تسبب فيروس كورونا في فرض تغييرات لم تكن تخطر على بال المسلمين حول العالم في شهر رمضان، لكن وطأة تلك التداعيات تتضاعف بالنسبة لمسلمي الهند الذين يعاني كثير منهم من الفقر والتمييز الممنهج من جانب الحكومة، فكيف هي أوضاع الأقلية الأكبر في شبه القارة الهندية في شهر الصوم؟
الفقراء بلا مصدر رزق
منذ بداية الشهر الفضيل الجمعة 24 أبريل/نيسان، وجدت المؤسسات الخيرية الإسلامية في الهند نفسها تواجه مشكلة متعددة الجوانب، فمن ناحية تداعيات جائحة كورونا والإغلاق التام المفروض على البلاد حظرت إقامة موائد الإفطار الجماعية والتي كانت تمثل عنصراً أساسياً في مساعدة الفقراء وأسرهم، ما جعل اللجوء لأساليب مبتكرة تراعي التباعد الاجتماعي أمراً حتمياً، ومن ناحية أخرى زادت الحملة الحكومية التي تتهم المسلمين بأنهم السبب في تفشي الوباء في شبه القارة الهندية من صعوبة الأوضاع، بحسب تقرير لشبكة RFI.
وعن أهمية توفير الطعام للفقراء في رمضان، قال مازن خان من تحالف العمل الخيري لشبكة RFI: "إطعام الفقراء ومساعدتهم على توفير الإفطار لأسرهم يعتبر من أهم الأعمال الخيرية في شهر رمضان، لكن الإغلاق (بسبب الفيروس) قضى على عادة إقامة موائد الإفطار المجمعة، فكان البديل هو إعداد الوجبات الجافة وتوصيلها للفقراء".
كما تم إنشاء مطابخ مخصصة لإعداد وجبات السحور حرصاً على ألا ينام الفقراء دون تناولها، خصوصاً أن الإغلاق بسبب الوباء حرم أغلبهم من أعمالهم اليومية التي لا مصدر دخل لديهم سواها.
تحريض بدعم حكومي
رمضان إذن مختلف بالنسبة لجميع المسلمين حول العالم بسبب الوباء، لكنه أكثر قسوة على فقراء مسلمي الهند الذين فقد معظمهم أعمالهم اليومية بسبب الإغلاق، إضافة لحملات التشويه والكراهية التي تجعل من يخرج منهم للبيع أو الشراء يتعرض للتنمر والاعتداءات وربما ما هو أخطر.
وحتى بالنسبة لمن لا يعانون من الفقر المدقع، رمضان هذا العام مختلف بشكل مزدوج، ويصف جاوس محمد، ميكانيكي سيارات في الـ54 من عمره الأمر بقوله إن رمضان هذا العام في الهند "لا يشبه أي شيء عشته في حياتي، ويبدو أن هذا هو العادي الجديد والذي ليس بيدنا شيء لتغييره؛ فهناك الفيروس الذي قتل وأصاب الآلاف بالعدوى، وهناك أيضاً التحريض ضدنا ما يستدعي أن نكون حذرين بشكل مضاعف لنحمي أنفسنا من الفيروس ومن الآخرين أيضاً".
ويبلغ تعداد المسلمين في الهند أكثر من 200 مليون شخص، يمثلون الأقلية الأكبر عدداً في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار، ومنذ تولي ناريندرا مودي رئاسة الوزراء قبل نحو 6 سنوات يتعرض المسلمون لحملة قمع واضطهاد هي الأسوأ منذ استقلال الهند عام 1947.
ومطلع أبريل/نيسان الجاري، ظهرت موجة أخرى من موجات الكراهية ضد المسلمين أو الإسلاموفوبيا بعد اتهامات لفعاليات دينية نظمتها جماعة التبليغ في المساجد وأسفرت عن تفشي موجة جديدة من حالات الإصابة بفيروس كورونا.
وساهم مسؤولون هندوس في الحكومة ووسائل إعلام في تأجيج مشاعر الغضب ضد المسلمين بإصدار تصريحات تربط بينهم وبين انتشار الفيروس وظهرت حملات على منصات التواصل الاجتماعي تحمل تحريضاً مباشراً، على الرغم من أن فعاليات مماثلة نظمتها جماعات هندوسية كانت أيضاً قد تم عقدها في الهند، بل وشارك يوجي أديتياناث، الوزير الأول في ولاية أوتار براديش، في احتفال هندوسي بعد يوم واحد من قرار الحكومة فرض حالة إغلاق تام.
كما خضع 40000 شخص في 20 قرية للحجر الصحي في ولاية البنجاب بعد ظهور حالات إصابة بفيروس كورونا يعتقد أنها مرتبطة بواعظ سيخي عاد من رحلة قادته إلى إيطاليا وألمانيا. وتجاهل الواعظ نصائح بشأن الحجر الصحي الذاتي.
وقالت المؤرخة رانا سافي في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: "بدلاً من الحجر الصحي بسبب كورونا، ينبغي أن يكون عندنا الحجر بسبب الكراهية".
أكبر إغلاق في العالم
كانت الهند قد مددت قبل أسبوعين إجراءات العزل العام على مستوى البلاد لسكانها البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة وذلك حتى 3 مايو/أيار المقبل، وهو الإغلاق الأكبر عالمياً على الإطلاق، واليوم الثلاثاء 28 أبريل/نيسان قاربت حالات الإصابات 30 ألفاً والوفيات 939 حالة.
وقال مودي في خطاب بثه التلفزيون إن التحدي يكمن في منع انتشار الفيروس إلى مناطق جديدة من البلاد، لكنه عبّر عن أمله بأن يتم تخفيف بعض القيود الأسبوع المقبل في المناطق الأقل تضرراً للسماح بالأنشطة الأساسية، وأضاف أنه "حتى الثالث من مايو، يجب على كل هندي البقاء في العزل. أطلب من جميع الهنود أن نوقف انتشار فيروس كورونا إلى مناطق أخرى".
ولم يقدم مودي إغاثة فورية لملايين الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب إغلاق الاقتصاد، لكنه قال إنه يشعر بألمهم في الوقت الذي تكافح فيه الأسر الفقيرة من أجل الحصول على الطعام ولا يستطيع العديد من العمال المهاجرين الوصول إلى قراهم.