نعم أمريكا تحدق بها كارثة كبرى وهي في خضم جائحة، ففي منتصف فصل الصيف، يلوح بالأفق إعصار يتوجه إلى ولاية فلوريدا في ذروة أزمة كورونا.
الإعصار الذي يُتوقع أن يتكون قبالة ساحل فلوريدا، يهدد بإحداث تدمير هائل وانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع. في الأوقات العادية، في مثل هذا السيناريو، تكون هناك أوامر من الولاية بإجلاء ملايين من سكان المناطق الساحلية.
وإليكم كيف سيتم إجلاء الملايين في خضم هذا الوباء، وكيف يمكن ضمان ألا يتسبب هذا الإجلاء في انتشار عدوى كورونا.
فقد يؤدي الانتقال المؤقت مع أحد الأقارب إلى تعريض أفراد العائلة من كبار السن لفيروس كورونا.
لذلك قد يخشى أصدقاء وأقارب سكان فلوريدا من خروجهم خارج الحجر الصحي؛ مما قد يؤدي إلى زيادة الإصابة بفيروس كورونا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
كما يشعر الأشخاص الذين قد يحجزون رحلة خارج المدن المتوقع تعرُّضها لآثار الإعصار، بالقلق من الإصابة بالعدوى في الطائرة.
على الجانب الآخر، قد لا يستطيع أكثر من 1.5 مليون شخص من سكان فلوريدا -العاطلين عن العمل الآن- تحمُّل تكلفة شراء الغاز أو استئجار غرفة في فندق صغير.
إعصار يتوجه إلى ولاية فلوريدا في ذروة أزمة كورونا.. فهل يلجأ السكان لملاجئ الطوارئ؟
الخيار الأخير أمام سكان فلوريدا في أثناء العواصف هو ملاجئ الطوارئ، حيث يتجمع مئات الأشخاص في صالات الألعاب الرياضية بالمدارس الثانوية، ويتقاسمون الحمامات العامة ويصطفون لتناول وجبات على طراز البوفيه.
هذه هي معضلة التخطيط التي تواجه الآن مديري الطوارئ في جميع أنحاء الجنوب الشرقي للولايات المتحدة قبل 1 يونيو/حزيران 2020، البداية الرسمية لموسم الأعاصير الذي يتوقع خبراء الأرصاد الجوية أن يكون نشطاً للغاية.
وتوقعت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي هبوب ما يصل إلى ست عواصف مصنفة من الفئة 3 أو أعلى. وجرى تشكيل نظام يسمى "العاصفة الاستوائية آرثر"، بالفعل في مايو/أيار 2020.
أوامر حكومية متناقضة
إذا حدثت عاصفة كبيرة خلال هذا الصيف، فقد يسمع الأشخاص المعرضون للأذى نصائح مربكة ومتناقضة من السلطات: مثل ابقَ في المنزل وطبِّق إجراءات التباعد الاجتماعي مع الآخرين؛ لتجنب الإصابة بفيروس كورونا. وكذلك يمكن تلقي نصائح بمغادرة المنزل -حتى لو كان ذلك يعني الاتصال الوثيق مع الآخرين- لتكون آمناً خلال الأعاصير الخطيرة.
من جانبه، قال جاريد موسكوفيتش، مدير قسم إدارة الطوارئ في فلوريدا: "سنحتاج إجلاء السكان نتيجة هذا التهديد الناشئ، وسوف نضطر -بلا شك- إلى موازنة المخاطر".
لقد قاوم بعض الناس في الهند وبنغلاديش عمليات الإجلاء عندما ضرب إعصار قويٌّ البلاد، الأسبوع الماضي. كذلك كافحت المجتمعات في ميشيغان، بعد فيضان نهرٍ وانهيار سدَّين، وفي ولاية أركنساس بعد إعصار، مؤخراً، لإيواء أعداد كبيرة من الناس بأمان.
في الآونة الأخيرة، تسببت الأعاصير بفلوريدا في متاعب كثيرة، حيث تعرضت الولاية لما لا يقل عن خمسة أعاصير على مدى السنوات الأربع الماضية، من ضمنها إعصار إيرما في عام 2017، وإعصار مايكل في 2018، وإعصار دوريان في عام 2019.
لقد كان هناك احتمال بحدوث موسم عواصف آخر مرهق حتى قبل ظهور فيروس كورونا في فلوريدا، والذي أدي إلى إصابة أكثر من 50000 شخص ووفاة أكثر من 2000 شخص منذ بداية مارس/آذار 2020.
