بنهاية العام الماضي، بلغ الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى دول الخليج مجتمعةً 620.5 مليار دولار، لكن مع ظهور نتائج الربع الأول من العام الجاري انخفضت تلك الاحتياطات بصورة لافتة، ومع استمرار كارثة أسعار النفط وتداعيات وباء كورونا، من المتوقع أن تتآكل بوتيرة أسرع من المتوقع، فماذا يعني ذلك؟
ماذا يعني الاحتياطي النقدي وما فائدته؟
الاحتياطيات الأجنبية للدول الخليجية تشمل الاستثمارات في أوراق مالية في الخارج، والنقد الأجنبي والودائع بالخارج، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، وحقوق السحب الخاصة، والذهب، وتساعد تلك الاحتياطيات الدول على دعم العملة المحلية وسياسة سعر الصرف والأنشطة الاقتصادية.
كما تساعد هذه الاحتياطيات على تمويل جزء من عجز الموازنة "في حال حدوثه"، وكذلك سداد الديون وتوفير الواردات من السلع في الظروف الاستثنائية، وتُمكن اقتصادات الدول من امتصاص الصدمات الاقتصادية بشكل عام سواء كانت محلية أو عالمية.
وفي ظل وباء كورونا واضطرار جميع الدول إلى تطبيق سياسة الإغلاق ووقف أنشطة الاقتصاد وإلزام المواطنين البقاء في منازلهم، يأتي دور الاحتياطي من النقد الأجنبي لمواجهة التداعيات الاقتصادية ومساعدة الشركات والأفراد على تخطي الظرف الاستثنائي.
هبوط قياسي للاحتياطي النقدي في السعودية
ونبدأ من السعودية، كبرى دول الخليج وأكبر مصدِّر للنفط في العالم، فنجد أن احتياطيات النقد الأجنبي فيها قد انخفضت في شهر مارس/آذار الماضي، بأسرع وتيرة فيما لا يقل عن عقدين، لتبلغ أدنى مستوى منذ عام 2011، بينما سجلت المملكة عجزاً قيمته تسعة مليارات دولار في الربع الأول من العام، بسبب انهيار إيرادات النفط، بحسب تقرير لـ"رويترز" الأربعاء 29 أبريل/نيسان.
وبنهاية العام الماضي، بلغت الاحتياطات النقدية في السعودية 499.5 مليار دولار، تمثل 80.5% من إجمالي الاحتياطات لدى دول الخليج مجتمعة، لكن هذا الرقم انخفض إلى 464 مليار دولار بنهاية مارس/آذار، وقالت مؤسسة النقد العربي السعودي، الثلاثاء 28 أبريل/نيسان، إن صافي الأصول الخارجية للمملكة (الاحتياطي النقدي) هبط بنحو 27 مليار دولار خلال الشهر الماضي فقط، وهو ما يمثل أكبر انخفاض في شهر فيما لا يقل عن 20 عاماً.
وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قد صرح الأسبوع الماضي، بأن المملكة لن تسحب أكثر من 32 مليار دولار من احتياطياتها هذا العام، وستلجأ عوضاً عن ذلك إلى زيادة الاقتراض لنحو 60 مليار دولار لاحتواء العجز المتزايد، لكن يبدو أن تلك التصريحات جاءت أكثر تفاؤلاً من الواقع.
وصباح الأربعاء، قالت وزارة المالية إن العجز في الربع الأول بلغ تسعة مليارات دولار، وعزت ذلك بصفة أساسية إلى انخفاض إيرادات النفط، مقابل فائض 7.4 مليار دولار في الربع الأول من 2019.
وتراجعت الإيرادات النفطية للمملكة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، 24% على أساس سنوي إلى 34 مليار دولار؛ مما دفع إجمالي الإيرادات إلى التراجع 22% على أساس سنوي بحسب الوزارة، وتوقعت المملكة عجزاً قدره 50 مليار دولار، أو 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهي زيادة حادة من نحو 35 مليار دولار العام الماضي، ولكن كل تلك التوقعات، على سوئها، كانت قبل تفشي فيروس كورونا وتهاوي أسعار النفط.
وكان الجدعان قد قال أيضاً إن العجز قد يصل إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن بعض المحللين يتوقعون عجزاً قدره 22% إذا ما كان سعر برميل النفط 30 دولاراً، بينما يجري حالياً تداول النفط في حدود 20 دولاراً.
وعلق حسنين مالك مدير استراتيجية الأسهم لدى تليمر لرويترز قائلاً: "إذا كانت خطط وزير المالية الجدعان لسحب 32 مليار دولار من الاحتياطيات فقط، وفي أعقاب خفض بواقع 27 مليار في مارس/آذار وحده، فإن هذا يعني أنه ستجري تغطية كل المبلغ المتبقي من إصدارات دين سيادي جديد، بافتراض أنه لن تتم عمليات خصخصة أخرى بسبب ظروف السوق".
