"أهل سقطرى سيكونون جزءاً من الإمارات"، خرجت هذه الكلمات من مؤرخ إماراتي في عام 2018، كاشفاً عن حجم أطماع لأبوظبي في السيطرة على الجزيرة، ويبدو أنه مازالت الإمارات تسعى للهيمنة على سقطرى رغم إعلانها الانسحاب من اليمن منذ نحو عام.
فاليوم 7 مايو/أيار 2020 ، وفي تطور خطير انسحبت القوات السعودية من مواقعها في مدينة حديبو مركز محافظة سقطرى، تزامناً مع حشد المتمردين المدعومين إماراتياً، حسبما نقل موقع قناة الجزيرة عن مصادر يمنية.
كما قال مسؤول حكومي لوكالة الأناضول إن القوات السعودية الموجودة في نقاط تأمين مدينة حديبو وفق اتفاق إنهاء التوتر بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي، انسحبت فجأة.
وأضاف أن ذلك يتزامن مع تحشيد من قبل المجلس الانتقالي، وأن طيران التحالف السعودي الإماراتي يحلق في سماء حديبو ومقر قيادة اللواء الأول مشاة بحري الواقعة تحت سيطرة المتمردين.
وبعد الانسحاب السعودي، أكد مصدر حكومي يمني وصول تعزيزات عبر البحر للمتمردين المدعومين من الإمارات بجزيرة سقطرى تمهيداً لهجوم جديد، واعتبر وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري أن صمت السعودية يفسر بأنه تواطؤ.
وهم سقطرى الإماراتية
يبدو أن السعودية تراجعت أمام أطماع الإمارات كما فعلت في أماكن أخرى بجنوب اليمن، ولكن في سقطرى تحديداً يبدو التراجع السعودي الأخير فجّاً وهو امتداد لسياسة سعودية لترك شأن الجزيرة الاستراتيجية للإمارات وكأنها إرث أبوظبي في اليمن.
والحقيقة أن هذا ليس مبالغة، إذ يتحدث الإماراتيون عن علاقة نسب وقرابة مع سقطرى يترتب عليها حقوق مزعومة لهم في الجزيرة.
ولم تتوان تصريحات إماراتية عديدة عن التلميح إلى أن الإمارات أولى بسقطرى من الحكومة الشرعية.
فسبق أن صدمت ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، الرأي العام بحديثها عن سقطرى في ردها على سؤال لمذيعة BBC حول سبب إرسال أبوظبي قوات عسكرية إلى سقطرى بالتزامن مع تواجد رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر وعدد من وزرائه في الجزيرة.
إذ ردت قائلة: "ما الداعي لأن يذهب رئيس الوزراء اليمني إلى هناك، هو ذهب لوضع حجر أساس لمشاريع عملت عليها الإمارات، والإمارات موجودة من زمان، والمشكلة أن محافظ سقطرى المعين ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها الإمارات إرهابية".
وبدا أن المذيعة استغربت من إجابتها وقالت لها كيف نسأل رئيس وزراء لماذا قمت بزيارة إحدى مدن بلدك.
وكان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش كتب تغريدة قال فيها إن الإمارات تربطها علاقات أسرية وتاريخية مع سقطرى.
ولكن وصل الحديث عن العلاقة المتخيلة بين سقطرى والإمارات لذروته في الفيديو المشار إليه آنفاً الذي سُرّب للمؤرخ الإماراتي حمد المطروشي خلال لقاء يجمعه بعدد من شيوخ وأفراد من أرخبيل سقطرى الموالين للإمارات.
يقول المطروشي في الفيديو الذي نُشر قبل عامين إن سكان سقطرى سيكونون جزءاً من دولة الإمارات، وسيُمنحون جنسيتها، ويضيف أن هذا الأمر أصبح "مفروغاً منه".
وكان تبريره بأن أغلب سكان إمارة عجمان جذورهم من سقطرى.
مضى على هذه الأحاديث فترة، وأعلنت الإمارات انسحابها من اليمن، لكن أهدافها لم تتغير، ويتم تنفيذها عبر المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أعلن الإدارة الذاتية في الجنوب اليمني، والآن تمتد يده سريعاً لسقطرى لينفذ فيها أهداف المشروع الإماراتي بعد تعثره لسنوات في مواجهة مقاومة محافظ الجزيرة وممثلي الحكومة الشرعية.
مازالت الإمارات تسعى للهيمنة على سقطرى رغم مرور كل هذه السنوات، فما السبب؟
منذ فترة مبكرة للحرب اليمنية بدا واضحاً إن الإمارات تسعى للهيمنة على سقطرى اليمنية.
