في تطور جديد على الساحة الليبية، قالت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، في بيان اليوم الثلاثاء، إن روسيا نشرت مؤخراً مقاتلات عسكرية في ليبيا لدعم مرتزقة من الروس يقاتلون هناك. وبحسب البيان الذي أُرفق معه صور للمقاتلات الحربية الروسية، "فمن المرجح أن توفر الطائرات العسكرية الروسية دعماً جوياً وثيقاً ونيراناً هجومية لمجموعة فاغنر التي تُساند قوات حفتر في قتال حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً". مضيفاً أنَّ الطائرات وصلت من قاعدة جوية في روسيا بعد أن توقفت في سوريا، حيث أعيد طلاؤها للتمويه على أصلها الروسي.
ما الذي تحاول روسيا فعله الآن؟
يقول قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، الجنرال ستيفن تاونسند، تعقيباً على ذلك: "من الواضح أن روسيا تحاول قلب الميزان لصالحها في ليبيا. مثلما فعلت في سوريا، إنهم يوسِّعون وجودهم العسكري في إفريقيا باستخدام مجموعات المرتزقة المدعومة من الحكومة مثل فاغنر".
ويرى تاونسند أن روسيا التي أنكرت لفترة طويلة المدى الكامل لتورطها في الصراع الليبي المستمر، لا تستطيع إنكار ذلك الآن. "لقد شاهدنا بدقة إرسال موسكو الجيل الرابع من المقاتلات النفاثة إلى ليبيا".
وبحسب البيان العسكري الأمريكي، استخدمت روسيا مرتزقة فاغنر في ليبيا لإخفاء دورها المباشر هناك، وتقدر القيادة الأمريكية الإفريقية أن العمليات العسكرية التي قامت بها موسكو قد أطالت الصراع الليبي وفاقمت الخسائر البشرية والمعاناة من الجانبين.
ويقول تاونسند: "سمع الجميع أن حفتر أعلن أنه على وشك إطلاق حملة جوية جديدة على طرابلس، وقد يكون ذلك بواسطة طيارين من المرتزقة الذين سيُحلّقون بالطائرات الروسية لقصف الليبيين"، على حد تعبيره.
موازنة المعركة مع تركيا
لكنّ محللين عسكريين غربيين يرون أن هذه المقاتلات لن تُغيِّر شيئاً على الأرض، لأن حفتر لديه بالفعل طائرات مماثلة قيد الاستخدام، ولم يكن لها تأثير كبير في حسم المعركة لصالحه، لكن الطائرات الروسية قد تردع تركيا عن مهاجمة بعض قواعد حفتر الجوية، مثل قاعدة الجفرة.
فبحسب المحلِّلين الذين تحدَّثوا لموقع MEE البريطاني، لم يكن من الممكن نشر طائرات MiG-29s وSu-24s من دون قرار رسمي من موسكو، وصحيح أن لدى قوات حفتر مثل بعض هذه الطائرات مسبقاً، لكن هذه المرة الأمر مختلف، إذ إن الطائرات التي نشرت مؤخراً تابعة بشكل رسمي ومباشر لموسكو، ولهذا السبب لن يخاطر أحد بإطلاق النار عليها.
وبالتالي أصبح وجودها في سماء ليبيا يكفي لردع تركيا عن محاولة الهجوم على قاعدة الجفرة على سبيل المثال، من خلال توفير الحماية لهذه القاعدة الجوية الاستراتيجية لحفتر وروسيا. وبالتالي أصبحت روسيا تزيد من نفوذها في شرق ليبيا كمفاوض حاسم إلى جانب حفتر، خلال المرحلة المقبلة.
وكان رد فعل تركيا على نشر الطائرات الحربية الروسية فورياً، حيث غادرت العديد من رحلات الشحن الجوي من إسطنبول إلى مصراتة، بما في ذلك طائرات النقل الجوي التركية هرقل C-130 وطائرات إيرباص A400، بالإضافة إلى طائرة نقل عسكرية C-17 Globemaster III، مقدمة من قطر.
ويدعم هذا الجسر الجوي تعزيز الدفاعات التركية المنتشرة في طرابلس، وخاصة الأنظمة المضادة للطائرات التي تهدف إلى بناء قبة حماية حول طرابلس ومصراتة والقاعدة الجوية الوطنية (الوطية)، التي سيطرت عليها قوات الوفاق الأسبوع الماضي.
وبحسب محللي MEE، من غير المرجح أن تنشر أنقرة المزيد من الأصول الجوية لها في ليبيا، بغض النظر عن التوقعات التي تتحدث عن مساهمة مقاتلات F-16 التركية في الصراع الليبي، لأنه من المستبعد الآن وقوع أي قتال جوي تركي روسي مباشر في ليبيا. إذ لطالما كان هدف أردوغان في ليبيا إعادة التوازن لصالح حكومة الوفاق بالوكالة، وليس مواجهة مباشرة مع قوات دولة ما، كما رأينا في سوريا.
