بدت خطة الإطاحة بالرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، واقتياده إلى فلوريدا ليواجه اتهامات تهريب المخدرات التي تلاحقه خطةً مضمونة بالنسبة للرقيب السابق في الجيش الأمريكي، جوردان غودريو، بينما كان يُعِدّها في شقته الفخمة بمدينة ميامي الأمريكي في أواخر عام 2019.
وكان الكندي الأمريكي البالغ من العمر 43 عاماً متأكداً من أنَّ سنوات عمله في القوات الخاصة في العراق وأفغانستان قد جهَّزته للمهمة، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية. ولابد أنَّ الخطة بدت مُقنِعة لمعارضي مادورو الذين كان غودريو يخاطبهم، حتى بعد الإخفاق الذي شاب محاولة انقلابية سابقة في 2019.
صفقة بين زعيم المعارضة الفنزويلية والأمريكي غودريو
إذ وقَّع ممثلو خوان غوايدو –قائد المعارضة الذي تعترف به الولايات المتحدة ومعظم حلفائها رئيساً شرعياً لفنزويلا- عقداً سخياً يُغري الرقيب الأمريكي السابق غودريو بالإطاحة بمادورو.
لكن في مقابلات مع صحيفة The Guardian البريطانية، قال شخص بارز في المعارضة إنَّ شكوكه في غودريو تنامت، وانفصل عنه في نهاية المطاف بعد شهور، قبل أن يشن هجوماً كارثياً هذا الأسبوع أعاد إلى الأذهان غزو خليج الخنازير الفاشل بكوبا عام 1961.
وظهرت عيوب خطته جليةً حين وقف جنديان مُشعَّثان سابقان بالقوات الأمريكية الخاصة في طابور العرض إلى جانب أفراد آخرين من القوة الغازية غير المنتظمة. ووقع كل من أيران بيري ولوك دِنمان في الأسْر في البحر قبل أن تطأ أقدامهما حتى الأراضي الفنزويلية.
وأُفِيد بمقتل ثمانية أشخاص في الهجوم الفاشل، وأُلقي القبض على أكثر من 100 آخرين. وظهر بيري ودِنمان لاحقاً على التلفزيون الفنزويلي الرسمي ليستعرضا الخطة المُفتَرَضة للاستيلاء على القصر الرئاسي واقتياد مادورو سريعاً إلى الولايات المتحدة.
وأعلن غودريو ما وصفه بـ"الهجوم البرمائي الجريء" بعد ظُهر الأحد الماضي 3 مايو/أيار. وأُطلِق على العملية الاسم الكودي "عملية جدعون"، تيمناً بقصة توراتية ترمز إلى انتصار جيش صغير على خصم أقوى بكثير.
فقال غودريو وهو يرتدي قميص غولف ويقف إلى جوار نقيب سابق بالحرس الوطني الفنزويلي يرتدي درعاً واقية ويُدعى خافيير نييتو كوينتيرو: "نُشِّطَت وحداتنا في جنوب وغرب وشرق فنزويلا".
لكن بحلول ذلك الوقت، كانت الخطة قد انهارت فعلاً، لأسبابٍ ليس أقلها أنَّ وكالة أسوشيتد برس الأمريكية كانت قد نشرت قبل ذلك بيومين تحقيقاً مطولاً يكشف الخطة. وإن كانت الوكالة قد عرفت بالخطة، فعلى الأرجح أنَّ الحكومة الفنزويلية كانت تعرف بها أيضاً.
كيف خطط الضابط الأمريكي السابق غودريو لهذه العملية؟
خدم غودريو في الجيش الكندي في التسعينيات ودرس بجامعة كالغاري الكندية قبل أن ينضم للقوات الأمريكية الخاصة (التي يُعرَف منتسبوها أيضاً باسم "ذوي القبعات الخضراء")، وأمضى 15 عاماً كرقيب طبي، وقام بعدة مهمات في العراق وأفغانستان.
