هل يستطيع حفتر السيطرة على إيرادات النفط الليبي بعد إعلانه تنصيب نفسه حاكماً على ليبيا أم أن النفط أصبح أبعد عنه من ذي قبل؟
قد يكون الضرر الأكبر الذي ألحقه حفتر بنفسه بهذا الإعلان مرتبطاً بإيرادات النفط.
فإعلان حفتر عدم اعتراف بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، المعترف بها دولياً، وإنهاء أي علاقة له بالمؤسسات المنبثقة عن الاتفاق السياسي، بما فيها مجلس نواب طبرق الموالي له، سيضعف شرعيته الضعيفة أصلاً.
أفسد حفتر بقراره "نصف الشرعية" التي منحها له مجلس نواب طبرق وتخلص من حليفه عقيلة صالح.
هل يستطيع حفتر السيطرة على إيرادات النفط الليبي بعد تنصيب نفسه حاكماً للبلاد؟
قد تكون الشرعية أمراً غير مهم في ليبيا حيث يعلو صوت السلاح دوماً.
ولكن فيما يتعلق بالنفط تحديداً، فإن الشرعية هي الوسيلة للحصول على عوائده، وهو أمر يغضب حفتر منذ البداية، لأن إيرادات النفط تذهب لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، رغم أنه يسيطر على نحو 80٪ من مساحة البلاد (معظمها مناطق صحراوية)، وحوالي 90٪ من إنتاج النفط، وقرابة نصف سكان البلاد، البالغ عددهم نحو 6.7 مليون نسمة، يخضعون لسلطته.
وبينما يتوقع ألا تعترف الأمم المتحدة وأغلب دول العالم المعنية بالأزمة الليبية بإعلان حفتر توليه السلطة، فإنها ستواصل التعامل معه كطرف أساسي من أطراف الأزمة الليبية.
ولكن المشكلة الرئيسية التي خلقها حفتر لنفسه هي النفط الليبي الذي أصبح يسيطر على أغلبه، وفي الوقت ذاته منع أتباعه من تصديره حتى لا يصل لحكومة الوفاق.
نفط بلا دولارات
منذ 12 سبتمبر/أيلول 2016، تمكنت قوات حفتر من السيطرة على كامل الحوض النفطي (4 موانئ)، وطرد إبراهيم جضران، رئيس حرس المنشآت النفطية (فرع الوسطى) من المنطقة، ولكنه لم يتمكن من تصدير النفط الليبي بشكل شرعي.
وبلغت الإيرادات النفطية الليبية خلال عام 2019، 22.495 مليار دولار، حسبما قال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله.
وتتم عمليات بيع النفط الليبي وفق ترتيبات تشرف عليها الأمم المتحدة.
وتعد جميع حقول وموانئ ومنشآت النفط في ليبيا تحت السيطرة الحصرية للمؤسسة الوطنية للنفط ومقرها طرابلس مقر حكومة الوفاق، وتشرف على عمليات الإنتاج والصيانة والخدمات والتصدير في قطاع النفط والغاز في ليبيا، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2362.
وهي تنسق مع المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق على عقود التنقيب والاستكشاف مع الشركات الأجنبية العاملة في ليبيا.
وتعود أموال النفط بعد تصدير شحنات النفط والغاز إلى مصرف ليبيا المركزي، ثم تصرف الجهات التنفيذية المتمثلة في حكومة الوفاق الوطني أجزاء كبيرة من هذه الأموال على بنود الميزانية العامة للدولة في كل عام.
وتسيطر حكومة الوفاق على "مصرف ليبيا المركزي" و"المؤسسة الوطنية للنفط"، وهما المؤسستان الأهم عند الحديث عن قطاع الطاقة.
ما هو المقدار الذي يصل حفتر من أموال النفط، وكيف؟
واللافت أن حكومة الوفاق تسدد المصاريف الإدارية ورواتب الموظفين في المناطق الشرقية التي يسيطر عليها حفتر، ويستغل حفتر ذلك لتمويل قواته عبر فروع المصارف وبعض بنود الميزانية في شرق البلاد.
إذ إن حكومة الوفاق قد تكون الحكومة الوحيدة في العالم التي تمول أعداءها.
في المقابل، عرقل حفتر إنتاج النفط الليبي منذ بداية عام 2020 عن طريق مؤيدين ومحسوبين له، وهو ما قوبل بانتقادات من الولايات المتحدة وحتى من فرنسا حليفته.
إلا أن فرنسا آنذاك عرقلت إصدار بيان إدانة بحق حفتر لدوره في منع تصدير النفط، كانت قد أعدته الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا.
ويتبرأ حفتر من هذه العملية، قائلاً إن الشعب الليبي هو الذي يمنع تصدير النفط.
وإثر إطلاق حفتر حملته العسكرية على طرابلس العام الماضي، قال المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، خلال إحاطة قدمها لأعضاء مجلس الأمن، في السادس من أبريل/نيسان 2019، إن "عوامل عدة أدت إلى تطور الوضع في الاتجاه الحالي، منها أن حفتر يسيطر على نحو 65% من النفط في البلاد، لكنه لا يحصل سوى على نحو 5% من العائدات.