لكن ماذا عن انسحابات مقاتلي فاغنر من طرابلس؟
من جانبها، نشرت حكومة الوفاق الوطني الليبية، الثلاثاء، صوراً تُظهر انسحاب مرتزقة شركة "فاغنر" الأمنية الروسية في مدينة بني وليد، من محاور القتال جنوبي العاصمة طرابلس.
وقالت القوات التابعة لحكومة الوفاق إنّها رصدت هبوط 15 طائرة شحن عسكرية خلال 24 ساعة الأخيرة في مطار بني وليد (نحو 180 كيلومتراً جنوب شرق طرابلس)، على متنها أسلحة وذخائر وعتاد، مشيرة إلى أن الطائرات أقلت عند مغادرتها مرتزقة تابعين لشركة "فاغنر". وكان المتحدث باسم قوات حكومة الوفاق محمد قنونو قدّر عدد مرتزقة الشركة الروسية الذين فرّوا من طرابلس باتجاه مدينة بني وليد بنحو 1600 مقاتل.
وحول أسباب وتوقيت هذه الانسحابات فقد تكون هذه القوات أصبحت عبئاً على موسكو في أرض المعركة، خاصة بعد خسائرها المتتالية إلى جانب قوات حفتر، أمام قوات حكومة الوفاق وداعميها الأتراك، وفشلها التام في إحراز أي فارق على الأرض في الهجوم على طرابلس المستمر منذ نحو عام كامل، وبالتالي قد يكون انسحابها أصبح لا مفر منه، لصالح استخدام روسيا سلاح الجو كخطوة تالية، بهدف إحداث التوازن في المعركة مع تركيا التي دمرت طائراتها المسيرة معظم منظومات بانتسر الدفاعية الروسية في ليبيا، ومن ثم الدعوة لحل سياسي برعاية روسية، كما حدث في سوريا سابقاً بين أنقرة وموسكو.
محاولة لاستعادة سمعة السلاح الروسي
كان سقوط قاعدة الوطية الليبية في أيدي حكومة الوفاق وهروب الميليشيات التابعة لحفتر كشف عن ملامح منافسة عسكرية مكتومة بين تركيا من ناحية وروسيا من ناحية أخرى، خرج فيها السلاح التركي منتصراً على نظيره التركي، فقد بثت حكومة الوفاق مؤخراً، لقطات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تدمير منظومات بانتسر الروسية بسهولة، بواسطة طائرات بيرقدار التركية المسيرة.
وهذه ليست أول مرة يتعرض فيها السلاح الروسي لضربة كبيرة لسمعته، إذ دمرت الطائرات التركية المسيرة، العام الماضي، في معركة إدلب بسوريا، العديد من المنظومات الدفاعية الروسية التي كان يمتلكها نظام بشار الأسد، وهو ما أحدث فارقاً كبيرة في المعركة على إدلب، وأدى إلى إجبار الأسد وداعميه الروس على اللجوء لاتفاق وقف إطلاق النار في إدلب من أنقرة.
وبحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ الأمريكية، فقد أدت الطائرات التركية المسيرة إلى تحول كبير في سوريا، وخاصة طائرة "بيرقدار تي بي2" التي تنتجها شركة بيكار التركية التي سمّتها بلومبيرغ "الدرون القاتلة". وأشار التقرير إلى استقبال تركيا منذ فترة طويلة لمناورات عسكرية لحلف الناتو باسم "مناورة نسر الأناضول"، كان يتم فيها التدريب على ضرب أنظمة الدفاع الروسية، وهو ما تم تنفيذه على الأرض في معركة إدلب بنجاح. وأظهر حرص أنقرة على إظهار قدراتها الجوية وترسانتها من المسيرات العسكرية محلية الصنع.
وربما تكون خطوة موسكو الأخيرة بنشر طائرات مقاتلة من الجيل الرابع في ليبيا، من طراز ميغ 29 فولكروم وسوخوي 24، محاولة جديدة لترميم سمعة السلاح الروسي، إذ تعتمد روسيا التي احتلت المركز الثاني عالمياً في مبيعات الأسلحة، بشكل كبير، على سمعتها في المبيعات العسكرية لكثير من الدول، ولن يكون في صالحها على الإطلاق نجاح أنقرة في ترسيخ مشاهد تدمير منظومات بانتسر الدفاعية بسهولة، في أذهان زبائن موسكو الممتدين من الشرق إلى الغرب.