وكان تقرير صندوق النقد الدولي الصادر مطلع أبريل/نيسان الجاري قد توقع انكماش الاقتصاد السعودي بنسبة 2.3% في العام الجاري، من نمو قدره 0.3% في 2019، وتوقعات الصندوق نمواً بنسبة 2.2% للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام، قبل أن تغير الجائحة جميع توقعات النمو.
وبشأن القطاع الاقتصادي غير النفطي في السعودية، توقع التقرير أيضاً انكماشاً بنسبة 4% في العام الجاري، وهو ما يعني مزيداً من الضغوط، في وقت كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يسعى للتخفيف من اعتماد اقتصاد المملكة على صادرات النفط وتنويع موارد البلاد، في إطار رؤية 2030 التي تبناها، لكنها تبدو الآن حلماً بعيد المنال، خصوصاً أن تقديرات صندوق النقد الدولي جاءت متفائلة، بحسب محللين، لأنها بُنيت على سيناريو افتراضي بانتهاء جائحة كورونا بنهاية يونيو/حزيران القادم، وهو ما لا يوجد مؤشرات بشأنه حتى الآن.
ماذا عن الإمارات؟
كان الاحتياطي النقدي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الإماراتي بنهاية العام الماضي يبلغ 21.3 مليار دولار، دون أن يشمل ذلك الاحتياطي أو حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي، وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت الإمارات ارتفاع احتياطيها من النقد الأجنبي ليصل إلى نحو 110 مليارات دولار بشكل إجمالي.
وكان البنك المركزي الإماراتي قد أعلن في 14 مارس/آذار الماضي عن تدابير بقيمة 70 مليار دولار لضمان السيولة في النظام المصرفي، كي تستطيع البنوك دعم شركات القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والأفراد لمواجهة تداعيات وباء كورونا، وفي ظل تدني أسعار النفط من المتوقع استمرار تآكل الاحتياطي النقدي بصورة أسرع من المتوقع.
وكان تقرير صندوق النقد الدولي قد توقع انكماشاً بنحو 3.5% في اقتصاد الإمارات، بفعل تداعيات الوباء وإجراءات الوقاية والإغلاق الاقتصادي، فإلى جانب انهيار أسعار النفط التي تمثل مصدراً رئيسياً للدخل، جاء أيضاً تأجيل معرض إكسبو 2020 في دبي، الذي كان يمثل فرصة كبيرة لدفع النمو الاقتصادي للعام الجاري، ليشكِّل ضربة إضافية بعد الوباء وأسعار النفط، وكلها عناصر تمثل ضغطاً على الاحتياطي النقدي.
احتياطي الكويت ربما لا يغطي أزمتي النفط وكورونا
الاحتياطي النقدي في الكويت كان قد بلغ 37.75 مليار دولار خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، لكن انهيار أسعار النفط وتداعيات وباء كورونا أثارا قلقاً شديداً على السيناريوهات القادمة بالنسبة للدولة الخليجية التي كانت تتمتع دائماً بالمركز المالي الأقوى بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما تغير بشكل لافت في الأسابيع الماضية.
فقد قامت وكالة "ستاندرد آند بورز" بخفض التصنيف الائتماني السيادي للكويت بمقدار درجة واحدة على خلفية تراجع أسعار النفط، ما أدى إلى الضغط على المركز المالي، وهي المرة الأولى منذ عام 2011 التي يحدث فيها ذلك، حيث ظلت تصنيفات الكويت الائتمانية مستقرة حتى خلال أزمة النفط في عام 2016، وهو ما يضع الكويت في خانة المخاطر التي يوجد فيها بعض المصدرين الرئيسيين الآخرين في دول الخليج.
ووفقاً لتحليل "كامكو للاستثمارات" بشأن حساسية الموازنة في الكويت تجاه أسعار النفط فتقدر أن يصل العجز إلى 707.35 مليون دولار في موازنة السنة المالية 2020-2021، في ظل تغيير سعر النفط بواقع دولار أمريكي للبرميل، بمعدل إنتاج 2.8 مليون برميل يومياً، إلا أن الوكالة تعتقد أنه في ظل قوة الوضع المالي للكويت فيما يتعلق بتمويل العجز وتعزيز نمو القطاع غير النفطي، لا تزال النفقات الرأسمالية عند مستويات مريحة، في ظل توافر الأصول الحكومية التي تتخطى حالياً 4.6 ضعف لتقديرات الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لعام 2020.