وبعدما ترك الجيش، أسس غودريو شركة أمنية مقرها فلوريدا، مع متعاقدين أمنيين، تُدعى "Silvercorp USA" "سيلفركورب يو إس إيه" عام 2018.
ويعرض موقع الشركة مجموعة من الادعاءات المُبالغ فيها، بما في ذلك أنَّ غودريو قاد "الفرق الأمنية الدولية لرئيس الولايات المتحدة" (كان قد قدَّم خدمات أمنية بالفعل في تجمُّعات ترامب السياسية).
وفي مطلع 2019، قدَّم غودريو خدماتٍ أمنية لحفل لمساعدة اللاجئين الفنزويليين على الحدود الكولومبية نظَّمه ريتشارد برانسون، الملياردير المالِك لمجموعة شركات Virgin. وهناك التقى كليفر ألكالا، وهو جنرال فنزويلي سابق انشق وانضم للمعارضة. وبدأ الثنائي يتحدثان عن كيفية الإطاحة بمادورو.
وبحلول سبتمبر/أيلول، كان التخطيط قد وصل مرحلة متقدمة وصلت إلى عقد لقاء في ميامي بين غودريو وخوان خوسيه ريندون، وهو فنزويلي مَنفيّ اختاره غوايدو لوضع استراتيجيات للسيطرة على السلطة.
العملية رُتّبت بعربون قيمته 1.5 مليون دولار، و213 مليوناً آجلة من عوائد النفط
كان غوايدو قد أنشأ مجموعة استشارية لطرح أفكار لإنهاء نظام مادورو. وكانت مهمة ريندون هي تقديم المشورة للجنة بشأن كيفية تحقيق ذلك.
وقال إنَّ اللجنة بحثت كل الوسائل الشرعية لإزاحة مادورو، بما في ذلك قوانين القرصنة. وأجرت اللجنة كذلك مقابلات مع مستشارين أمنيين، معظمهم جنود سابقون يعرضون خدمات متخصصة مقابل رسوم فلكية.
فقال ريندون لصحيفة The Guardian: "لم تكن هناك حدود (وكانت الرسوم تصل إلى) مليار دولار، ومليار ونصف".
كانت شركة غودريو تطلب أقل من ذلك بكثير، نحو 213 مليون دولار من عوائد النفط الفنزويلي المستقبلية و1.5 مليون دولار كعربون.
قال ريندون: "من المُفتَرَض أنَّه كان يُخطِّط لشيءٍ في فنزويلا كان سيتم من خلال الحدود الكولومبية". وأخبر غودريو الفنزويليين أنَّ لديه 800 رجل جاهزين للهجوم.
وأسفرت عدة لقاءات عن التوصل في أكتوبر/تشرين الأول إلى اتفاق لـ"عملية للقبض على/اعتقال/إزاحة نيكولاس مادورو… والإطاحة بالنظام الحالي وتنصيب الرئيس الفنزويلي المُعتَرَف به خوان غوايدو".
ونشر غودريو صفحاتٍ من الاتفاق، إحداها مُوقَّعة على ما يبدو من غوايدو، لكنَّ الرئيس المُحتَمَل قال إنَّ هذا ليس توقيعه ونفى سابقاً أي تورط له.
"الشيطان يكمُن في التفاصيل"
أخذ ريندون العلاقة على محمل الجد بما يكفي ليدفع لغودريو 50 ألف دولار من ماله الخاص لتغطية النفقات. وبموجب الاتفاق، كان أمام شركة غودريو 45 يوماً لتدريب وتجهيز القوة المُهاجِمة قبل أن تتسلل فرق الرجال إلى فنزويلا للاستيلاء على مواقع ومبانٍ رئيسية والتشجيع على انتفاضة عامة.
لكنَّ ريندون سرعان ما بدأ يشك في أنَّ غودريو لديه الموارد أو الكفاءة العسكرية التي يدَّعيها، وزاد قلقه من سلوكه الغريب، بما في ذلك مطالباته المتكررة بالحصول على المال.
