تحل في الخامس من يونيو/حزيران القادم الذكرى السنوية الثالثة للصدع الذي أصاب مجلس التعاون لدول الخليج العربية، المتمثل في النزاع المستمر والحصار المفروض على قطر من جاراتها السعودية والبحرين والإمارات. وكما هو واضح، يتعرّض مجلس التعاون بصفته منظمة إقليمية لضغوطٍ شديدة منذ فترة، مع غياب تقدمٍ ملموس من جهود الوساطة المحلية بقيادة الكويت ومن محاولات الضغط لإصلاح العلاقات بقيادة الولايات المتحدة. لكن ما قد يُنهي مجلس التعاون الخليجي هو أمرٌ ليس بحدة الأزمة القطرية، لكنه مكروهٌ من أطراف كثر: الضرائب، كما يقول موقع Al-Monitor الأمريكي.
تهديد التكامل الاقتصادي بين دول المجلس
أصبح قرار السعودية زيادة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 300%، لتصل إلى 15% على السلع والخدمات بدءاً من غرة يوليو/تموز، يعني القضاء على فرص التكامل الاقتصادي وتنسيق السياسات في المنطقة. وقد كان ذلك التنسيق في السياسات ركيزة مجلس التعاون الخليجي، أي فكرة تطبيق الدول الست سياسة تجارية موحدة بين بعضها البعض، والمساواة عابرة الحدود بين جميع مواطنيها في الاستثمار وتملك العقارات، لكن المساواة في المعاملة بين المستثمرين من مواطني دول مجلس التعاون قد فشلت في 2017، وكانت التكلفة باهظة بسبب الاستثمارات الضائعة في مجال الأعمال والعقارات.
وكان من المفترض أن التعاون الاقتصادي بين دول المجلس ليس من المستحيل تحقيقه، مقارنة بالتعاون الأمني الذي قد يضر بسيادة الدول. فقد جادل الباحث الرفيع جيفري مارتيني وزملاؤه بمؤسسة RAND أنه "داخل مجلس التعاون الخليجي الحساس تجاه السيادة، رأت الدول أن التعاون الاقتصادي من الممكن تحقيقه، مقارنةً بالتخلي عن سلطة اتخاذ القرار في الشؤون الخارجية أو دمج إمكاناتها العسكرية في قوة دفاعية جماعية تكاملية".
لذا اتّخذت دول المجلس عدداً من الخطوات تجاه تحقيق التعاون الاقتصادي، من اتفاقية تجارة حرة إلى تأسيس اتحاد جمركي وسوقٍ مشتركة، لكن واجهتها عقبة غياب التكامل في إنتاج السلع والخدمات، إذ تنتج دول المنطقة السلع نفسها تقريباً، لذا يقتصر حجم التجارة غير النفطية بين الدول الأعضاء على 10% من إجمالي حجم التجارة غير النفطية لدول الخليج. أضِف إلى ذلك فشل جهودٍ لوضع سياسة نقدية منسقة وتشارك الكهرباء وتأسيس منصات تجارية.
حلم بعيد المنال
والآن تبدو فكرة التعريفة الجمركية المنسقة حلماً بعيد المنال، إذ فرضت السعودية والإمارات ضريبة قيمة مضافة تبلغ 5% في يناير/كانون الثاني 2018، وتبعتهما البحرين بعد عام، في حين أجلت قطر وعمان والكويت قرارها، لكنها لم ترفض الالتزام بفرض ضريبة تبلغ 5% في العامين أو الثلاثة أعوام التالية.
وتطرح تبعات فشل السياسة الاقتصادية الإقليمية على معاملة المستثمرين من المواطنين، وفرض ضرائب متباينة على الاستهلاك تساؤلات عن الركيزة غير الرسمية المتبقية للتعاون الاقتصادي الخليجي، وهي ربط العملات بالدولار الأمريكي. (تملك الكويت سلة عملات من بينها الدولار الأمريكي). وهناك أسباب الآن لترقب كيف ستصبح دول مجلس التعاون الخليجي أكثر استقلالاً في وضع سياساتها المالية والنقدية.
"فاعلية المجلس انتهت"
الأهم أن مستقبل السياسة الاقتصادية لمجلس التعاون يبدو الآن ساحة تنافسية بين الأعضاء، من حيث المناخ الضريبي، ومعاملة المستثمرين الأجانب، والاهتمام بتوفير إقامة طويلة المدى أو منح الجنسية للأجانب. لكن تكاليف المعيشة وإجراء الأعمال التجارية ستحدد بدرجة كبيرة بقاء هؤلاء المواطنين أو الأجانب ووضعهم الاستثمارات من عدمه. وهذا ليس سيئاً بالضرورة، فالمرونة في وضع السياسات يمكن أن تؤدي إلى الابتكار بالنسبة للدول القادرة على استغلال المستثمرين الأجانب والمقيمين فيها. ومن ثمَّ فإن دول المجلس الأصغر حجماً والأكثر ثراءً تمتلك أفضلية على الدول كثيفة السكان والمثقلة بأعباء الديون الدولارية الضخمة.
ومن الواضح أن السعودية تعطي الأولوية لسد عجز الموازنة، وربما تصبح ضريبة القيمة المضافة المرتفعة مصدراً للدخل الحكومي في المستقبل. إلا أنها ستجعل القطاع الخاص على المدى القصير أقل جاذبية كوجهة للاستثمار، مقارنةً بجاراتها. أما المواطنون السعوديون فقد صار التسوق في البحرين خياراً أفضل بكثيرٍ لتوّه. أما بالنسبة للمنظمة الإقليمية فإن فاعليتها وفائدتها كقاطرةٍ نحو النمو الجماعي وتنسيق السياسات قد انتهت على الأرجح.