اتهم تقرير دولي دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها لا تتخذ ما يكفي من الإجراءات لمنع غسيل الأموال، وهو ما يثير مخاوف بشأن قدرة الدولة الخليجية على مكافحة تمويل الإرهاب، فماذا يعني هذا ولماذا الآن؟
الإمارات تحت المراقبة
أصدرت مجموعة العمل المالي (فاتف)، الخميس 30 أبريل/نيسان، تقريراً اليوم اتهم دولة الإمارات العربية المتحدة أنها لا تفعل ما يكفي لمنع غسيل الأموال رغم تحقيقها تقدماً في الآونة الأخيرة، وهو ما يثير مخاوف بشأن قدرتها على مكافحة تمويل الإرهاب.
وقالت الهيئة العالمية المعنية بمراقبة الأموال غير القانونية إنها وضعت الدولة الخليجية المتحالفة مع الولايات المتحدة تحت المراقبة الآن ولمدة عام، بحسب تقرير لرويترز.
وذكرت المجموعة في تقريرها أن هناك تحسينات كبيرة أو جوهرية مطلوبة في 10 من بين 11 مجالاً جرى تقييمها لمنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل.
التقرير الذي استغرق إعداده 14 شهراً وشمل زيارة إلى الإمارات في يوليو/تموز الماضي، وأعطى تصنيفاً "منخفضاً" لعمليات التحقيق والمحاكمة بشأن غسيل الأموال وتصنيفاً "متوسطاً" للإجراءات الوقائية والعقوبات المالية المرتبطة بمكافحة تمويل الإرهاب.
وإذا أخفقت الإمارات في إدخال تحسينات فقد تجد نفسها إلى جانب دول مثل سوريا واليمن وباكستان تعتبرها (فاتف) تعاني من "مواطن قصور استراتيجية".
ما هي مجموعة العمل المالي؟
مجموعة العمل المالي (فاتف) هي منظمة حكومية دولية مقرّها العاصمة الفرنسية باريس، تم تأسيسها عام 1989، وتهدف لمحاربة تزوير العملات وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وتضم 200 عضو ما بين دول ومؤسسات وهيئات دولية.
وتعمل المجموعة مع الحكومات لتعزيز الرقابة المالية وتشديدها بغرض محاربة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وذلك من خلال قوانين كل دولة وتقديم النصائح لكيفية سد الثغرات، حيث إن غسيل الأموال نشاط إجرامي له تداعياته على المجتمعات بشكل عام وليس فقط مجال تمويل الإرهاب.
كانت الإمارات، بحسب تقرير المجموعة الصادر اليوم، قد شددت القواعد التنظيمية المالية في السنوات الأخيرة في مسعى للتغلب على مفهوم لدى بعض المستثمرين الأجانب بأنها بؤرة للأموال غير القانونية، وأصدرت قانوناً جديداً لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في عام 2018 كما عملت مع الولايات المتحدة لتطبيق العقوبات المفروضة على جماعات إسلامية متشددة.
لكن "فاتف" قالت إن الإمارات لديها "بوادر إدراك" للمخاطر المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب و"مستوى عالٍ من الالتزام" بتحسين إدراك المخاطر وتخفيفها، وأضافت أنه يجب على السلطات سد ثغرات في قطاعي العقارات والمعادن النفيسة يمكن أن يستغلها محترفو غسيل الأموال، وذكرت أنه يجب عليها أيضاً تعزيز استخدام المعلومات المالية في قضايا غسيل الأموال وفي استرداد إيرادات الجريمة.
كما حثت المجموعة الإمارات على ملاحقة شبكات غسيل الأموال الدولية بنشاط وتعزيز التعاون الرسمي عبر الحدود، وفي هذه النقطة ذكر التقرير أن هناك "غياباً ملحوظاً" لتحقيقات ومحاكمات ملائمة في قضايا غسيل أموال تتعلق بجرائم شديدة المخاطر وقطاعات تعد عالية المخاطر مثل تحويل الأموال.
للقصة جذور ممتدة
التقرير الذي صدر اليوم يأتي في إطار سلسلة من التقارير الدولية التي تحذر من قصة غسيل الأموال في الإمارات، وبصفة خاصة في إمارة دبي، حيث كانت هيئة الشفافية الدولية قد وصفت الإمارة في تقرير لها العام الماضي بأنها "مركز غسيل الأموال"، بحسب تقرير لمجلة فوربس.
وكان تقرير الهيئة المعنية بمكافحة الفساد قد ذكر كيف تحولت دبي لوجهة لمحترفي غسيل الأموال حول العالم، خصوصاً في مجالي العقارات والمعادن النفيسة، مستشهداً بتحقيق تم إجراؤه عام 2018 بواسطة مشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظمة ومركز أبحاث الدفاع المتقدمة وكلاهما هيئات رقابية معنية بمكافحة الفساد والجريمة المنظمة وغسيل الأموال.
وذكر التقرير كيف أثبتت التحقيقات أنه يمكن لأي منظمة إجرامية أو شخص يعمل كواجهة لها أن يشتري عقاراً فاخراً بملايين الدولارات في دبي نقداً دون كثير من الأسئلة أو طلب إثباتات عن مصدر تلك الملايين، وتم رصد 44 عقاراً بقيمة 28.2 مليون دولار يمتلكها أفراد يخضعون لعقوبات دولية، إضافة إلى 37 عقاراً آخر بقيمة نحو 80 مليون دولار يمتلكها أفراد يعملون في مؤسسات وشركات يشتبه في كونها واجهات لنفس الأفراد الخاضعين للعقوبات.
ما قصة غسيل الأموال؟
المعنى الحرفي لغسيل الأموال مشتق من فكرة تنظيف الثياب عبر غسلها، والمقصود هنا هو ضخ أموال تم تجميعها من خلال أنشطة إجرامية في أعمال تجارية قانونية هرباً من ملاحقات رجال الشرطة والقضاء، وبدأ المصطلح في التداول منذ عشرينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة بعد صدور قانون منع المشروبات الكحولية وتحقيق عصابات التهريب والجريمة المنظمة أرباحاً هائلة من الأعمال غير المشروعة.
وعقب محاكمة الولايات المتحدة لرجل العصابات الأشهر آل كابوني بتهمة التهرب الضريبي وسجنه، بعد الفشل في إثبات أي من جرائمه الأخرى، نشطت مهنة "المحاسب" لدى عصابات جريمة المنظمة وكانت مهمته بالأساس هي إيجاد وسائل لإخفاء الأموال غير الشرعية داخل أنشطة قانونية وأعمال قانونية وتلعب البنوك دوراً محورياً في قصة غسيل الأموال.
وعادت القصة للظهور للواجهة مرة أخرى خلال الحرب على المخدرات التي شنتها الإدارات الأمريكية منذ عهد نيكسون، وبدأت مرحلة تشديد قوانين تنظيم الأعمال المصرفية وتدفق الأموال، ومع ظهور العولمة والتجارة الحرة بين دول العالم، أصبحت الحاجة أكبر لوضع قواعد دولية من خلال هيئات واتفاقيات أممية، زادت أهميتها أكثر مع ظهور الإرهاب في محاولة لتجفيف منابع تمويله.