إذ يمثل النفط واحدة من أكبر خيبات الأمل التي تواجه الجنرال الليبي المتقاعد.
هل يدعمه حلفاؤه في تصدير النفط؟
لكي يصبح حفتر حاكماً رسمياً للمناطق التي يسيطر عليها، فعليه أن يحظى بالاعتراف الدولي، لأنه بدونه لا يمكنه بيع برميل نفط واحد بطريقة شرعية، وكذلك التعاملات المالية مع الخارج، على سبيل المثال، إلا إذا كان يحظى بدعم قوة عظمى مثل الدعم الأمريكي لتايوان، أو سيصبح إقليماً معزولاً مثل "أرض الصومال".
ولكي ينال عترافاً بالسلطة التي أعلنها من جانب واحد أو على الأقل حق تصدير النفط، فإن هذا يستلزم قراراً من مجلس الأمن أو على الأقل موافقة اللاعبين الدوليين الرئيسيين.
وحتى الآن عارضت الولايات المتحدة الأمريكية ما سمّته "اقتراح حفتر"، ورفضت أي "إعلان أحادي الجانب"، كما أن الاتحاد الأوروبي الذي يعد أكبر شريك تجاري لليبيا رفض إعلان حفتر تنصيب نفسه حاكماً على ليبيا.
والأمم المتحدة شددت على أن الاتفاق السياسي والمؤسسات المنبثقة عنه يبقيان الإطار الوحيد المعترف به دولياً للحوكمة في البلاد.
يبقى التساؤل الأهم: ما هو موقف حلفاء حفتر من قراره الأخير، وبالأخص روسيا والإمارات ومصر والسعودية بالإضافة إلى فرنسا؟
روسيا التي تدعم حفتر عسكرياً بشكل غير رسمي عبر مرتزقة شركة فاغنر، لم ترحب بإعلان جنرال الشرق، وقال وزير خارجيتها سيرغي لافروف: "روسيا لن تقبل أن ينصب حفتر نفسه حاكماً لليبيا من جانب واحد".
حتى مصر أحد الداعمين الرئيسيين لحفتر أعلنت تمسكها بالحل السياسي، ما يعني رفضها إلغاء الاتفاق السياسي، وهو ما يضع حفتر في عزلة دولية حتى من أقرب منافسيه.
أما فرنسا فيستبعد أن تخرج عن التوافق الأوروبي، وأن تدعم (وهي الدولة التي تُباهي العالم بثقافتها القانونية) انقلاباً عسكرياً بهذه الفجاجة.
وتبقى الإمارات الوحيدة التي تتسق مواقفها مع فكرة تقسيم ليبيا عبر إعلان حفتر حاكماً على جزء من البلاد.
إذ تدعم الإمارات في اليمن المجلس الانتقالي الجنوبي، الداعي لانفصال الجنوب عن الشمال، لذلك لن يضيرها إعلان حفتر دولته في إقليمي برقة (شرق) وفزان (جنوب) وأجزاء من إقليم طرابلس (غرب).
خيارات حفتر الإماراتية لبيع النفط
خلال الفترة الماضية، جرت محاولات عدة لجعل حفتر يمتلك حق بيع النفط الليبي، وكانت الإمارات هي التي تقوم بهذه المحاولات التي لم تكلل بالنجاح.
ففي مايوأيار 2019، نقلت تقارير إعلامية عن مصادر ليبية مقربة من لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب في طبرق (شرق)، أن مساعي حثيثة تقودها الإمارات في واشنطن لإقناع الأخيرة بجدوى بيع النفط عبر مؤسسة نفط موازية في بنغازي تحت سيطرة حفتر.
وأشارت ذات المصادر إلى تصريحات لرئيس مجلس النواب عقلية صالح، لصحيفة إماراتية، أكد خلالها "وجود ترتيبات للأمور المالية في ليبيا"، مستنكراً أن تقوم قوات حفتر بحماية مصادر الثروة ثم تذهب عوائد تلك المصادر إلى حكومة الوفاق.
وأكدت المصادر أن المساعي الإماراتية تجتهد في الاستفادة من بحث واشنطن عن مصادر لتزويد الأسواق العالمية بالنفط بدلاً من الخام الإيراني الذي تضغط واشنطن لوقف تدفقه حفاظاً على أسعار النفط (في ذلك الوقت بدأت العقوبات الأمريكية على إيران وكان سوق الطاقة يحتاج إلى بديل).
وسبق أن حاولت الإمارات في أبريل/نيسان 2015 مساعدة حكومة طبرق على فتح حساب مصرفي منفصل عن حساب المؤسسة الرسمية في طرابلس لتلقي إيرادات النفط فيها، لكن كل ذلك فشل، حسب المسؤول في إدارة الموارد بشركة سرت لإنتاج النفط، إبراهيم بن غلبون.