فاللافت أنه رغم أن الحوثيين لم يصلوا إلى الجزيرة، إلا أن الإمارات دخلت سقطرى بحجة إعادة "الشرعية"، وتقديم المساعدات الإنسانية لمواطني المحافظة.
واستغلت الإمارات انشغال الحكومة الشرعية والرأي العام في البلاد، بالحرب أواخر عام 2015، لبناء نفوذ لها في محافظة أرخبيل سقطرى، تحت لافتة العمل الخيري مستغلة إعصاري "تشابالا" و"ميغ" اللذين ضربا الجزيرة وأحدثا دماراً هائلاً في بنيتها التحتية.
فلماذا تريد الإمارات وضع يدها على جزيرة سقطرى اليمنية تحديداً وتبدي كل هذا الاهتمام بها؟
هناك أسباب أخرى لهذا الاهتمام الإماراتي بعيداً عن علاقات الأنساب المتوهمة بين الإمارات وتحديداً عجمان وبين أهل سقطرى، علماً بأن كل أجزاء العالم العربي تربطها وشائج نسب ومصاهرة وجذور قبيلة وعائلية مشتركة، لو فتح هذا الباب للتغيير السياسي لأحال المنطقة إلى جحيم.
أغرب مكان في العالم
توصف جزيرة سقطرى بأنها أغرب مكان في العالم.
يتألف أرخبيل جزيرة سقطرى من أربع جزرٍ في المحيط الهندي قرب خليج عدن، وهي: سقطرى وتعتبر أكبرها، وسمحة، وعبد الكوري، ودرسة، وتبلغ مساحتها 3796 كيلومتراً مربعاً، وعاصمتها حديبو.
لدى الجزيرة غطاء نباتي فريد، إذ إن ثلث النباتات في الجزيرة لا توجد إلّا فيها حصراً دون غيرها، وهي من الأنواع القديمة والمعمّرة والنادرة.
ويعود معظم تلك الأشجار لملايين السنين، كشجرة دم الأخوين التي تُستخدم في مجالات الكيمياء، بالإضافة لأشجار اللبان الشهيرة فيها، حيث يوجد في الجزيرة تسعة أنواعٍ منها.
وتشتهر جزيرة سقطرى بنبتة غريبة يُطلق عليها الوردة الصحراوية، وهي عبارة عن نبات ذات لون بني فاتح، وأزهار زهرية اللون، كما يمكن وصفها بأنها شجرة عملاقة تشبه اللفت السويدي.
وتتوافد على شواطئ الجزيرة الدلافين التي تسبح باستعراضاتٍ رائعةٍ تلفت الأنظار.
كما تزخر مياهها بأنواع متعددةٍ من الأسماك بديعة الأشكال والألوان، وكذلك الأحياء المائية، كالقشريات، والسرطانات، والإسفنج، حيث يوجد في هذه الجزيرة 60 نوعاً فريداً منه، وكذلك الأصداف، والشعاب المرجانية، حيث يوجد منها 352 نوعاً، بالإضافة إلى السلاحف الخضراء الضخمة المنتشرة على شواطئها.
والجيولوجيا السقطرية فريدة أيضاً، إذ يوجد بالجزيرة 52 مغارةً وكهفاً موزعةً في أنحاء المكان.
ومن أكبر تلك المغارات مغارة (جنيبة شبهن)، التي تتميز بروعة تكويناتها الكلسيّة، وبالصواعد والنوازل، وفيها كهف (حوق أحد)، الذي يُعتبر من أغرب الكهوف في العالم، لما يحويه من نقوشٍ ورسوماتٍ وآثارٍ، تعود في تاريخها للإنسان القديم، وقد كان هذا الكهف معبداً دينياً فيما مضى، ومغارة (دي جب)
كما يوجد بها شلالات، وهي دائمة الجريان على مدار السنة، وتشكل بيئة محمياتٍ طبيعية رائعة الجمال.
الإمارات تتطلع إلى السيطرة على جنة جزيرة العرب لاحتكارها سياحياً
يمثل الجانب السياحي دافعاً مهماً للإمارات للهيمنة على الجزيرة الفريدة.
اللافت أن منذ مرحلة مبكرة للتدخل الإماراتي في اليمن ورغم ظروف الظروف الحرب، فإن الإمارات شكلت-بمساعدة أذرعها المحلية- مكتباً لوكلاء السفر والسياحة من أجل السيطرة على الأرخبيل.
