة من الشروط الأخرى التي يرى البعض أنه يستحيل القبول بها.
على الجهة الأخرى، يجادل بعض مؤيدي خطة الضم بأن هذه الشروط تحول دون أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، لذا لا داعي للمخاوف التي يبديها المستوطنون المعارضون.
يخشون من قدوم إدارة أمريكية جديدة تبدد طموحاتهم التوسعية
ومع ذلك، فإن داعمين متحمسين للخطة مثل سموتريش، يعتقدون أن إدارة أمريكية جديدة في الحكم يمكن أن تتخلى عن تلك الشروط. ومن ثم، "قد تُفقد السيطرة بسرعة، والنتيجة الأساسية ستكون قيام دولة جديدة مثل غزة".
أما النقاش المعارض للخطة في اليمين الإسرائيلي، فيدور بالأساس حول ما إذا كانت مساعي نتنياهو لفرض سيادة إسرائيلية على الضفة الغربية هي حيلة لجعل المستوطنين يوافقون على دولة فلسطينية، أو ما إذا كانت خطة ترامب للسلام مجرد حيلة للحصول على مؤيدين لخطة "حل الدولتين" تتماشى مع خطة الضم الإسرائيلية.
ويقول سموتريش إن المستوطنين يعتقدون أن الإدارة الأمريكية منقسمة حيال الخطة إلى معسكرين: الأول بقيادة ديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، يتألف من أشخاص "لا يريدون حقاً إقامة دولة فلسطينية ويردون خريطة مرضية لإسرائيل"، والآخر بقيادة صهر ترامب، كوشنر، الذي يبدو أكثر انخراطاً والتزاماً بدعم خطة ترامب للسلام، بعد أن قاد بنفسه عملية وضعها وعمل بجد لكسب الدعم لها في العالم العربي.
ويقول سموتريش إنه يفضل الوضع الراهن على أي خطة تفكّر، ولو مجرد تفكير، في السماح لدولة فلسطينية على حساب توسع المستوطنات اليهودية. وأضاف في تلخيص لرؤيته: "لا أريد طرقاً مختصرة تضر بقدرات إسرائيل على فرض الحقائق على الأرض أو تقيد من توسع المستوطنات. إذا كانت خريطة السيادة مواتية لتطلعاتنا، فسأقبلها بأذرع مفتوحة. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فأنا أفضل المضي قدماً بدونها. سنثابر ونعمل بجد ونقيم مزيداً من المستوطنات ونقاتل الفلسطينيين لعشرين سنة أخرى"، حسب وصفه.
وتابع: "خلال 20 سنة، لن تملك الحكومة الأمريكية سوى منح إسرائيل السيادة على كل الأراضي، لأنه ستكون هناك مستوطنات إسرائيلية في كل هذه الأراضي".