أصبح القرض الذي طلبته مصر من صندوق النقد الدولي محور أحاديث الاقتصاديين في البلاد، في وقت تواجه فيه القاهرة -كغيرها من الدول- التداعيات الاقتصادية لانتشار تفشّي فيروس كورونا.
وأعلن مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، أمس الأحد، أن الحكومة المصرية تقدمت بطلب حزمة مالية من صندوق النقد الدولي لمساعدتها في مواجهة أزمة فيروس كورونا.
وسبق أن حصلت على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد على دفعات، في إطار خطة إصلاح هيكلية للاقتصاد المصري لتقليل العجوزات في مالية البلاد، تضمنت رفع الدعم عن الوقود، وتحرير سعر الجنيه المصري، مما أدى إلى ارتفاع الدولار من نحو 9 جنيهات إلى أكثر من 18 جنيهاً، ثم تراجع إلى مستوى 15.70 مؤخراً.
ورغم الإشادة الدولية بالتجربة، فإن صندوق النقد اكتسب صيطاً سيئاً لدى المصريين بسبب موجة الغلاء التي سببتها هذه الإصلاحات.
وخصص صندوق النقد الدولي مبلغ تريليون دولار قد يرتفع لتريليون ونصف لتمويل الدول الأعضاء خلال أزمة كورونا.
في هذا التقرير نرصد أهم المعلومات المتوفرة عن القرض الذي طلبته مصر من صندوق النقد الدولي مؤخراً لمواجهة تداعيات أزمة كورونا.
هل هو قرض أم منحة؟
من الواضح أنه سيكون قرضاً، وليس منحة، حسبما ذكر تقرير لوكالة رويترز.
وليس من المعروف ما هي قيمة الفوائد على القرض، ولكن قروض صندوق النقد تتضمن فوائد متدنية مقارنة بسعر السوق، كما أن الصندوق وعد في إطار مواجهة تداعيات كورونا الاقتصادية أن تكون القروض المقدمة لدول العالم الثالث، ولاسيما الأكثر فقراً (التوصيف الأخير لا ينطبق على مصر غالباً) بفوائد منخفضة جداً.
والقرض السابق الذي حصلت عليه مصر تراوحت الفائدة عليه بين 1% و1.5%.
لماذا تطلب مصر القرض؟
الحكومة اتخذت هذه الخطوة، لأن انتشار الفيروس يضغط على قطاع السياحة بمصر، أحد الروافد المهمة في الاقتصاد، وعلى قطاعات أخرى أيضاً، حسبما قال رئيس الوزراء المصري.
وأدت الأزمة الناتجة عن تفشّي فيروس كورونا لتوقف قطاع السياحة بمصر، الذي يسهم بما يتراوح بين 12 و15٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما أغلقت البلاد مطاراتها أمام معظم حركة الملاحة في مارس/آذار. كما تهدد الأزمة التحويلات النقدية من المصريين الذين يعملون بالخارج وصادرات الغاز الطبيعي وعائدات قناة السويس.
إضافة إلى ذلك فإنه بعد تعويم الجنيه، أصبح الاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على تدفق الأموال الساخنة التي تحوز السندات وأذونات الخزانة الحكومية، نظراً لأنها تقدم للمستثمرين عوائد (فوائد) مرتفعة، وأدت الأزمة المالية العالمية إلى تراجع هذا المصدر بشكل كبير أيضاً في ظل حالة الحذر التي تخيّم على المستثمرين.
وانخفض حجم الاحتياطي النقدي بقيمة 5.4 مليار دولار خلال أبريل/نيسان 2020 عن الشهر الماضي.
خطوة استباقية
ويأتي الطلب "كخطوة استباقية فى ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها كل دول العالم وتطورات الأوضاع العالمية".
وقالت الحكومة في بيان: "يعتبر طلب المساندة من صندوق النقد الدولي أمراً مهماً خلال هذه الظروف والأوضاع الاستثنائية الحالية بهدف الاستمرار في الحفاظ على استقرار مؤشرات الاقتصاد المصري، وتحوطاً من أى تأثيرات سلبية قد تعوق قدرته على التعافى وعودة النمو الاقتصادى".
وقال طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء، إن البلاد لديها مع ذلك ما يكفي من احتياطيات النقد الأجنبي لمواجهة تأثير الوباء لمدة عام أو عامين.
وقال محمد أبو باشا الاقتصادي بالمجموعة المالية هيرميس: "من المنطقي تماماً بناء وسائل تخفيف إضافية نظراً للضبابية الحالية".
