شيئاً فشيئاً يتضح عمق الكارثة التي تواجهها بورصة لندن بسبب أساليب اتهامات الاحتيال الموجهة لشركتين مقرهما أبوظبي ودبي، ما أدى إلى اختلاس مليارات وخداع مستثمرين، وهو ما يطرح تساؤلات حول المتورطين في البلدين، فما هي القصة؟
وكالة بلومبيرغ الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "كيف تسبّبت سلسلة مستشفيات خليجية في فضيحة داخل لندن؟"، ألقى الضوء على ما يبدو أنه قمة جبل الجليد حتى الآن في كارثة مالية ضخمة وفي توقيت صعب.
اجتاحت فضيحةٌ مالية لندن والإمارات، بسبب اتّهامات الاحتيال المُوجّهة إلى اثنتين من الشركات الرئيسية لإمبراطور الأعمال المُقيم في أبوظبي بي آر شيتي، إذ جرى تعليق أسهم شركات NMC Health Plc و Finablr Plc في لندن، مع فقدان NMC لموقعها على مؤشر فوتسي 100 لأكبر الشركات المُدرجة في البورصة داخل المملكة المتحدة.
وهذا التحوّل الدراماتيكي بالنسبة لمجموعة تصل رؤوس أموالها إلى مليارات الدولارات، نتيجة تقريرٍ من شركة Muddy Waters Capital LLC للبيع على المكشوف، مما هزّ ثقة المستثمرين في الأعمال التجارية الخاصة بالشرق الأوسط وأثار التساؤلات حول الرقابة على الشركات المُدرجة في بورصة لندن.
ما الذي حدث داخل شركة NMC Health؟
أثار تقرير Muddy Waters، الصادر في الـ17 من ديسمبر/كانون الأول، المخاوف حيال أنّ أكبر مُشغّل مستشفيات في الشرق الأوسط دفع بالزيادة مقابل الأصول، وضخّم أرصدته النقدية وقلّل ديونه، ونتيجةً لذلك تراجعت أسهم NMC بنسبةٍ تجاوزت الـ60% بحلول وقت إيقاف تداولها داخل بورصة لندن في فبراير/شباط -أي بعد نحو عامين ونصف من انضمامها إلى شركات مثل HSBC Holdings Plc وAstraZeneca Plc على مؤشر فوتسي 100.
وصدمت NMC الجميع في مارس/آذار حين أفصحت عن 2.7 مليار دولار من الديون التي لم يُبلغ عنها سابقاً، وقالت إنّها ربما استُخدِمَت لأغراض لم يوافق عليها مجلس الإدارة، ثم ارتفع ذلك الرقم إلى أكثر من أربعة مليارات، ليُساوي الرقم ثلاثة أضعاف مبلغ الدين الذي أفصحت عنه NMC في البداية، كما كشف تحقيقٌ أجراه مؤسس NMC شيتي عن "عمليات احتيال وتلاعب خطيرة".
ماذا عن شركة Finablr؟
سلّطت تصريحات NMC الضوء فوراً على الشركة الشقيقة التي تملك سلاسل تداول العملات الأجنبية Travelex Holdings Ltd وUAE Exchange، وفي مارس/آذار، فتح مجلس إدارة Finablr تحقيقاً في شيكات بقيمة 100 مليون دولار لأطراف ثالثة، وفي أبريل/نيسان كشفت المجموعة عن ديون بقيمة 1.3 مليار دولار، أي أربعة أضعاف الرقم المُبلغ عنه سابقاً، واستُخدِمَت غالبيتها دون علم مجلس الإدارة.
وجرى تعليق أسهمها في فبراير/شباط، بعد أن تراجعت قيمتها بأكثر من 90% منذ نهاية عام 2019، ودفعت المشكلات في Finablr بشركتها التابعة UAE Exchange إلى التخلّف عن سداد قرض بقيمة 300 مليون دولار، وفقاً لأشخاص مُطّلعين على المسألة، ونتيجةً لذلك وضع المصرف الإماراتي المركزي يده على عمليات الشركة داخل البلاد.
كيف استجاب شيتي؟
يقول رجل الأعمال (77 عاماً) إنّه كان ضحيةً لعملية احتيال واتّهم موظفيه السابقين بإنشاء شركات تحت اسمه، وتزوير توقيعه لتنفيذ المعاملات، واستخدام حسابات وهمية، ويقول أيضاً إنّ بعض أفراد فريق إدارته قدّموا بيانات كاذبة ومُضلّلة حول أداء شركاته الخاصة.
واختار رجل الأعمال، الذي يعشق السفر بطائرته الخاصة والسيارات العتيقة، الاستقالة من مجالس إدارة NMC وTravelex -بعد أن كانت أسهمه في NMC وFinablr تُقدّر بـ2.4 مليار دولار قبل صدور تقرير Muddy Waters، كما قال شيتي إنّه يُشارك تلك المعلومات وكل ما توصّل إليه مع السلطات، ووكالات إنفاذ القانون، ومجالس إدارات شركاته المختلفة.
ما هي الخلفية التاريخية لشيتي؟
انتقل شيتي من الهند إلى أبوظبي عام 1973 ثم أسّس NMC بعد عامين فقط على هيئة عيادة صغيرة وصيدلية -ويرمز الاسم المختصر إلى "المركز الطبي الجديد New Medical Center"- وصار واحداً من أشهر رواد الأعمال الأجانب في الشرق الأوسط حين حوّل NMC إلى منظمةٍ تتفرّع منها أكثر من 200 مستشفى وعيادة، غالبيتها داخل الإمارات، إلى جانب أنشطةٍ تُجارية أخرى.