وفي بعض الفترات بينما كان يغلق التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات معظم المطارات والموانئ البحرية اليمنية، كان المواطن الإماراتي لا يجد أي صعوبة في السفر من جزيرة سقطرى اليمنية وإليها، ففندق "سمرلاند" أشهر فنادق الجزيرة، لا يكاد يخلو من النزلاء الإماراتيين بغرض السياحة، بعد تحوّل الجزيرة إلى ما يشبه مقاطعة إماراتية خارج الحدود.
وخلال فترة الهيمنة الإماراتية المباشرة، انتشرت حسابات إماراتية على مواقع التواصل تعمل على الترويج لجزيرة سقطرى وجمالها والدعوة للسياحة فيها.
كما ألغت الإمارات دور العديد من مكاتب ووكالات السياحة والسفر في سقطرى، وعملت على احتكار هذه الخدمات لصالح متنفذين إماراتيين متواجدين داخل سقطرى يملكون شركة "روتانا" السياحية التي تحتكر تنظيم الوفود السياحية إلى الجزيرة.
أعقب ذلك قيام أحد المستثمرين الإماراتيين بإطلاق موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، يتحدث باسم الحكومة اليمنية (السلطة السياحية لسقطرى http://socotratourismauthority.com/)، باعتبار أنه الجهة المعنية بتنظيم الرحلات السياحية إلى سقطرى.
شراء الأراضي لبناء القصور
يُعد الاستيلاء على أراضي الجزيرة هدفاً واضحاً للإمارات منذ تدخلها بحرب اليمن.
ولقد وصل الأمر بالإماراتيين إلى هدم أحد المناطق الأثرية المطلة على البحر لبناء قصور شخصية، الأمر الذي استنكره ناشطون عاملون في مجال التراث والبيئة بالجزيرة.
ورغم قرار السلطات المحلية بسقطرى منع التصرف أو توثيق أراضي السواحل وتشكيل لجنة لحصر المخالفات، فإن السلطة المحلية تبدو أضعف من أن توقف الاعتداءات الإماراتية على أراضي الجزيرة.
فالسيطرة على الأراضي، كانت الوجه الأبرز للنفوذ الإماراتي في الجزيرة، وبحسب مسؤول محلي، فقد اشترى مندوب "مؤسسة خليف"، خلفان مبارك المزروعي، المكنى "أبو مبارك"، الذي كان يوصف الرجل الأول للإمارات في الجزيرة، أراضي بمساحات شاسعة في السواحل بالقرب من الميناء وأخرى في منطقة نوجد، جنوب الجزيرة، إضافة إلى الاستيلاء على مساحات في محمية دكسم، المحمية من البناء عليها بموجب القانون اليمني.
وثمة من يرى أن تركيز الإمارات على شراء الأراضي في حجهر عائد إلى الطبيعة الساحرة للمنطقة؛ فهناك "منطقة ضبابية خضراء ممطرة مائية على مدار العام مطلة على شمال وجنوب سقطرى، وهي عبارة عن سلسلة جبلية وتعتبر إحدى أجمل المواقع الطبيعية والمزارات السياحية في الجزيرة"، وفقاً لمصدر سياحي في الجزيرة.
الدافع الأهم للإمارات في سقطرى
بالإضافة إلى الأهداف السياحية وشراء الأراضي لبناء قصور في مناطق سقطرى الخلابة.
يظل الهدف الأهم للإمارات في جزيرة سقطرى هو موقعها الاستراتيجي والذي يتلاءم تماماً مع تصور الإمارات لنفسها كإمبراطورية بحرية، تسيطر على خطوط إمدادات الطاقة عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والسيطرة على ميناء عدن الاستراتيجي.
فمن يهيمن على سقطرى لاسيما ببناء قاعدة عسكرية برية وبحرية بالجزيرة يمكنه أن يسيطر على الملاحة قرب مجموعة أهم المضائق المائية في العالم، فهي ليست بعيدة عن مضيق هرمز وقريبة لمضيق باب المندب ومنه إلى قناة السويس.
وتاريخياً دفعت الأهمية الاستراتيجية لأرخبيل سقطرى بالطامعين الأجانب إلى محاولة احتلالها والسيطرة عليها.
ولكن رغم كل هذه الأموال الإماراتية التي أنفقت من أجل الهيمنة على سقطرى، فإن الجزيرة لا تبدو لقمة سائغة، ورغم التخاذل السعودي، ما زالت قيادتها مصرّة على ولائها للحكومة اليمنية الشرعية والتمسك بوحدة البلاد.