بعدما سجلت أسعار النفط الأمريكي مستوى أقل من الصفر بنحو 37 دولاراً يوم الإثنين الماضي، بات السؤال الذي يطرحه الكثيرون هل يمكن أن يشتري مواطن عادي برميل نفط من الأسواق؟، وهل يمكن أن يتسلمه؟
كان نفط خام غرب تكساس الأمريكي، قد وصل لسالب 37.63 دولار (سعر الإغلاق)، الإثنين 20 أبريل/نيسان، أي أن من اشترى ألف برميل (الحد الأدنى لعقود النفط) حصل على أكثر من 43 ألف دولار من صاحب النفط، ثم عاد ألسعر اليوم التالي الثلاثاء للارتفاع إلى 20.54 دولار للبرميل (لعقود يونيو/حزيران).
"عربي بوست" التقى بشاب مصري له تجربة واقعية في شراء النفط من الأسواق، وكاد يمنى بخسارة كبيرة في الأزمة النفطية الأخيرة.
الشاب المصري الذي يعمل في مجال البورصة وله استثمارات محدودة في مجال بورصات العملات والمعادن والسلع روى لـ"عربي بوست"، تجربته الشخصية مع أسواق النفط، وأجابنا على السؤال الذي يطرحه الكثيرون، هل يمكن أن يشتري مواطن عادي برميل نفط من الأسواق؟
في البداية يقول الشاب المصري الثلاثيني الذي رفض ذكر اسمه "ما حدث من تراجع أسعار النفط إلى 37 بالسالب كان يتعلق بعقود بيع النفط الأمريكي (غرب تكساس) المفترض تسليمها في أول مايو/أيار 2020.
وكان هناك عدة أسباب وراء ذلك أبرزها:
– تداعيات أزمة كورونا الاقتصادية وحرب الأسعار بين روسيا والسعودية
– أن السعودية بكرت موعد تسليم عقود مايو/أيار وطلبت من المشترين استلام النفط الذين تعاقدوا عليه وبالتالي أصبح بحوزتهم نفط لم يتعاقدوا على بيعه.
– أغلب المشترين كانوا مضاربين لا يمكن أن يتسلموا النفط فهم اشتروه كعقود بغرض إعادة بيعه.
– المشترون الفعليون الذين كانوا يريدون استلام النفط لم يجدوا أماكن للتخزين ليضعوه فيها خاصة في الولايات المتحدة".
ويقول "إنه سبق أن اشترى في أسواق النفط، وحقق مكاسب تصل لـ7 آلاف دولار في إحدى المرات، ولكن لحسن الحظ لم أشتر هذه المرة، ولكن كنت أتابع الأسواق عن كثب".
هل يمكن أن يشتري مواطن عادي برميل نفط من الأسواق؟
سألناه هل يمكن أن يشتري مواطن عادي برميل نفط من الأسواق؟، وما هي الإجراءات للقيام بذلك.
يقول "يجب أن يكون لديه حد أدنى من الخبرة، وقدرات مالية متوسطة على الأقل".
ولكن الأمر لا يعني أنه يجب أن تكون متخصصاً أو خبيراً اقتصادياً، أو شديد الثراء للاستثمار في هذا المجال.
ما هي الخطوات المطلوبة لكي يمكن لك شراء النفط ومن أين؟
يجب أن تكون مسجلاً في شركة سمسرة تتعامل مع بورصات الفوريكس (بورصات العملات والمعادن والنفط والسلع)، حسب محدثنا.
يقول الشاب المصري الثلاثيني "هناك بورصة دبي للذهب والسلع، وأنا شخصياً مكود بها (مسجل)، وأقوم بالتحويلات المالية عبر البنك لشركة السمسرة هناك".
كما أن هناك بنوكاً أجنبية شهيرة يمكن التعامل عبرها في بورصة السلع في شيكاغو.
وهناك شركة مصرية لديها فرع في البحرين، التي بها سوق لتداول العملات والسلع.
