صحيح أن انخفاض أسعار النفط وتداعيات وباء كورونا قد أصابا اقتصاد دول منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً الدول المنتجة للنفط، بكارثة مزدوجة، لكن ربما تكون هناك "نعمة مستترة" وراء هذا الانكماش الاقتصادي، فما هي تلك النعمة؟
موقع Responsible Statecraft الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "لماذا قد يكون انخفاض أسعار النفط نعمة مستترة"، ألقى الضوء على ما يمكن أن ينتج عن انخفاض أسعار النفط من تنمية حقيقية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، لكن بشروط.
بشكل عام، يُنظر إلى الانخفاض الهائل في أسعار النفط الناجم جزئياً عن حرب الأسعار بين المملكة العربية السعودية وروسيا على أنه نذير بكارثة اقتصادية لا على الدول المنتجة للنفط فحسب، ولكن أيضاً على الدول التي تعتمد على التحويلات المالية من مواطنيها العاملين في الدول المصدرة للنفط الرئيسية مثل السعودية والإمارات، خاصة في الشرق الأوسط.
وما يزيد من خطورة الوضع هو أن عودة أسعار النفط إلى ما كانت عليه سريعاً أمر مستبعد، خاصة في ظل التدهور العام للاقتصاد العالمي نتيجة كوفيد-19، ومع ذلك، إذا فهمنا واستغللنا هذا الانخفاض بشكل صحيح، فقد يتبين أنه نعمة مستترة تدعم أهدافاً اقتصادية وسياسية أكثر عقلانية وعملية، وتؤدي إلى اتفاق اجتماعي وسياسي جديد بين الحكومات وشعوبها في الشرق الأوسط.
إساءة استخدام الثروة النفطية
رافقت الزيادة الكبيرة في دخول الدول المنتجة للنفط في السبعينيات آمال كبرى في التنمية لا في الشرق الأوسط وحده، ولكن في البلدان النامية الأخرى مثل بعضها في إفريقيا، ووُضعت العديد من المخططات للتعاون الاقتصادي بين الدول العربية وكذلك ما يسمى بالتعاون العربي الإفريقي، ولم تُستَبعد البلدان الآسيوية من مثل هذه المخططات، وكان يُؤمل في ذلك الوقت أن تُسخَّر أموال الدول المصدرة للنفط وتكنولوجيا الدول الغربية وموارد الدول الأخرى للتنمية العالمية في إطار ما كان يشار إليه حينها بالتعاون الثلاثي.
ولكن بحلول الثمانينيات، لم يتبق الكثير من هذه الأهداف النبيلة، فمع وصول إدارة ريغان إلى الحكم عام 1981، تراجع اهتمام الولايات المتحدة بدول العالم الثالث عدا اعتبارها ساحة للمنافسة مع الاتحاد السوفييتي كما كان الحال في أفغانستان. واستخدمت الدول المصدرة للنفط أموالها لشراء الأسلحة وبناء ممتلكات ضخمة، حتى في المناطق الصحراوية، أو لشراء الفنادق والقصور والكماليات الأخرى في الدول الغربية، ورغم صرف مبالغ كبيرة نسبياً على مساعدة البلدان الفقيرة، لم تُستَغل هذه الأموال في استثمارات مفيدة في الزراعة والصناعة كان من الممكن أن تساعد في تنمية اقتصادات تتمتع بالاكتفاء الذاتي.
تمويل الحروب والإرهاب
ساهمت الزيادة في ثروة الدول المصدرة للنفط في الحروب الإقليمية أيضاً، وعلى سبيل المثال، لم يكن بوسع العراق أن يشن حرباً على إيران لمدة ثماني سنوات دون الدعم المالي والمادي للدول الغنية بالنفط، وإيران نفسها، رغم أنها كانت تتمتع بموارد بترولية أقل بكثير، كانت لتضطر إلى إنهاء الحرب في وقت أقرب إذا لم تكن تملك عائدات نفطية.
وفي الوقت الحاضر، لم يصبح قرار السعودية بغزو اليمن، وما تبعه من تدخل الإمارات في الصراع، فضلاً عن تدخلات أبو ظبي في ليبيا وأماكن أخرى، ممكناً إلا بفضل الثروة النفطية للبلدين.
عرقلة النضج السياسي والمؤسسي لبعض البلدان
ربما كانت أسوأ نتائج الثروة النفطية هي تمكين الأنظمة القمعية من البقاء في السلطة باستخدام عائدات النفط، إذ مكنت الثروة النفطية بعض الدول من إبرام اتفاق توفر الحكومة بموجبه لشعبها مستوى مقبولاً من المعيشة دون أي ضرائب مقابل أن يتخلى الشعب عن حقوقه السياسية. وبمرور السنوات، تسللت عائدات النفط شيئاً فشيئاً إلى بلدان أخرى، إما من خلال المساعدات المباشرة أو هجرة العاملين إلى الدول المنتجة للنفط، وهو ما ساعد الحكومات القمعية مجدداً على البقاء في السلطة.
نظرة مستقبلية
لا يوجد ما يضمن أن انخفاض الأسعار سيؤدي بالدول المنتجة للنفط إلى إعادة تقييم سلوكها السابق، والتخلي عن بعض أكثر مشاريعها ترفاً وخيالية، والتركيز بدلاً من ذلك على تطوير اقتصادات أكثر تواضعاً واستدامة وأقل تأثراً بتقلبات أسواق النفط.
ولا يوجد ما يوحي يقيناً بأن انخفاض عائدات النفط سيضبط دوافع الدول المنتجة للنفط التدخلية والمزعزعة للاستقرار ويدفعها نحو التسوية وحل النزاعات العالقة.
بل والأكثر استبعاداً أن تبدي الحكومات الاستبدادية استعدادها لتخفيف القيود السياسية وغيرها من القيود المفروضة على شعوبها، ولكن إذا لم تفعل، وإذا لم تعد عائداتها من النفط إلى سابق عهدها قريباً، فقد يبدأ الاتفاق الذي أبرمته مع شعوبها في الانهيار، وقد يتسبب ذلك في اضطرابات اجتماعية وسياسية.
ولكن إذا رأت هذه الدول في انخفاض الأسعار الحالي فرصة للإصلاح والتوجه نحو اقتصادات أكثر عملية وطموحات سياسية أقل تطرفاً، فإنها وباقي بلدان الشرق الأوسط يمكن أن تستفيد بدرجة كبيرة على المدى الطويل، وفي هذا السياق، يتعين على الولايات المتحدة تشجيع الإصلاحات العملية التي يمكن أن تساعد في زيادة استقرار حلفائها الإقليميين على المدى الطويل، وليس الضغط لرفع الأسعار.