وقال موسكوفيتش إن العاصفة الخفيفة قد لا تتطلب عمليات إجلاء كثيرة، فالسكان الذين لديهم منازل حديثة بُنيت لتحمُّل الرياح القوية، يمكن أن يكونوا أكثر أماناً في مكانهم من مغادرة منازلهم، طالما لا يعيشون في منطقة منخفضة عرضة لحدوث العواصف.
لكن الخبراء يستعدون دائماً لأسوأ الحالات: عاصفة ضخمة تصل عبر شبه الجزيرة بأكملها، أو تضرب مدينة كبيرة مثل ميامي أو تامبا مباشرة.
خلال إعصار إيرما، الذي وصل لليابسة في جزر فلوريدا كيز وانتقل إلى الشمال، حيث لجأ نحو 350.000 شخص إلى الملاجئ.
في إرشادات العواصف الجديدة، أوصت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بإنشاء ملاجئ صغيرة تَسَعُ لأقل من 50 شخصاً. لكن الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ أقرت بأن الملاجئ الكبيرة "ستظل ضرورية".
الحل قد يكون في نقل المنكوبين للفنادق
للعثور على بدائل لتوزيع الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم على مساحات أكبر، وضع فريق موسكوفيتش خريطة للفنادق -جنباً إلى جنب مع تصنيفها لمقاومة الرياح وما إذا كان لديهم مولِّد طاقة- التي يمكن اتخاذها كملاجئ. كما قام قسم إدارة الطوارئ بتطوير تطبيق يمكن أن تستخدمه المقاطعات لتوزيع الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم على تلك الفنادق.
وقال فرانك رولاسون، مدير إدارة الطوارئ في مقاطعة ميامي داد، إن ملاجئ المدارس التقليدية لن يكون هناك مفر منها، على الأقل في المناطق المكتظة بالسكان. وقال إن هناك 20 فندقاً فقط في ميامي داد تقع خارج منطقة إجلاء العاصفة، وقد يجري حجز عديد من غرف الفنادق من قِبل الضيوف الذين جرى إجلاؤهم من الفنادق الساحلية، أو من قِبل الطواقم التي جرى نشرها مسبقاً لاستعادة الكهرباء أو خدمة الهاتف بعد العاصفة.
إجراءات لمحاولة اكتشاف مرضى كورونا، ولكنها لن تكون كافية بأية حال
ولا يعوّل رولاسون على إتاحة الاختبار السريع على نطاق واسع لتحديد المرضى بشكل موثوق من بين الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم.
وقال إن أولئك الذين يدخلون إلى الملاجئ سيجرى قياس درجات حرارتهم وطرح أسئلة عليهم حول الأعراض ومخالطة المصابين عند وصولهم، ويفضَّل أن يكون ذلك في الداخل بالردهة؛ حتى لا يضطروا إلى الوقوف في الطابور بالخارج والتعرض للأمطار.
واستدرك رولاسون: "لكنهم سيدخلون ولن نرفض أي شخص".
وقال موسكوفيتش إنه سيكون من الصعب الحصول على متطوعين للعمل في الملاجئ إلى جانب موظفي المقاطعة، وإن الولاية قد تعيّن عمالها أو قد توظف العاطلين مؤقتاً. وأضاف أن فلوريدا خصصت 10 ملايين كمامة للاستخدام في أثناء الأعاصير.
سيارات أوبر لإجلاء المتضررين
لإرسال الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم إلى مقاطعات أخرى -من جزر كيز المعرَّضة للأخطار، على سبيل المثال- قد يضطر مديرو الطوارئ إلى استئجار مزيد من الحافلات؛ حتى يتمكن الركاب من الجلوس على مسافة آمنة، بعضهم من بعض. وقال موسكوفيتش إن الولاية تُجري محادثات مع شركة أوبر لتوفير رحلات فردية إذا لزم الأمر.
بعد العاصفة، ستظهر مجموعة من المخاوف الأخرى. وسط الأزمة الاقتصادية، قد يحتاج مزيد من الناس وجبات الطعام، ربما لمدة أسبوع أو أكثر. ومن المرجح أن تستغرق استعادة الكهرباء وقتاً أطول، لأن طواقم المرافق ستعمل في ظل ظروف غير عادية.