وأسّس شركة Finablr عام 2017 لتعزيز آفاقه المالية، قبل أن يُدرجها في بورصة لندن عام 2019، وكان شيتي يُخطّط لطرحٍ عام أوّلي لشركة الأدوية التي يملكها في بورصة لندن.
من يُجري التحقيقات أيضاً؟
فتحت هيئة مراقبة السلوك المالي بالمملكة المتحدة تحقيقها في شهر فبراير/شباط، وكشف تحقيقٌ أجرته NMC، بقيادة مُدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق لويس فريه، عن فوارق في الحسابات المصرفية للمجموعة، وأسفر ذلك عن إقالة الرئيس التنفيذي لـNMC وأحد أعضاء فريق الخزانة بالمجموعة.
وأوضحت مراجعة فريه أنّ أحد ترتيبات تمويل سلسلة توريد -يستخدمها شيتي وأحد كبار المساهمين- وفّرتها NMC تمّ دون موافقة مجلس الإدارة أو الكشف عنها بما يتماشى مع قواعد الإدراج في البورصة، وفي أبريل/نيسان، بعد عامين فقط من ارتفاع قيمتها السوقية إلى أكثر من 10 مليارات دولار، وضعت محكمة في لندن شركة NMC تحت إدارةٍ مُعيّنة -على غرار الإفلاس في الفصل الـ11، ولم يعُد هناك وجود لغالبية أفراد الإدارة العليا في الشركة.
كيف فاتت تلك الانتهاكات على مُدقِّق حسابات الشركة؟
لم تُعرِب شركة Ernst & Young LLP، التي تُراجع حسابات NMC، عن أي مخاوف علنية حيال حسابات الشركة، لذا فتحت الجهة التنظيمية للحسابات في المملكة المتحدة تحقيقاً حول تدقيق Ernst & Young في الحسابات المالية لشركة NMC عام 2018.
وأنهت Ernst & Young تعاقدها على التدقيق في حسابات Finablr في شهر مارس/آذار مُستشهدةً بمخاوف حيال تكوين مجلس إدارتها وحوكمة الشركة، وذلك في أعقاب خضوع Ernst & Young للتحقيق أيضاً بسبب تدقيقها في حسابات شركة Thomas Cook Group Plc التي انهارت مؤخراً.
ودفعت مجموعةٌ من فضائح التدقيق في المملكة المتحدة، من بينها انهيار شركة Carillon Plc دون تحذير من مُدقّق حسابات الشركة، بالحكومة إلى تقديم الوعود بإدخال إصلاحات على سوق التدقيق.
من سيتأثّر بهذه الأزمة؟
صار المُساهمون عرضة لخطر سقوط الديون، إذ يعقد مُقرضو NMC -الذين يشملون أسماءً معروفة عالمياً مثل Standard Chartered Plc- محادثاتهم من أجل استرداد جزء من التزاماتهم التي تصل إلى 6.6 مليار دولار، وقالت شركة Alvarez & Marsal Inc التي تُدير NMC إنّ مستشفيات المجموعة ستُواصل عملها كالمُعتاد، رغم أنّ أحد رؤساء الشركة حذّر من أنّ وضع NMC تحت إدارة مُعيّنة يُعرّض حياة الناس للخطر بينما يُصارع مُوفّرو الرعاية الصحية في مواجهة جائحةٍ عالمية.
وأحد السيناريوهات المُحتملة هو أنّ أحد المُشترين سيستحوذ على أصول NMC بمجرد إعادة هيكلتها وإتمام التحقيقات، وتدرس عملاقة الأسهم الخاصة KKR & Co وشركة تشغيل مستشفيات إيطالية أخرى تقديم العطاءات من أجل الاستحواذ على NMC عقب انتهاء الأزمة.
ويُمكن أيضاً بيع الشركات التابعة مثل عيادات الخصوبة المملوكة لـNMC، كما تعاقدت Finablr مع مصرف استثماري لبحث خيارات تشمل إعادة جدولة الديون وبيع الأصول، وتبحث Travelex، الشركة البريطانية التي تأسّست في السبعينيات واستحوذ عليها شيتي عام 2015، عن عروض أيضاً إبان تعاملها مع تداعيات الجائحة وهجوم سيبراني كبّدها الكثير من الخسائر.
هل تُمثّل حوكمة الشركات مشكلةً في منطقة الخليج؟
أثارت المشكلات في NMC وFinablr الكثير من المخاوف الجديدة في أعقاب انهيار مجموعة أبراج الإماراتية، التي كانت شركة الأسهم الخاصة المُهيمنة في المنطقة منذ عقدٍ كامل.
وفي العام الماضي، فرضت سلطة دبي للخدمات المالية غرامةً على اثنتين من الشركات التابعة لمجموعة أبراج بقيمة 315 مليون دولار، بسبب خداع المستثمرين واختلاس الأموال، ولا شكّ أنّ فضائح دبي، وجارتها أبوظبي مؤخراً، تُمثّل ضربات قوية لمركزين ماليين يتنافسان على الهيمنة الإقليمية.