وأطلع ريندون صحيفة The Guardian على نسخ من نصوصٍ غاضبة على نحوٍ متزايد قال إنَّها من غودريو، يطالب فيها بـ1.5 مليون دولار مُقدَّماً.
وقال ريندون إنَّه فقد الثقة في غودريو بسبب "شخصيته، ومزاجه" و"عدم الاحترام". وقال إنَّ غوايدو أيضاً بدأ يشك في أنَّ غودريو يتحدث أكثر من اللازم. وقال ريندون إنَّه كان يتقابل في كولومبيا مع أشخاص مرتبطين بمجموعات مرتبطة بالنظام الفنزويلي قبل أن يلتقي ريندون وجماعته.
وصل الجدال حول عربون الـ1.5 مليون دولار إلى ذروته بخلافٍ حاد وقع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حين واجه غودريو ونييتو ومنفيون آخرون ريندون في شقته بميامي.
غادر غودريو دون ماله، وقال ريندون إنَّه لم يسمع أي شيء آخر منه حتى شهر أبريل/نيسان الماضي، حين تلقى خطاباً من محامٍ يطالبه بدفع بـ1.5 مليون دولار. وقرَّر غودريو المضي قُدُماً على أي حال.
الاستعداد لعملية التوغل في فنزويلا
وبدأت الاستعدادات على الأرض تتكشف في أواخر مارس/آذار، حين أوقفت الشرطة الكولومبية خورخي ألبيرتو موليناريس وهو يقود على طول ساحل البحر الكاريبي. وكانت سيارته مُعبَّأة بالبنادق الهجومية والسترات الواقية والخوذات العسكرية التي كان ينقلها إلى منزلٍ آمن في مدينة ريوهاتشا على بُعد 88 ونصف الكيلومتر تقريباً من الحدود الفنزويلية.
أخبر موليناريس المحققين بأنَّه كان يوصل شحنة إلى رجل يُعرَف باسم "الفهد"، والذي قالت السلطات الفنزويلية إنَّه هو روبرت ليفن كولينا إيبارا، وقُتِل لاحقاً في الهجوم الفاشل.
وتعقَّدت خطة غودريو أكثر حين أُدين حليفه الجنرال السابق ألكالا بنفس اتهامات تهريب المخدرات التي يواجهها مادورو. وقال ألكالا للصحيفة البريطانية قبل أن يُسلِّم نفسه للسلطات إنَّه كان يعمل بمعرفة "متعاقدين أمريكيين والحكومة الكولومبية"، ولو أنَّه لم يخُض في تفاصيل أكثر.
وبعدما ذهبت المكافأة الكبرى التي اتفق عليها غودريو مع ريندون أدراج الرياح، جعل هذا المكافأة التي أعلنتها الحكومة الأمريكية للمعلومات التي تقود إلى القبض على مادورو (15 مليون دولار) مهمة كل الأهمية بالنسبة له. (أثار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الدهشة هذا الأسبوع بنفيه التورط "المباشر" في المخطط).
وقال بيري، أحد المُرتَزقة الأمريكيين الذين أُسِروا، للتلفزيون الرسمي، إنَّ الخطة كانت تتمثل في خطف الرئيس من قصره الرسمي الذي يعود إلى القرن التاسع عشر في قلب العاصمة كراكاس، ولو أنَّه لن يكون متأكداً كيف لهم أن يفعلوا ذلك. وقال دِنمان للتلفزيون إنَّه كان سيؤمِّن مطاراً عسكرياً قريباً ويُحضر طائرات لإخراج مادورو.
زعم مادورو أنَّ عملاءه اخترقوا العملية قبل وقتٍ طويل وكانوا جاهزين للانقضاض عليها. وقال غوايدو إنَّه لو كان الرئيس الفنزولي سمح بمُضي العملية قُدُماً وهو يعرف، فإنَّ يديه ملطختان بالدماء، حسب تعبيره.