حين يُشاد بكاريزما الحكام الديكتاتوريين، فتأكد أنهم أسكتوا منتقديهم ومنافسيهم ومسربي المعلومات في طريقهم للوصول إلى القمة، وهذا ينطبق على الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، حسب الكاتب البريطاني روجر بويز.
يقول الكاتب في مقال له بصحيفة The Times البريطانية: كان الأمير محمد بن سلمان، الوريث المنتظر للمملكة السعودية المضطربة الذي كان لفترة وجيزة محبوب الغرب، قاسياً جداً في محاولات تشديد سلطته مزدرياً في سبيل ذلك الديوان الملكي في الداخل وحلفاءه في الخارج.
وبينما تصارِع المملكة الآن للتعامل مع عوائد النفط المتضائِلة، وجائحة عطَّلت الاقتصاد، وركود عالمي، يواجه وليّ العهد قراراً وجودياً. هل سيستمر في حربه المدمرة مستحيلة الفوز في اليمن؟ أو هل سيتخلى عن طموحه المبالغ في بناء مدينة متطورة ضخمة على البحر الأحمر ويزودها بقمر صناعي وسيارات أجرة طائرة وطبقة دنيا عاملة من الروبوتات.
لا يمكن للأمير محمد أن يحظى بكل شيء؛ إذ يستحيل أن يكون أمير حرب متهور وقائداً وحشياً وإصلاحياً قادراً على التغيير في نفس الوقت؛ حسبما يرى الكاتب البريطاني.
ذلك لأنه لم يعد هناك ما يكفي من المال لتغطية كل هذه الفجوات. ربما توقع الأمير محمد بن سلمان أنه سيستطيع إنقاذ آل سعود ويُحيي الشباب فيهم حين يتوفى والده الملك سلمان. لكن بدلاً من ذلك، سينتهي المطاف بطموحه الزائد إلى تهميش المملكة.
منع عن ابن عمه الطعام والدواء ليتنازل عن العرش، وكوّن لنفسه أعداء كثيرين
وقعت اللحظة الحاسمة في صعود ولي العهد السعودي، الذي يبدو أنه لا يمكن إيقافه عن تحقيق أهدافه، قبل 3 سنوات. إذ استُدرِج ولي العهد آنذاك، محمد بن نايف، إلى قصر الملك حيث قابله بعض أتباع محمد بن سلمان، الذين نزعوا سلاح حراسه.
حُبِس الأمير سيئ الحظ في غرفة وخوطب بعنف حتى يتنازل عن ولاية العهد، وفقاً لكتاب جديد لمراسل The New York Times بن هوبارد.
وصمد الأمير محمد بن نايف، لكنه حُرِم من النوم والطعام والدواء، ما دفعه للاستسلام بعد فجر اليوم التالي بوقت قليل. ثم جرَّده الأمير محمد بن سلمان من سلطاته على نحو ممنهج؛ إذ أقاله من منصبه وزيراً للداخلية، وجمَّد أصوله وحدد إقامته في قصره المطل على البحر في جدة.
وبذلك، يكون الأمير محمد بن سلمان قد فاز في صراع العروش. لكن ما فعله بابن عمه وابتزازه العديد من أقاربه الأثرياء كَفَل له فريقاً ضخماً من الأعداء الذين يترقبون فشله.
خطة محمد بن سلمان: أنا أفرض الإصلاحات وليس الشعب
وإذا كانت هناك خطة يلعب بها الأمير، فمن المؤكد أنها: إنشاء قاعدة قوة مستقلة قبل وفاة والده، وإظهار القوة لأعداء السعودية، خاصة إيران. إضافة إلى ذلك، التأكد من أنَّ جميع الإصلاحات المحلية تأتي بقرارات من رأس السلطة، وليس من الضغط الشعبي، وتَقبُل الحاجة للتحديث لكن في الوقت نفسه التحكم في وتيرتها.
وإذا كان مقتل الصحفي الناقد جمال خاشقجي مؤشراً على أي شيء، فهو أنَّ الأمير محمد يخطط للقضاء على أي شخص يجرؤ على تحدي روايته. ومن ثم، فمن المستحيل تصور إمكانية التوصل إلى أية تسوية سلمية طويلة الأمد مع المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين يُنظَر إليهم على أنهم وكلاء إيرانيون.