هل هذه الشركات موجودة في العالم العربي؟
الشركات التي تتعامل مع في هذا المجال لا يوجد لها ترخيص في مصر وأظن دول الخليج أيضاً أغلبها لا يوجد بها شركات مرخصة لذلك.
ولكن هناك بورصة دبي للمعادن والسلع، والشركات تأخذ رخصة منها، ويمكن تحويل الأموال لها عبر المصارف.
كما أنه يمكن اللجوء لمؤسسات مثل بلومبيرغ أو ساسكو بنك أو رويترز وبنك أوف أمريكا عبر الإنترنت، ويمكنك فتح حساب، لديهم، وقد تُسأل بعض الأسئلة للتأكد من فهمك للمجال.
وهناك بعض البنوك في مصر لو أنت عميل كبير يمكن أن يوفروا لك خيار التعامل في بورصة العملات والسلع والمعادن.
ما هي الشروط لكي تتمكن من العمل بتجارة النفط وما المبلغ الذي تحتاجه؟
لكي يتمكن أي مواطن عربي من الاستثمار في هذا المجال يجب أن يكون مركزه المالي جيداً، ولا نقصد بجيد أن يكون فاحش الثراء، ولكن يحتاج إلى أن يستثمر على الأقل مبلغ في حدود 5 آلاف دولار.
الشرط الثاني والأهم يجب أن يكون عنده فهم لهذا المجال وتاريخ ولو لفترة ليست كبيرة، ولكن كافية للتعامل مع هذا المجال الصعب.
فشركة السمسرة المحترمة يجب أن تتأكد أن العميل الذي تقبله، له تاريخ في الاستثمار في البورصة ولاسيما بورصات العملات والسلع والمعادن ويفهم المخاطرة.
ولكن هناك شركات لا تراعي ذلك.
والنتيجة أنه في الأغلب سيخسر العميل أمواله.
وأضاف قائلاً "هناك عرف يصل إلى قوانين ولوائح في العديد من الدول والمؤسسات بأن العميل الصغير الذي ليس لديه خبرة لا يجب أن يتعامل بشكل مباشر في بورصات الفوريكس (العملات والسلع والمعادن)، وتشترط أغلب الدول والمؤسسات أن يكون العميل لديه ملاءة مالية معينة لا يجب أن تكون كبيرة جداً بالضرورة ولكن لا تكون قليلة أيضاً".
وبعد ذلك يتم تكويده (تسجيله) في شركة تداول في بورصات العملات والسلع والمعادن (فوريكس)
كيف يتم الشراء؟ مكاسب خيالة وخسائر يمكن أن تمحو ثروتك
يتم الشراء عبر إعطائك الأوامر لشركة السمسرة التي تتعامل معها.
ولكن النفط تحديداً له مخاطر كبيرة، وهذا ما جعلني أعدل عن الشراء قبل الأزمة بأيام قليلة، رغم أنني سبق أن اشتريته، حسبما يقول محدثنا.
والسبب في ذلك أنه في تجارة النفط أنت مجبر على شراء كمية أكبر بكثير من قيمة الأموال التي لديك.
فلو سعر برميل النفط 20 دولاراً وأنت سوف تشتري ألف برميل قيمتها 20 ألف دولار.
فإنك ستدفع فقط 2000 دولار، أي حوالي 10% من قيمة ما تشتريه، وشركة السمسرة تعطيك قرضاً بالباقي فيما يعرف بالشراء بالقرض أو الشراء بالهامش، وبعض الشركات تسمح أن تدفع 1% فقط من قيمة ما سوف تشتريته.
يبدو الأمر مغرياً، ما المشكلة إذن؟، فلنذهب جميعاً لشراء النفط
الواقع أن الأمر يحمل مخاطرة كبيرة.
لأن سعر برميل النفط لو هبط 2 دولار فقط وأنت قمت بشراء ألف برميل، فهذا معناه أنك سوف تخسر ألفي دولار.
