منذ أن بدأت ولاية فلوريدا الأمريكية في اتِّخاذ إجراءات البقاء في المنزل وإغلاق الشواطئ، استجابةً لتهديد فيروس كوفيد-19، كانت الفنانة والوكيلة العقارية ناديا بوزيد ترسم لوحةً جداريةً في فندقٍ جديدٍ بمدينة كانكون المكسيكية. وضعت نادية فرشاة التلوين جانباً، وأمسكت هاتفها وبدأت في البحث عن تذاكر طيران للعودة إلى وطنها.
قالت نادية لشبكة CNN الأمريكية: "وجدت مقاعد في الرحلة التي أردتها، من 200 دولار إلى 70 دولاراً إلى 350 دولاراً. حجزت وسافرت، لكن الرحلة كانت فارغة بشكلٍ مخيف. كنت أشعر بالذعر، وتغيُّر السعر جعلني أتساءل كم سأدفع من أجل العودة لإنهاء عملي حين ينتهي كل هذا؟".
وبينما تضع الدول خططاً لإعادة فتح الحدود والأعمال، وتبدأ الخطوط الجوية في النظر في عودة حركة الطيران، تزداد أهمية السؤال الذي طرحته نادية: كم قد تتكلَّف تذاكر الطيران حين ينتهي كل هذا؟
التباعد الاجتماعي يعني عدداً أقل من التذاكر المُباعة، لذا هل ستزيد رسوم الطيران؟
تحظر خطوط دلتا الجوية الأمريكية المقاعد المتوسطة، وتحِدُّ من حمولة الرحلات الجوية حتى 30 يونيو/حزيران، من أجل الحفاظ على التباعد الاجتماعي، وتسمح بحجز فقط 50 إلى 60% من المقاعد المتاحة. وهناك خطوط جوية أخرى تتبنَّى إجراءات مشابهة، مثل الخطوط الجوية الأمريكية، والخطوط الجوية اليابانية، والخطوط الجوية المتحدة، وشركة ويز إير، وغيرها.
يقول هنري هارتيفيلت، مُحلِّل شؤون الخطوط الجوية بشركة Atmosphere Research الاستشارية: "يقول اتحاد النقل الجوي الدولي إن الصحة المالية للخطوط الجوية مهمة أكثر من صحة موظَّفيها وعملائها".
ويضيف: "وتضمَّن ما قاله اتحاد النقل الجوي الدولي تقديراً يفيد بأن رسوم الطيران سوف تزداد إذا تعيَّن على الرحلات الجوية أن تحظر حجز المقاعد المتوسطة. وإذا ظلَّ الطلب منخفضاً، وكان على الخطوط الجوية أن تتنافس على عددٍ محدودٍ من المسافرين، سيكون هناك اضطرارٌ لتخفيض رسوم الطيران من أجل جذب أكبر عددٍ ممكنٍ من المسافرين".
ويقول هارتيفيلت إن الأمر الحاسم في ما يتعلَّق باستعادة الطلب هو أولاً استعادة الإحساس بالأمان والسلامة. ويوضح قائلاً: "سيكون الخوف والثقة هما الشعورين المُتصدِّرَين في أذهان الناس حين يُخطِّطون لرحلةٍ جوية، وإذا لم يشعر المرء أن شركة الطيران تحترم صحته بصورةٍ ملائمة، سيتوجَّه إلى شركة طيران أخرى تلائمه في ذلك".
أسعار النفط في انخفاض، هل ستنخفض رسوم الطيران؟
إن النفط الخام الممزوج والمُكرَّر هو الوقود الذي تحتاجه الطائرات من أجل التشغيل. تفرض شركات الخطوط الجوية رسوماً إضافية للوقود للمساعدة في دفع ثمنه، وهو ما يجري تضمينه في سعر التذكرة النهائية باسم رسم "YQ"، الذي يمثِّل الاختلافات في تكلفة الوقود. ولقد سقط سعر برميل النفط في هاويةٍ سحيقة في نهاية أبريل/نيسان الماضي.
يقول مانويل سوهيت، المدير التنفيذي لشركة Business Traveler Deals: "يمثِّل وقود الطائرات من 20 إلى 25% من نفقات تشغيل شركات الطيران". ويضيف أن شركات الطيران قد تحقِّق استفادةً إذا استمرَّت أسعار وقود الطائرات في الانخفاض، لكنها لن تكون استفادةً فورية.
يتابع سوهيت: "تستخدم العديد من شركات الطيران التحوُّط في استهلاك الوقود من أجل تقليل مخاطر تقلُّب الأسعار، من خلال الموافقة على شراء كمية معينة من النفط في المستقبل بسعرٍ مُحدَّد". ويضيف: "وتضع شركات الطيران هذه الاستراتيجيات في المناخ الحالي من أجل تحسين وضع التدفُّق النقدي لديها من خلال ترشيد التكاليف".
بعبارةٍ أخرى؛ حتى مع انخفاض أسعار النفط، لا يزال وقود الطائرات بحاجةٍ إلى أن يُكرَّر من هذا النفط، وهي عمليةٌ تزيد من السعر، وتكريس الأموال في الوقت الحالي لشراء وقود مستقبلي ليس بالضبط في أولويات شركات الطيران.
