مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "نصوم أم لا نصوم.. هذا هو سؤال فيروس كورونا المُستجَد في رمضان"، تناول الظروف الاستثنائية التي يواجهها المسلمون في شهر رمضان الذي تقوم شعائره على التجمعات في زمن التباعد الاجتماعي.
هل يؤثر الصيام على المناعة؟
يتمثَّل أحد التحديات التي يواجهها المسلمون المُتديِّنون خلال جائحة فيروس كورونا المُستجَد في الاحتفاء بشهر رمضان المُبارَك، حيث عَمَدَت الكثير من الحكومات والسلطات الدينية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، خوفاً من أن تؤدِّي التجمُّعات الدينية إلى تصاعد العدوى، إلى تقليصٍ حادٍّ في الشعائر المرتبطة بالشهر الكريم وفي تجمُّعات الإفطار، لكن هذا العام، يتعلَّق الجدل الأكبر بممارسة أحد أركان الإسلام الخمسة -الصيام.
من المغرب إلى إندونيسيا، فَرَضَت الحكومات بالفعل قيوداً على الاحتفالات الرمضانية، بما في ذلك حظر صلاة الجماعة والإفطار الجماعي التقليدي. في مصر، الشهيرة باحتفالاتها الرمضانية المزدحمة والصاخبة كلَّ ليلةٍ من المغرب إلى الفجر، فَرَضَت الحكومة حظر تجوالٍ من التاسعة مساءً إلى السادسة صباحاً.
أجابت السلطات الدينية الإسلامية على السؤال المطروح حول الصيام بإصدار الفتاوى. أصدر الأزهر في مصر بياناً يُذكِّر كلَّ المسلمين أن عليهم الصيام هذا العام، ولا استثناء في ذلك. وقال الأزهر في البيان: "لا يجوز عدم الصيام خلال شهر رمضان بسبب فيروس كورونا المُستجَد. الصيام فرضٌ وواجب على المسلمين".
وفي الإمارات العربية المتحدة، قال مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي إن الصوم يمكن أن يُستثنى منه المرضى. وقال المفتي، علي أحمد مشعل: "لا عذر لأحدٍ عن الصوم، باستثناء المرضى الذين يتناولون أدويةً، والذين قد تتعقَّد حالتهم الصحية بسبب الصيام".
وهناك اختلافاتٌ بين السُنَّة والشيعة حول الصوم في ظلِّ تفشي فيروس كورونا المُستجَد، فقد أصدر رجل الدين الشيعي العراقي آية الله بشير حسين النجفي فتوى تفيد بأن الصوم يقوِّي نظام المناعة وقد يقي المؤمنين من الإصابة بالفيروس. وكبرهانٍ على ذلك، استشهد النجفي بحديثٍ للنبي محمد ينصح فيه بالصوم للحفاظ على الصحة.
ظروف استثنائية
غير أن صيام رمضان يبدو مختلفاً تماماً على الأرجح، ففي كلِّ عام، تعجُّ غرف الطوارئ في دول الخليج بالمرضى، الذين يعانون بالأساس من التهابات القناة الهضمية وآلامٍ بالمعدة، ويتضح أن الكثير من المسلمين يأكلون طعاماً في رمضان أكثر مِمَّا يتناولون بقية العام. ووفقاً لدرجة حرارة الجو، أي حين يأتي رمضان خلال شهور الصيف، تشهد المستشفيات أيضاً حالاتٍ من الجفاف والإرهاق، وأحياناً الإصابة بجلطات.
كان نور الدين بوكروح، الرئيس السابق لحزب التجديد الجزائري العلماني، أحد القلائل الذين تحدَّثوا علانيةً هذا العام، فكَتَبَ على صفحته على منصة فيسبوك أن "المسلمين بحاجةٍ إلى تعليق الصوم هذا العام لأن منع الطعام عن الجسد.. يزيد من انتشار الفيروس، وسوف يزيد من مخاطر تفشٍ أوسع"، ولم يمض وقتٌ طويل حتى واجه اتهاماتٍ بالخوض في قضيةٍ دينية.
سيكون الرأي الطبي في المجتمع الإسلامي أبطأ في التغيير، ففي عيون العلماء المسلمين اليوم، يرتبط العلم العلماني بالغرب المُلوَّث أخلاقياً، وبالتالي لابد من رفضه بأيِّ ثمن. وغالباً ما يتفاقم هذا الرأي القائل بأن فيروس كورونا المُستجَد، وغيره من المخاطر الطبيعية، ليست بيد الإنسان أن يسيطر عليها، بل في يد الله. غير أن هذا الموقف لم يمنع رجل الدين الإيراني عباس تبريزيان من الادِّعاء بأنه قادرٌ على علاج الفيروس عن طريق دهان زيت البنفسج على فتحة الشرج. يُذكَر أن البعض يطلق على تبريزيان "طبيب في الطب الإسلامي".
الصيام والصحة
نعود إلى السؤال هل صيام رمضان صحيٌّ أم لا؟ في السنوات الأخيرة، توصَّلَت العلوم الطبية ودَرَسَت منافع الصيام -وبعض أشكال الصيام شائعةٌ في العديد من الأديان في العالم، ووفقاً لعددٍ كبير من الأبحاث الطبية، يمكن لصيام رمضان أن يقلِّل مستويات الكوليسترول في الدم، وأن يخفض ضغط الدم، وأن يساعد كذلك في الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، حتى أن بعض المُصابين بأمراضٍ مُزمِنة يشهدون تحسُّناً عند الصيام تحت إشرافٍ طبي، بما في ذلك مُصابون بالتهاب المفاصل والربو والاكتئاب.
ولقد توصَّل الكثير من المسلمين عبر أرجاء العالم إلى طرقٍ يمكنهم بها استبدال الاحتفالات الرمضانية التقليدية، من خدمات الإفطار الإلكترونية، حيث تتشارك العائلات والأصدقاء الإفطار على تطبيق Zoom.