لأنني لو كنت اشتريت ألف برميل قيمتها 20 ألف دولار، ونزل البترول 2 دولار، فإن قيمة ما اشتريته سوف تكون 18 ألف دولار، وبالتالي سوف تكون الخسارة تعادل قيمة المبلغ الذي دفعته كله.
أي إذا كان هبوط الأسعار بنسبة 10% فستخسر كل أموالك.
والعكس لو صعد البترول 2 دولار فهذا يعني أنني قد كسبت ضعف المبلغ الذي دفعته.
ويلفت محدثنا الانتباه إلى أنه في الأصل كان نزول وهبوط العملات والنفط والمعادن بنسب ضئيلة تصل إلى أعشار في المائة في اليوم، ولكن ما يحدث الآن مختلف.
والأفضل بطبيعة الحال ألا يجري العميل عملية واحدة، بل يجب أن تكون عمليات متعددة، على مدار فترة.
ولكنه استدرك قائلاً "الاستثمار في هذا المجال سواء النفط او العملات أو السلع، احتمالات الخسارة فيه كبيرة".
والأنجح في هذا المجال البنوك خاصة البنوك المركزية الكبرى لأن بعضها أصبح لديها معادلات للتعامل مع الاحتمالات، إضافة إلى امتلاكها أموالاً ضخمة، حسب قوله.
هل يمكنك استلام النفط الذي اشتريته فعلياً؟
لو أردت استلام النفط يمكن أن تتسلمه، يمكن أن تتسلمه في دبي على سبيل المثال، حسب محدثنا.
ويضيف "هذا عقد حقيقي، ليس هناك لدى البائع المشكلة في أن يسلمه لك، المشكلة لديك أنت في كيفية استلامه، لأنك مجرد مضارب دخلت في مجال عمل حقيقي".
هذا النظام وجد للشراء الحقيقي للنفط ، ثم تحول جزء منه للمضاربة.
وهدف هذا النظام هو ضمان تثبيت سعر السلعة، عبر ما يعرف بالشراء الآجل، من خلال تحديد سعرها على أساس تسليمها في توقيت معين، وبالتالي فإن المؤسسات التي تستهلكها تستطيع أن تتعامل مع أسعار متوقعة، فإذا كانت شركة معينة تحتاج لنفط في شهر يونيو/حزيران 2020، فإنها تعلم مسبقاً ما سعره عبر الشراء من وسيط قام بالشراء الآجل.
ولكن الواقع أن الغالبية الأفراد العظمى المتعاملين في هذا المجال، هم من المضاربين والمستثمرين وليسوا من المشترين الحقيقيين.
وما حدث يوم الانهيار العظيم للنفط أن موعد عقود المشترين المضاربين لخام غرب تكساس قد حل بعد تبكير السعودية له.
وفي المقابل فإن شركات السمسرة كان يجب أن تقوم بتحصيل القروض التي قدمتها للمضاربين، وإذ رفض المشتري البيع في الموعد المحدد فإن شركة السمسرة قد تدخل وتبيع حيازته لتحصل على أموالها.
وفي هذا الصدد، يكشف الشاب المصري المستثمر في أسواق المال أن يوم انخفاض سعر النفط إلى ما تحت الصفر، حدثت خسارة للعديد من شركات السمسرة (رغم يفترض أنها لا تخسر).
لأنه في حالات انهيارات الأسواق التقليدية، سواء في النفط أو الأسهم، فمهما تراجعت الأسعار، فإن عمليات البيع تكون بقيمة موجبة، لذا تحصل شركات السمسرة على حقوقها أو جزء منها على الأقل، وإذا تبقى شيء تعطيه للمضارب، ولكن هذه المرة، فإن النفط تم بيعه بالسالب وبالتالي لم يكون هناك أموال أصلاً لتحصل منها الشركات على حقوقها.
"هذا حدث سيسجل في التاريخ الاقتصادي"، حسب تعبيره.