تعرَّض راكان الغلاييني لضربة قاسية، كان راكان، الذي عاد لوطنه السعودية بعد تخرجه في جامعة Northeastern University الأمريكية، قد عثر في بداية 2020 على فرصة عمل في صناعة الترفيه التي انطلقت حديثاً في المملكة، ضمن خُططٍ لإعادة تشكيل الاقتصاد المعتمد على النفط.
لكن في شهر مارس/آذار، حين اجتاحت جائحة فيروس كورونا المستجد السعودية وانهار سوق النفط، محت الأزمة وظيفته التي تقوم على جذب مئات الضيوف إلى أول مهرجان أفلام دولي تستضيفه المملكة. وتأجل الحدث لأجل غير مسمى، ما تركه هو والآخرين الذين أملوا أن يعملوا على تنظيمه عاطلين مجدداً. وقال الغلاييني، البالغ من العمر 26، لوكالة Bloomberg الأمريكية: "بَدَا مستقبلي مشرقاً بعد عام من عدم العمل. ماذا أفعل الآن؟ عدت إلى نقطة الصفر؟".
نقاط القوة تتحول إلى نقاط الضعف
حتى الشهر الماضي لم تكن الأعمال التجارية في السعودية قد شعرت بالتأثير الكامل للأضرار الناجمة عن هذه الأزمة. ومن المتوقع أن ينكمش الجانب غير النفطي من الاقتصاد السعودي لأول مرة منذ أكثر من 30 عاماً، بعدما تلقى ضربة مزدوجة متمثلة في هبوط أسعار النفط الخام وفرض حالة إغلاق نتيجة تفشي فيروس كورونا المستجد.
وعلى حين غرة، استحالت الكثير من نقاط القوة الناشئة حديثاً في المملكة إلى نقاط ضعف؛ ما يُهدد التحول الذي كان على وشك الحدوث هناك.
وفي الوقت الذي تدفع فيه الجائحة الاقتصاد السعودي إلى اتجاه تنازلي، يتأهب السكان في أنحاء المملكة للتكيُّف مع واقع جديد قاسٍ.
تَمسَّك نايف -البالغ من العمر 25 عاماً والذي يدير شركة للمناسبات- بوجهة نظر متفائلة في الشهر الماضي، بخصوص أي تحول منتظر. فقد أجبره التباطؤ الاقتصادي على إيقاف خطط التوسع مؤقتاً، لكنه تمكن من الاستمرار في دفع رواتب الموظفين بمساعدة قرضٍ مصرفيٍّ من دون فوائد بقيمة 750 ألف ريال (200 ألف دولار)، وهو جزء من حزمة حوافز حكومية، لكنه الآن يخشى أن يضطر لتسريح موظفيه.
ففي ظل استمرار الوباء والضغوط التي يتعرض لها المستهلكون، يخشى نايف أن تنهار الأعمال التجارية أمثال شركته، وألا يتمكن من تسديد القرض. طلب حجب اسمه الأخير حتى يتمكن من التحدث بحرية عن وضعه المالي.
"الوضع أسوأ بكثير"
قال نايف: "أعتقد أنَّ الوضع أسوأ بكثير جداً الآن". واكتسبت الحكومة في البداية بعض الوقت بفضل تقديم حزمة حوافز للشركات وخفض الإنفاق في جوانب أخرى. وكشف استطلاع رأي لشركة PricewaterhouseCoopers البريطانية أنَّ السعودية سجَّلت أعلى مستوى من الدعم الحكومي للشركات مقارنة بدول المنطقة.
لكن مع تفاقم الأزمة، اتَّخذت أكبر دولة مُصدِّرَة للنفط في العالم منعطفاً حاداً نحو التقشف في مايو/أيار، وهي خطوة من المرجح أن تضغط على الاستهلاك لفترة طويلة حتى بعد تَبدُّد صدمات العام الحالي. وأظهرت بيانات سابقة من شركة PricewaterhouseCoopers أنَّ التوقعات الاقتصادية كانت تسوء بالفعل في مختلف الشركات في جميع أنحاء المملكة.
