أدَّى إعلان الحكم الذاتي في جنوب اليمن من قبل أقوى الجماعات الانفصالية الجنوبية نفوذاً إلى نشوء مخاوف من تصاعُد الصراع في اليمن.
جاء هذا الإعلان في توقيت تسعى فيه الأمم المتحدة إلى تطبيق وقف لإطلاق النار في أنحاء البلاد لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
رفض من الداعم الرئيسي
أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة الداعمة الرئيسية للانفصاليين اعتراضها على إعلان الحكم الذاتي، وحثَّت الجماعة على الوفاء باتفاق السلام الذي وقَّعته العام الماضي مع الحكومة المعترف بها دولياً، والذي يؤكِّد مشاركة الحكم في الجنوب.
أما السعودية -التي تقود بمعاونة الإمارات تحالفاً إقليمياً سنِّياً يقاتل في اليمن- فنادت بتراجع الانفصاليين عن خطوتهم.
وقد أعربت الأمم المتحدة أيضاً عن تخوُّفها، مشجِّعةً الأطراف المتنازعة على الالتزام بشروط اتفاق السلام، المعروف باسم اتفاق الرياض.
إعلان الحكم الذاتي في جنوب اليمن سيؤدي إلى صراع مزدوج شديد التعقيد
أصبح الصراع في اليمن شديد التعقيد، فالصراع الأساسي به يدور بين التحالف بقيادة السعودية والحوثيين الموالين لإيران.
ثم نشأ صراع آخر يتركز حول السيطرة على مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية ومناطق أخرى تدور بين قوتين داخل التحالف الذي تقوده الرياض.
إذ تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، بينما تدعم السعودية الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً برئاسة عبدربه منصور هادي. وجميع الأطراف معادية للحوثيين المتحالفين مع إيران، لكن الضغينة داخل التحالف تزداد تدريجياً منذ أكثر من عامين.
فلَطالما اشتبك المجلس الانتقالي الجنوبي -المؤيد لفصل جنوب اليمن عن شماله- مع الحكومة اليمنية الواقعة تحت نفوذ الشماليين منذ عقود.
ويستنكر المجلس ودولة الإمارات تحالف هادي مع حزب التجمع اليمني للإصلاح، أحد الأحزاب الإسلامية واسعة النفوذ. وبينما يعتبر الجانب السعودي حزب الإصلاح جزءاً من نسيج اليمن السياسي، فإن الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي يعارضان أي دور لحزب الإصلاح بسبب ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين.
لماذا جاء الإعلان في هذا التوقيت؟
يبدو أن الاتهامات التي تزعم التباطؤ في تطبيق الهدنة كانت الحافز وراء قرار المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن بإعلان الحكم الذاتي خلال العطلة الأسبوعية الماضية، حسب الصحيفة الأمريكية.
وقد مثَّلت هذه التوترات آخر ضربةٍ موجَّهةٍ إلى جنوب اليمن، بعد أن أسفرت سيول أصابت مدينة عدن على البحر الأحمر عن مقتل 14 شخصاً على الأقل، منهم 5 أطفال. ويُذكر أن عدن هي العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. بالإضافة إلى اكتشاف أولى حالات الإصابة بكوفيد-19 هذا الشهر، ما أدَّى إلى مخاوف من انتشار المرض سريعاً في وقتٍ يواجه فيه اليمن نقصاً حاداً في تمويلات المساعدات الإنسانية.
الاتفاق لم يلبِ طلبات المجلس الجنوبي
يُذكر أنه في أغسطس/آب المنصرم، استولى مقاتلو المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن بعد اشتباكات دامت 4 أيام، وأسفرت عن مقتل ما يصل إلى 40 فرداً وإصابة 260، وإجبار عشرات آلاف المدنيين على الهروب من المدينة. وقد دفع ذلك التحالف إلى استهداف حلفائه أنفسهم بغارات جوية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، وقَّع المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية اتفاقية سلام في الرياض. وقد احتفت بها السعودية والإمارات وقوى غربية باعتبارها تمهيداً للطريق نحو إيجاد حل سياسي أشمل من شأنه وضع نهاية للحرب الأهلية والأزمة الإنسانية في اليمن.
لكن قال محللون إن اتفاق الرياض لم يخاطب الشكاوى الباطنية للجنوبيين ولا مطلبهم الأساسي بالانفصال. وقد تكرَّر التأخر عن موافاة المواعيد النهائية للاندماج العسكري وتأسيس حكومة تكنوقراط تتقاسم السلطة، وألقى كلا الجانبين باللوم على الآخر.
في أثناء ذلك، تركَّز الانتباه الدولي على وقف إطلاق النار السعودي مع الحوثيين وظهور فيروس كورونا.
وعلَّقت إليزابيث كيندال، الباحثة في شؤون اليمن بجامعة أكسفورد، قائلةً: "كانت هذه لحظة مناسبة لاتخاذ المجلس الانتقالي الجنوبي موقفاً". وأضافت أن السيول هي الأخرى قد بدأت "تبارياً سياسياً في إحراز النقاط بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، اللذين استشهد كلاهما بالاستجابة الضعيفة من الآخر كدليلٍ على عجزه عن الحكم".
وعلى مدار العطلة الأسبوعية اتَّضح أن انعدام الثقة قد تفاقم من جديد.
إذ نشر نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك تغريدةً صباح يوم الأحد، 26 أبريل/نيسان، اتَّهم فيها حكومة هادي بوضع عوائق أمام اتفاق الرياض وبالفساد وسوء الإدارة. وقبل ساعاتٍ، أعلن الانفصاليون حالة طوارئ في عدن ومحافظات جنوبية أخرى. وأعلنوا أيضاً اعتزامهم فرض سيطرتهم على الميناء والمطار الجوي والبنك المركزي ومناطق حكومية أخرى.
وصرَّح وزير الخارجية اليمني بأن الإعلان هو "استمرار لتمردهم المسلح" وحذَّر من وقوع "عواقب خطيرة وكارثية".
انتهزوا فرصة تلهف السعودية للخروج، والحوثيون قد يستغلون قرارهم
وتأتي خطوة الحكم الذاتي في ظل إضعاف حكومة هادي على يد المكاسب العسكرية الكبيرة للحوثيين والدلائل على أن السعوديين يبحثون عن مخرج من هذه الحرب.
ومن شأن هذا أيضاً الإضرار بفرص السلام، إذ إن الإعلان "يصعِّب من وقف إطلاق النار والتسوية السياسية"، على حد قول بيتر سالزبوري، كبير محلِّلي شؤون اليمن لدى مجموعة الأزمات الدولية.
وأردف سالزبوري قائلاً: "إن المجلس الانتقالي الجنوبي هو من الجماعات التي تقاتل الحوثيين على الأرض. فإذا لم يكونوا طرفاً في اتفاقٍ لوقف إطلاق النار أمكن للحوثيين المجادلة بأنه لا وجود لوقف إطلاق النار".
بينما واصلت إليزابيث كيندال قائلةً: "الفائزون على المدى القصير هم الحوثيون (الموالون لإيران) بالطبع، إذ إن تجدُّد الشروخ في التحالف يبدِّد الطاقة والموارد بعيداً عن الحرب الموجهة ضدهم".