لا نزال في الفصول الأولى من قصة "كوفيد-19" ومن المبكر جداً الحكم على التأثير الكامل للجائحة. لكن يمكن أن نستشف مبدئياً 6 تطورات سلبية في أوروبا.
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن هذه التطورات يُحتمَل أن تساعد الشعبويين المعارضين للاتحاد الأوروبي من عدة نواح، تتمثل في المزيد من العداء للسياسات "الخضراء"، واكتفاء اقتصادي أكبر، وحدود وطنية أقوى.
1- تفكيك العولمة
قبل وقت طويل من ظهور "كوفيد-19″، دارت أحاديث عن "تفكيك العولمة" وإعادة سلاسل الإمداد إلى داخل الحدود الوطنية؛ التي قد تُعزى جزئياً إلى السياسة، وتحديداً التهديدات التي واجهتها سلاسل الإمداد العالمية نتيجة سياسات ترامب الحمائية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".
ويشكل الاقتصاد أيضاً نقطة مهمة؛ إذ بدأت الفجوة بين الأجور في الاقتصاديات الناشئة مثل الصين والدول الكبرى تضيق؛ مما يقوض مميزات نقل أنشطة الإنتاج إلى الخارج.
وتعزز المخاوف الحالية بشأن تأمين إمدادات الأدوية والمعدات الطبية وحتى المكونات الرئيسية لصناعة السيارات، إلى جانب الشكوك الكبيرة التي باتت تحيط بالشركات الصينية، قضية المطالبة بمزيد من الاستقلال الوطني أو الأوروبي لسلاسل التوريد.
2- سياسة الدولة القومية أولاً
تكتسب العواصم الوطنية المزيد من القوة في مواجهة مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وعلى مدى عقود، كانت تفقد هذه المؤسسات نفوذها لصالح الدول الأعضاء التي تشعر بالسخط من القوى التي اكتسبتها بروكسل.
وتؤكد العواصم الرئيسية سلطتها في الأوقات العصيبة. وقد فعلت منذ عقد مضى خلال الأزمات المالية وأزمة منطقة اليورو، حين توجب عليها توفير أموال لتنفيذ خطط الإنقاذ.
وهي تفعل الآن نفس الشيء مرة أخرى. وتجد المفوضية الأوروبية صعوبة في الحفاظ على وحدة أعضائها الـ27 وتنسيق استجاباتها لـ"كوفيد-19″؛ ليس لأنَّ معظم السلطات الرئيسية الخاصة بالصحة والسياسة المالية والحدود تقع في يد الحكومات الوطنية فحسب، بل أيضاً لأنَّ العديد من الشعوب الأوروبية يتطلعون إلى قادتهم الوطنيين لإخراجهم من المحنة.
3- حدود أقوى
أجَّجت حالة الطوارئ الصحية الخوف من الأجانب، وفي مارس/آذار أغلقت دول منطقة شنغن في الاتحاد الأوروبي حدودها الخارجية أمام المسافرين غير الضروريين. إضافة إلى ذلك، وُضِعَت المزيد من العوائق أمام الحركة داخل منطقة شنغن. وعند مرحلة ما، ستتمكن الحكومات من السيطرة على الفيروس إلى حد كبير، لكنها ستتخوف حينها من تخفيف حدود منطقة شنغن. ولن يُرحَب بالزوار من دول العالم التي سيظل المرض منتشراً فيها. أضف إلى ذلك، أنَّ العديد من السياسيين سيرغبون في جعل الأوضاع صعبة قدر الإمكان على المهاجرين غير الشرعيين.
4- ردود فعل سلبية للسياسات صديقة البيئة
قد تساعد الجائحة في تعزيز المعارضة ضد السياسات المُصمَّمة للحد من أزمة المناخ وتمكيننا من عيش حياة أقل ضرراً بالبيئة.
لن يرغب العديد من الناخبين، الذين تتراجع مستويات معيشتهم تراجعاً كبيراً بسبب الجائحة، في تلقي ضربات إضافية لوظائفهم أو دخولهم نتيجة التدابير المُصمَّمة للتعامل مع حالة الطوارئ المناخية. ويصر قادة أوروبا على أنَّ خططهم للحد من انبعاثات الكربون مقدسة. لكن مع تزايد الركود الاقتصادي، ستزداد الضغوط عليهم من أجل تعديل أجندتهم الخضراء، بما في ذلك الجوانب الصناعية.
5- التوترات بين الشرق والغرب
تقف المجر وبولندا، وأحياناً دول أخرى من وسط أوروبا على طرفي النقيض مع بقية دول الاتحاد الأوروبي؛ نتيجة الانقسام بين دول غرب أوروبا وشرقها، المستمر منذ سنوات عديدة.
وقد زاد "كوفيد-19" من هذا الانشقاق. وتخشى دول وسط أوروبا من خسارة أموال من ميزانية الاتحاد الأوروبي لصالح الدول الجنوبية الأكثر تضرراً بالفيروس. وفي هذه الأثناء، استغل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الجائحة ذريعةً لاستحداث الحكم عبر مرسوم -وهو قانون يمنحه سلطات مطلقة- مما زاد من المخاوف من أنه يخلق ديكتاتورية الأمر الواقع.
6- التوترات بين الجنوب والشمال
تزيد الجائحة من الفجوة بين دول الشمال الأوروبي والجنوب التي بدأت بسبب أزمة منطقة اليورو منذ 10 سنوات. إذ عارضت ألمانيا وهولندا وحلفاؤهما الشماليون تقديم مساعدة كبيرة لدول الجنوب التي تواجه صعوبات.
والآن، يتفاوت مستوى الضرر الذي ألحقه فيروس كورونا المستجد بدول الاتحاد الأوروبي. إذ تعاني عانت دول الجنوب، وخاصة إيطاليا وإسبانيا، من ارتفاع حالات الوفاة الناجمة عن الفيروس أكثر من معظم الدول الأخرى، إلى جانب أنها تخوض تلك الأزمة بمستويات أعلى من الديون وتعتمد على صناعات مثل السياحة التي تضررت بشدة. لذا ترغب هذه الدول في تلقي المزيد من التضامن من الشمال، وحبذا لو في شكل "سندات اليورو": سيقترض الاتحاد الأوروبي ككل ثم يضخ المنح للبلدان الأكثر تضرراً.
وتعود جذور هذا البخل إلى عداء الناخبين في دول الشمال لعمليات نقل الأموال هذه. لكنها تسعد الشعبويين أمثال ماتيو سالفيني في إيطاليا، الماهر في استغلال كل زلة محتملة من الاتحاد الأوروبي. وأظهر استطلاع حديث للرأي أنَّ 49% من الإيطاليين أرادوا مغادرة الاتحاد الأوروبي.
لا تمثل أيٌ من هذه التغييرات موضع ترحيب. وإذا دفعت أوروبا في اتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي أكثر من اللازم، فستقوض الفوائد التي تقدمها التجارة لجميع القارات. ولن يسهم إغلاق الحدود داخل منطقة شنغن أو على حدودها، بمجرد السيطرة "كوفيد-19″، إلا في تحقيق القليل. وعندما يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات عابرة للحدود الوطنية، مثل كساد اقتصادي أو جائحة أو تغير المناخ، فسيحتاج حينها إلى مؤسسات مركزية قوية.