ولكن حرب اليمن جعلت العالم يضحك على فشله في استخدام ترسانة أسلحته
ومع ذلك، فإنَّ حرب اليمن، التي اندلعت عندما أصبح محمد بن سلمان وزير الدفاع، لا تُظهِر قوة السعودية. وعلى الرغم من صفقات شراء السلاح الضخمة من الولايات المتحدة وبريطانيا منذ بدء القتال في مارس/آذار 2015، والضربات الجوية المنتظمة، لم يصبح الأمير محمد بن سلمان أقرب إلى النصر.
وبالرغم من أنَّ هذه الحرب من بنات أفكاره، لكنه فشل في تنفيذها. ولم تجعل مشتريات الأسلحة، التي بلغت قيمتها العام الماضي 51 مليار جنيه إسترليني (62.5 مليار دولار)، المملكة أكثر أمناً.
إذ قصف سرب من الطائرات بدون طيار المسلحة، التي سيَّرها الحوثيون، الذين يُفترَض أنهم تلقوا تدريبات على يد مستشارين إيرانيين، واحداً من أكبر مصانع النفط بالمملكة في العام الماضي، في هجوم ينمّ على ازدراء للأمير محمد بن سلمان. هل هناك ما هو أسوأ بالنسبة لزعيم لديه مثل هذه الأنا الضخمة من أن يضحك العالم على عدم قدرته على استخدام ترسانة الأسلحة الضخمة المستوردة استخداماً جيداً؟ ويقول المحللون العسكريون إنَّ حرب اليمن تمثل قائمة طويلة من نقاط الضعف السعودية؛ ومنها: ضعف دقة الاستهداف، وتنسيق جوي معيب، ودعم لوجستي متهالك.
وحتى لو أنهى حرب اليمن وتوقف عن شراء السلاح، فإنه لن يستطيع مواصلة مشروعاته التحديثية
إنَّ تقليص هذه الحرب، وتقليل اعتماد المملكة على الأسلحة الأمريكية ربما من خلال تطوير صناعة أسلحة محلية متواضعة، سيجعل الأمير محمد بن سلمان يبدو أقل التزاماً تجاه البنتاغون. وسيوفر في النهاية الأموال. إذ يحتاج الأمير إلى وصول سعر برميل النفط الخام إلى 85 دولاراً للبرميل للحفاظ على ميزانيته، في حين أنَّ سعر البرميل حالياً يُقدَّر بـ30 دولاراً. لكن حتى لو قبل بالتعادل في اليمن وتجميد أو إلغاء عقود الأسلحة الجديدة، فسيواجه الأمير مشكلة حقيقية في تمويل مشروعات التحديث الرئيسية.
فمن أجل بناء "نيوم"، مدينة الترفيه والأعمال التجارية الضخمة في اقتصاد ما بعد النفط، خصَّص الأمير 500 مليار دولار وأعرب عن أمله في أن يقدم المستثمرون الخاصون مبلغاً مماثلاً. لكن أصبح هذا الحلم سراباً في الصحراء. إذ انخفض صافي الأصول الأجنبية في مارس/آذار إلى 144 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ 19 عاماً.
وبدأت المملكة تستنزف احتياطياتها، وتخفض الدعم على الطاقة المحلية، وقد تضطر إلى خفض رواتب القطاع العام. وذلك في خضم حالة الطوارئ الصحية الحالية، وهي خطوات منفرة شعبياً.
يقول الكاتب: "من هنا، سيتعين على هذا القائد المتهور التفكير مرة أخرى في خططه الضخمة لإعادة تصميم المملكة، وإلا فهو يخاطر بأن يؤول به المطاف مثل إمبراطور إفريقيا الوسطى بوكاسا المصاب بجنون العظمة غير المأسوف عليه، وليس صانع سياسات اقتصادية عالمي يرأس مجموعة العشرين كما يتخيل نفسه".
وهناك طرق أخرى لإثبات القيادة الإقليمية لا تُكلِف أرواحاً ولا أموالاً. فيمكنه على سبيل المثال، الدفاع عن مسلمي الروهينغا المضطهدين في بورما أو المسلمين الأويغور في الصين.
لكن بدلاً من ذلك، يعرض الأمير على مواطنيه الشباب المحبطين الخبز وساحات ترفيه، ويقيس قوته من خلال قصف دولة الجوار، حيث تحاول أغنى دولة عربية إثبات نفسها ضد أفقر دول المنطقة. وهذه ليست طريقة للحفاظ على آل سعود، الذين يراقبون بقلق وحذر نهج العالم الذي لم يعد يعطي قيمة كبيرة لبرميل النفط.