الرحلات الجوية بحاجةٍ إلى السياحة، هل ستكون هناك صفقاتٌ للسفر جواً؟
من شأن حالة عدم اليقين أن تُولِّد التردُّد لدى البعض، وحتى الانخفاض الشديد في رسوم الطيران قد لا يكون كافياً للتحفيز من أجل حجز الطيران حتى تستقر الأحوال الصحية والاقتصادية في البلدان التي سوف يقصدها المسافرون في رحلاتهم.
تحفِّز شركة آسيانا للخطوط الجوية، في كوريا الجنوبية، بيع التذاكر على وعدٍ تقول فيه: "اشترِ الآن، وسافر في أيِّ وقت". فإذا حَجَزَ شخصٌ رحلة طيران من الولايات المتحدة إلى كوريا الجنوبية على خطوط آسيانا الجوية، ستتخلَّى شركة الطيران عن رسوم التغيير، وهو إجراءٌ أصبح بمثابة القاعدة بين شركات الطيران خلال جائحة فيروس كورونا المُستجَد، لكن حتى ثلاث مرات.
تقوم شركات الطيران بتعديل الطلب، هل ستظل تذاكر الطيران كما هي؟
أصبح مدرج الطائرات في أحد المطارات المعتادة على استقبال السائحين المُتوجِّهين إلى منطقة أولورو في وسط أستراليا أشبه بمتحفٍ للطيران التجاري السنغافوري الحديث.
هناك طائراتٌ مُتوقِّفة، تبلغ قيمتها أكثر من 5 مليارات دولار، في مطار أليس سبرينغز الأسترالي. نأمل أن تستأنف هذه الطائرات الخدمة وأن تعود مجدداً. لكن الكثير من الطائرات الأخرى ستؤدي جائحة كوفيد-19 إلى إنهاء خدماتها.
وفيما هجرت الطائرات السماء، لم يعد طاقم الطيران يُحلِّقون هم أيضاً. صدرت مذكرةٌ في مايو/أيَّار الجاري لطيَّاري شركة الخطوط الجوية المتحدة، يقول بريان كويغلي، نائب رئيس عمليات الطيران في الشركة، إنها ذكرت أن عدد الطيَّارين العاملين بالشركة يفوق بكثير عدد الركَّاب: "كان لدينا في المتوسط 10 آلاف راكب في اليوم الواحد… أما الآن فلدينا طيَّارون أكثر من الركاب في أيِّ يوم".
وورد في المذكرة أن الشركة سوف "تسرِّح" 4457 طيَّاراً من أصل 12250 لديها بحلول 30 يونيو/حزيران.
وهذا ليس إلا جزءاً من تخفيضات الوظائف في قطاع الطيران، إذ قامت بعض شركات الطيران بتقليص عدد الموظَّفين لأسابيع، وتعتزم شركة رايان إير الأيرلندية تسريح 3 آلاف من موظَّفيها، بينما تغرق شركة الخطوط الجوية البريطانية في فائض عمالة يُقدَّر بأكثر من 30 ألف موظَّف، وقد خفضت شركة لوفتهانزا الألمانية للطيران عدد ساعات 80 ألف عامل لديها، وكلُّ هذا حدث منذ مطلع الشهر الجاري.
لا توجد شروط مؤكَّدة تقوم شركات الطيران بتعديل الطلب بناءً عليها. وهذه المرونة هي المفتاح الرئيسي للسماح لهذه الشركات بمواصلة تقديم تذاكر الطيران بأسعارٍ معقولة أو "عادية" اعتاد عليها الجمهور قبل أزمة فيروس كورونا المُستجَد.
يقول بابلو شيوزرا، المدير التنفيذي لشركة World Travel Solutions، ونائب رئيس مجموعة خطوط لاتام الجوية: "تتوقَّع كافة الخطوط الجوية أن يقل حجم شركاتها بمجرد أن تستأنف عمليات الطيران". ويضيف: "وهذا يعني أنهم سيُكيِّفون قدراتهم وفقاً للطلب، ولا يتوقَّعون الكثير من المقاعد الفارغة حين يزداد مُعدَّل التشغيل".
إذاً كم ستكون تكلفة السفر الجوي؟
بعدما تنتهي أزمة كوفيد-19 وتذهب نادية لحجز رحلةٍ اقتصادية ذات اتجاهٍ واحد لإنهاء جداريتها في كانكون، ربما يصل سعر التذكرة إلى 70 دولاراً، لكنه أيضاً قد يبلغ 200 أو 350 دولاراً.
ستستمر الرحلات في الاستجابة للعرض والطلب، لكن احتمالية الترويج السياحي أو الحاجة إلى الحفاظ على التباعد الاجتماعي آخذة في الظهور -على الأقل بصورةٍ مؤقَّتة- بينما تُدفَع الأسعار للارتفاع قليلاً أو الانخفاض قليلاً.
وفي نهاية المطاف، ستكون الآراء حول الصفقة الجيدة في ما يخص التذاكر وشراءها، عائدة لقرارك أنت: المسافر.