وفي استطلاع رأي للرؤساء الماليين، في منتصف أبريل/نيسان، قال 77% من المشاركين في الاستطلاع من السعودية إنَّ الجائحة تسبب لهم "قلقاً كبيراً"، في ارتفاع من 55% قبل أسبوعين. وتوقع نصفهم تسريح موظفين خلال الشهر المقبل.
من جانبه، قال فوزي مدور، المؤسس المشارك لشركة تسمى Kalbonyani لتقديم خدمات استشارية بالمجان لمساعدة الأعمال التجارية على التكيف مع الجائحة، "أحرزنا تقدماً كبيراً لدرجة أنه في هذه المرحلة يصعب تخيل تحرك الوضع في أي اتجاه آخر".
خطة الإصلاح الاقتصادي تضررت بشدة
كان من المفترض أن يكون هذا العام نقطة تحول للمملكة ذات التقاليد المتشددة، وعلامة فارقة في خطة الأمير محمد بن سلمان لإصلاح الاقتصاد وتخفيف القيود الاجتماعية.
قبل بضعة أسابيع، شهد إنفاق المستهلكين ارتفاعاً حين بدأت الشركات أخيراً في التعافي من تأثير آخر تغيير في أسعار النفط في عام 2014. وكانت الرياض تعج بالمطاعم الجديدة التي يتردد عليها الأزواج المتغازلون في مشاهد كان من المستحيل في السابق تصور رؤيتها في السعودية.
لكن الآن، بات السكون يعمّ الشوارع بحلول الخامسة مساءً كل يوم بسبب حظر التجوال المفروض لإبطاء انتشار الفيروس. وأُغلِقَت المقاهي، وحتى المساجد، مع ارتفاع حالات الإصابة في مجمعات العمالة المزدحمة، في حين يقف رجال الأمن يحرسون مداخل المراكز التجارية حاملين أجهزة قياس حرارة.
وكانت القطاعات الجوهرية لخطة الأمير محمد بن سلمان لتطوير الاقتصاد -من قطاع الترفيه وحتى السياحة والرياضة- من بين الأشد تضرراً من الأزمة.
لكن أكثر ما يثير قلق العديد من الشركات هو توجه المسؤولين إلى تدابير صارمة للحفاظ على ثبات المالية العامة بعد انخفاض عائدات النفط. فقد قلصوا علاوات موظفي الدولة وضاعفوا ضريبة القيمة المضافة بثلاث مرات إلى 15%؛ وهو ما صَدَم العديد من المواطنين. ويواجه برنامج ولي العهد لتنويع الاقتصاد، المعروف باسم رؤية 2030، نفسه، تخفيضات في الإنفاق مع إعادة توجيه الأموال إلى قطاع الصحة العامة ومساعدة الشركات.
وفي هذا الصدد، علَّق وزير المالية السعودي محمد الجدعان، لوكالة Bloomberg: "هناك أولويات، الرعاية الصحية للناس وسبل عيشهم".
الجيل الأصغر لن يحظى بمستوى معيشة آبائهم
وترجح كارين يونغ، وهي باحثة تركز على شؤون الخليج من معهد American Enterprise في واشنطن، أن يقل متوسط الدخول في المملكة بعد الأزمة، ولن يحظى الجيل الأصغر بمستوى معيشة يضاهي مستوى آبائهم.
وفي الوقت نفسه، يمكن أن تساعد الاضطرابات في النهاية في عملية استبدال السعوديين بالعمالة الأجنبية التي تسيطر على القطاع الخاص، بحسب كارين يونغ. وهو اتجاه بدأ بالفعل منذ سنوات قليلة ماضية.
وفي Coyard، وهو مقهى خاص صغير في الرياض، جميع العاملين تقريباً من السعوديين. ويمثل المقهى مصدر فخر لصاحبه غانم بن يوسف البالغ من العمر 29 عاماً، الذي افتتح المقهى في 2018.
ويعاني المقهى من انخفاض حاد في الإيرادات، لكنه تمكن حتى الآن من التكيف مع هذه الصعوبات، إذ يوصل حبوب القهوة للعملاء في منازلهم وفضّل تقليص الرواتب لتجنب تسريح العمال.
وقال غانم: "نحاول الصمود"، مشيراً إلى أنهم استفادوا من برنامج الحوافز الحكومي الذي يغطي 60% من الرواتب لبعض السعوديين العاملين في القطاع الخاص.