لكن العجز الضخم في الموازنة أصبح يحتاج لتعديل قانون الدين العام حتى يسمح للحكومة بإصدار أدوات الدين، وهو ما تم رفضه في مجلس الأمة، ولا تزال النقاشات دائرة حول كيفية مواجهة العجز مع تهاوي النفط، حيث تعتمد الكويت بصورة شبه تامة على صادراتها من النفط، وكل هذه عوامل تؤدي أيضاً لتآكل الاحتياطي النقدي بوتيرة متسارعة، حيث تشير التقارير إلى انخفاض أسعار النفط إلى 25 دولاراً للبرميل، فمن المتوقع أن يتسع عجز موازنة العام الجاري إلى 48.692 مليار دولار، أي أعلى من الاحتياطي النقدي الحالي بأكثر من 10 مليار دولار.
ماذا عن قطر؟
واصل الاحتياطي النقدي لدى قطر ارتفاعه للشهر الـ25 على التوالي، ليصل إلى 55.66 مليار دولار خلال مارس/آذار الماضي، حسب البيانات الصادرة عن مصرف قطر المركزي في أبريل/ نيسان الجاري، وعلى أساس شهري، زاد الاحتياطي الأجنبي لدى قطر بنسبة 0.34%، علماً أنه كان يبلغ 55.47 مليار دولار في فبراير/شباط 2020.
وبشأن تأثير كارثتي وباء كورونا وانهيار أسعار النفط على اقتصاد قطر، يرى مارك روسانو وهو محلل طاقة بشركة "بريميري فيجن" للتحري التسويقي ومقرها الولايات المتحدة، أن قطر لن تتضرر بقدر بقية دول الخليج، رغم أن 2020 سيكون عاماً خاسراً بالنسبة للغاز الطبيعي المسال؛ ومع ذلك، فإن المسار لا يزال في صالحهم على المدى الطويل".
ويتفق معه علي الصفار، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وكالة الطاقة الدولية في نقطة كون بعض الدول، ومنها قطر والكويت والإمارات، مجهزةً بشكل أفضل للتعامل مع فترة انخفاض أسعار النفط من السعودية، على أساس التعداد السكاني والمدخرات المالية الكبيرة التي تعطي بعض الحماية، على الأقل لتجاوز الأزمة على المدى القصير، وذلك في تقرير لوكالة الأناضول.
وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد طلب من الحكومة إرجاء عقود غير ممنوحة لمشروعات إنفاق رأسمالي بقيمة 8.2 مليار دولار؛ وذلك بسبب تفشي فيروس كورونا، وأوضحت وثيقة حكومية أن تفشي الفيروس قد يستمر في التأثير السلبي على الاقتصاد وأسواق المال القطرية وربما يفضي إلى ركود، حسب رويترز.
عمان والبحرين
كانت احتياطيات عمان من النقد الأجنبي تقدر بـ16.6 مليار دولار في نهاية العام الماضي، وذلك لا يشمل الاحتياطي أو حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي، بل تضم فقط عملات أجنبية وذهباً، ومع انهيار أسعار النفط وكارثة وباء كورونا تواجه السلطنة موقفاً اقتصادياً حرجاً للغاية.
وتوقع تقرير نشره موقع البيت الخليجي، أن يقود وباء كورونا إلى أزمة مالية خطيرة في الدول الخليجية وبصفة خاصة في البلدان ذات الإمكانات الاقتصادية الضعيفة كعُمان، حيث يزداد العجز المالي وترتفع الأسعار وينخفض الاحتياطي النقدي وتتصاعد الديون الخارجية ويهبط مستوى معيشة المواطنين، وكلما طالت فترة الوباء ازداد تعقد الأزمة.
وقد وضعت عمان في موازنتها العامة للعام الجاري 2020 تقديرات أن تكون إيرادات النفط والغاز حوالي 20 مليار دولار، وتم تنظيم الموازنة على هذا الأساس وحساب متوسط سعر برميل النفط بـ58 دولاراً، ومع انهيار سعر برميل خام برنت إلى حدود 20 دولاراً حتى الآن، يتضح مدى عمق الأزمة التي يُضاعف من حدتها عاملان؛ الأول اعتماد عمان على الصين التي تستورد 80% من الخام العماني، ومع تداعيات كورونا ووفرة المعروض أمام الصين لا بد لعمان من فتح أسواق جديدة، وهي مهمة شاقة في ظل مذبحة الأسعار الحالية، والثاني كون الخام العماني أقل في سعره من برنت لأنه أقل في الكثافة وفي نسبة الكبريت.
وأخيراً نأتي للبحرين التي سجلت احتياطياً نقدياً قدره 3.5 مليار دولار بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، دون احتساب احتياطيها لدى صندوق النقد الدولي أو حقوق السحب الخاصة، فنجد أن الوضع الاقتصادي للبحرين لا يختلف عن عمان، حيث إنهما الأكثر عرضة لمخاطر الاستدانة وانتشار البطالة من باقي دول الخليج، كما أن الاحتياطي النقدي القليل يتآكل بشكل أكثر تسارعاً.