وذكر بن غلبون أن "الحكومة المؤقتة بمجلس النواب وقتها كانت هي المعترف بها دولياً قبل حكومة الوفاق، حاولت فتح مكاتب لمؤسسة النفط الموازية لتمثيلها في أكثر من دولة، من بينها الولايات المتحدة، لكنها فشلت في إبرام صفقات أو حتى في مقايضة النفط الخام الليبي بمنتجات نفطية مكررة مثل الوقود".
وفي عام 2018، سلَّم حفتر مؤسسة النفط التابعة لحكومة التوافق موانئ التصدير في منطقة الهلال النفطي بعد فشل في ذلك الوقت في تصدير النفط جراء رفض المجتمع الدولي أي محاولة بيع للنفط خارج شرعية حكومة الوفاق في طرابلس".
وفُسر تراجع حفتر في ذلك الوقت بأنه بسبب رسالة "شديدة اللهجة"، وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لـ"معرقلي تدفق النفط الليبي"، وفقاً لما ذكرته قناة "218" الليبية، الداعمة لحفتر.
تجدر الإشارة إلى أن هناك قراراً من مجلس الأمن رقم 2362 لعام 2017، يدين المحاولات غير القانونية لتصدير النفط من ليبيا، بما في ذلك النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة، من قِبل المؤسسات الموازية التي لا تعمل تحت سلطة حكومة الوفاق.
البحث عن الحل الروسي
وسبق أن لمَّحت تقارير إعلامية محسوبة على الإمارات إلى أن بيد حفتر أن يقنع الروس بالدعم الحالي مقابل تعويضهم بالكلمة الطولى في سياسة الإنتاج النفط الليبي لاحقاً.
وبذلك تحكم روسيا قبضتها على أكبر احتياطي للطاقة في إفريقيا، وتساوم أوبك بواسطته، وتضيف استثماراتها إليه.
ولكن روسيا أبدت عدم قبول تنصيب حفتر لنفسه حاكماً على ليبيا، كما أن روسيا اليوم تعاني مثلها مثل بقية الدول النفطية من تخمة المعروض، فكيف تشجع حفتر أو غيره على تصدير النفط.
محاولات حفتر بيع النفط الآن تأتي في ظروف أسوأ من ذي قبل
في المحاولات الفاشلة السابقة التي سعى إليها حفتر لتصدير النفط بدعم إماراتي، كان السوق في الأغلب متعطشاً للإنتاج الليبي، ولكن اليوم الخام الأمريكي قبل أسبوع تم بيعه بسعر تحت الصفر بنحو 40 دولاراً في ظل تدهور الطلب بسبب أزمة كورونا.
فلا أحد متلهف على شراء النفط اللبيبي ولا غير الليبي.
كما أن المحاولات السابقة جرت وكان حفتر نصف الشرعية التي كان يمنحها له برلمان طبرق، ولكن الجنرال المتقاعد انقلب عليه.
وفي المحاولات السابقة، كان هناك زخم للعمليات العسكرية لحفتر، ولكن اليوم مر أكثر من عام وقد أخفقت حملته على طرابلس، كما أنه تعرض لأكبر نكسة بفقدانه مدن الغرب الليبي خلال ساعات، تبعها توارد تقارير عن اتفاق مع الوفاق لتسليم قاعدة الوطية الحصينة التي كانت تابعة له بعد انشقاق المسلحين بها عنه.
فحفتر لم يعد الحصان الأسود لداعميه الخارجيين ومؤيديه الداخليين، بل أصبح عبئاً عليهم.
وقد أثبت بانقلابه على المؤسسات الدستورية المؤيدة له أنه شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وأنه همه الأول السلطة وليس توحيد ليبيا، كما يقول.
كيف سيكون شكل حكم حفتر بلا نفط؟
المشكلة بالنسبة لحفتر أنه بدون أموال النفط، فإنه لن يستطيع ترسيخ حكمه المتزعزع بشرق ليبيا، ولن يستطيع تمويل آلة حربه، ومرتزقته، خاصة أن حكومة الوفاق اتخذت إجراءات للتضييق على مصادر تمويله لاسيما أن أغلبها غير شرعية.
وفي الوقت ذاته فإن داعمي حفتر الرئيسيين يواجهون تداعيات كورونا التي قد تقلل دعمهم له، فالإمارات تعاني كغيرها من دول الخليج من انحدار هائل في الإيرادات جراء تراجع أسعار النفط، وفرنسا واحدة من أكثر دول أوروبا تضرراً من الجائحة، ومصر بدورها تعاني من تداعيات اقتصادية للمرض كغيرها من البلدان.
المشكلة الأكبر أن حفتر يسيطر على أغلب حقول النفط، وهو لم يسمح بتصديرها شرعياً عن طريق حكومة الوفاق، والآن بعد مزق شعرة معاوية معها، أصبح احتمال حدوث اتفاق على تصدير النفط مجدداً أشد صعوبة.
وفي الوقت ذاته لن يسمح له المجتمع الدولي في الأغلب بتصدير النفط، الأمر الذي يعني أن ليبيا ستفقد إيرادات النفط، التي انحدرت أسعارها أصلاً.
ليعرض حفتر بقراره هذا البلاد إلى خطر كارثة مالية تضاف إلى كارثتي الحرب وكورونا.