كم سيكون حجم القرض؟
قال نائب محافظ البنك المركزي، رامي أبوالنجا، إن المبلغ الذي تطلبه مصر لم يتحدد بعد.
ولكن من المتوقع أن تسعى مصر للحصول على ما يتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، حسبما قالت رضوى السويفي رئيسة قسم البحوث ببنك الاستثمار فاروس.
كيف ستستخدم الحكومة هذه الأموال؟
تسعى مصر خلال مفاوضاتها مع الصندوق إلى الحصول على التمويل على أساس أداة التمويل السريع واتفاق الاستعداد الائتماني للصندوق.
والبرنامجان مصممان من أجل الدول التي تواجه احتياجات عاجلة أو محتملة لموازين مدفوعاتها.
وقالت رضوى السويفي: "القرض الجديد سيتوجه غالباً إلى دعم عجز الموازنة وإعادة هيكلة بعض القروض في ظل انخفاض الموارد الدولارية لحين عودتها من جديد بعد الانتهاء من أزمة كورونا".
متى ستحصل مصر على القرض؟ وما المدة الزمنية للبرنامج؟
وصلت المباحثات بشأن البرنامج الجديد إلى مرحلة متقدمة، بحسب بيان مجلس الوزراء.
وستبدأ مناقشات برنامج الدعم المالي والفني خلال الأيام القليلة المقبلة، حسبما قال رئيس الوزراء.
وقال صندوق النقد الدولي، في بيان، إنه يتوقع عرض طلب مصر للتمويل السريع على مجلس إدارته خلال أسابيع.
وقال طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء، إن مصر تسعى إلى برنامج دعم لمدة عام (أي أن عملية الإقراض ستكون على مدار عام).
وقال نائب محافظ البنك المركزي، رامي أبوالنجا، إن مصر ستسعى إلى السداد على مدى خمس سنوات.
وقالت كريستالينا جورجيفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، في بيان صحفي: "حزمة الدعم المالي الشاملة هذه إذا تمت الموافقة عليها فستساعد في تعزيز الثقة في الاقتصاد المصري وإحراز مزيد من التقدم لحماية الفئات الأكثر ضعفاً وتوفير الأساس لانتعاش اقتصادي قوي".
شروط القرض الذي طلبته مصر من صندوق النقد الدولي
ووفقاً لبيان مجلس الوزراء، فإن القرض الذي طلبته مصر من صندوق النقد الدولي يأتي طبقاً لبرنامج أداة التمويل السريع (RFI) وبرنامج اتفاق الاستعداد الائتماني (SBA).
وتقدم أداة التمويل السريع (RFI) مساعدات مالية عاجلة لكل البلدان الأعضاء في الصندوق التي لديها مشكلات في ميزان المدفوعات، أي لديها مشكلات في مصادر العملة الصعبة مثل السياحة والتحويلات وغيرها، ولكنها لا تحتاج إلى تنفيذ برنامج كامل.
وبحسب صندوق النقد، فإن هذه الآلية تُقدم في صورة قروض مباشرة دون الحاجة إلى الدخول في برنامج كامل أو مراجعات دورية للاقتصاد، مثلما حدث خلال فترة البرنامج في مصر.
أما برنامج اتفاق الاستعداد الائتماني (SBA)، فيقدم قروضاً سريعة بمدة تتراوح بين 12 و24 شهراً وتوافق الدولة التي تحصل عليه على تعديل سياساتها الاقتصادية للتغلب على المشكلات التي تواجهها.
ولدى هذا البرنامج مراجعات منتظمة يجريها الصندوق لمتابعة تقييم الأداء الدولة في ظل البرنامج المطبق.
وقد يعني أن البرنامج الثاني سيرتبط بشروط ومراجعات من قِبل صندوق النقد.
وقال نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، إن الاتفاق الجديد المزمع بحثه مع صندوق النقد الدولي بدون إجراءات صعبة، داعياً المواطنين لعدم الخوف.
وتابع: "أنا أعرف أن كلمة صندوق النقد الدولي ومفاوضات مرتبطة في الوجدان المصري بشروط وإجراءات جديدة".
وأردف قائلاً: "ولكن أؤكد أن كل إجراءات الإصلاح المالي والنقدي تم الانتهاء منها ولن يكون هناك إجراءات لها ثمن اجتماعي"، حسب تعبيره.
وقال المتحدث باسم الحكومة: "معظم الإجراءات ستكون مرتبطة بالإصلاح الهيكلي".